الشمال السوري بعد تحرير جرابلس

الشمال السوري بعد تحرير جرابلس
ملامح جديدة لخطوط الصراع وتحولات الوضع على الأرض في الشمال السوري، بعد نجاح معركة تحرير جرابلس، من داعش، عبر عملية عسكرية سريعة، سجلت فيها تركيا حضورا فاعلاً كمؤشر على القدرة في التأثير المباشر، في مجريات الاحداث، حال توفر أسباب التدخل، ونعني به، قرار الحسم، المرتبط بموافقة أطراف دولية معنية بالشأن السوري. 

من شأن هذه التطورات أن تشكل انعطاف جديد، علاوة عن أنها تعيد رسم خطوط المصالح وتقاطعاتها بين القوى الدولية: واشنطن و موسكو، من جهة، وتركيا وإيران من جهة ثانية، وتعيد تموضع خطوط التشابك فيما بينها، بعد اختلاطها لما يقرب  من عام، فإنها  - بلا شك - تضيف تعقيدات ومآزق إضافية، تدخلها تطورات الأوضاع في سوريا، هذه المرة، نحو مزيد من تداخل المصالح الإقليمية وتعارضها، في انعكاس مباشر، عبر ما يجري في شمال سوريا، منذ معركة تحرير عين العرب/ كوباني، وصولا الى طرد داعش من جرابلس، مروراً بتحرير منبج واحتلالها من " قبل قوات سوريا الديمقراطية " إلى أحداث الحسكة، التي أظهرت إرباكاً بيّناً في العلاقة بين أطراف حليفة فيما بينها " نظام الأسد وصنيعته الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "، أدت إلى اتخاذ قرار روسي بتسليم المدينة لميليشيا مسلم، في سياق تطاحن المصالح الأمريكية – الروسية. وثمة – في الواقع- جانب اقتصادي، لهذا النزاع، يتصل بسيطرة الكردستاني على الموارد الاقتصادية، ومن ضمنها النفط، الذي تريده واشنطن أن يكون تحت سيطرتها بالوكالة.

وإذا كان ما يجري هو استمرار لما يشهده الشمال السوري من تطورات وتقلبات واحتلالات، منذ قرابة ثلاثة اعوام وحتى اليوم، فإن نتائج التحالفات الجديدة سرعان ما بدأت بالظهور، عبر تغيرات مباشرة في علاقات القوى الفاعلة في المنطقة: إيران وتركيا وروسيا، بشكل خاص، وضعت التواجد العسكري الامريكي، وحليفه الأساسي / المؤقت "قسد" في موقف صعبٍ للغاية، تبدو تحولاته قاب قوسين او ادنى إثر تصريحات بايدن من انقرة، بدعم التدخل التركي في جرابلس، و وجوب تراجع ميليشيا صالح مسلم الى شرقي الفرات: الانكماش.

معركة حلب، لم تكن غائبة، وما يحدث من تبدلات في السياسة وعلى الأرض، هو واحد من اهم تجلياتها وتأثيراتها الكبرى، وهي التي دفعت إيران وموسكو، لفتح صفحة جديدة في الشأن السوري، مع تركيا البلد الأكثر دعماً للمعارضة السورية، والأشد تمسكاً – خلال السنوات الخمس الأخيرة- بوجوب رحيل الأسد، وتبنيها لخيارات العمل العسكري للمعارضة السورية، ومحاولاتها مراراً لإنشاء منطقة حدودية عازلة، يحظر فيها عمليات عسكرية لنظام الأسد، قوبلت على الدوام بالرفض من طرف واشنطن بالدرجة الأولى، تحت مبررات غير مقنعة: وجوب انخراط أنقرة بصورة كليّة في التحالف الدولي لمحاربة داعش. وقد أدت مواقف واشنطن من ذلك، إضافة الى دعم ميليشيا صالح مسلم، الى فتور في التفاهمات الاستراتيجية وصلت مرحلة حرجة مع الاتهام التركي الغير مباشر للبيت الأبيض بدعم الانقلاب، وعدم الاستجابة لمطالب أردوغان بتسليم غولن أو ترحيله.

يتضح جلياً أن كلاً من طهران وموسكو، قد أوجدتا خطوطاً مشتركة مع انقرة، بعد أن منيتا بخسائر كبيرة على صعيد استراتيجي في حلب، بالمقابل فإن استمرار الدعم الأمريكي لـ " قسد " سوف يقود الى امرين أساسيين هما تهديد الأمن القومي التركي من ناحية، وان التمدد " الكردي " في الشمال السوري، سوف يعزز التواجد الأمريكي في المنطقة. ومن هنا ايضاً يمكننا فهم الأبعاد الخلفية للمواجهات العسكرية، بين نظام الأسد و مليشيا مسلم. كل طرف يوظف المعطيات المتوافر لديه، لصالح الاستفادة من فترة التفاهم والتقارب التي قد لا تطول. 

لقد دفعت التطورات والتحديات العواصم الثلاث الى إيجاد نقطة تفاهم مشتركة: القبول التركي بتصورات الحل السياسي في سوريا، وهي تقوم على تفعيل مخرجات فيينا، أي بقاء الأسد لفترة انتقالية يُتفق بشأنها، مقابل دور تركي في لجم تمدد " قسد " وإقفال طريقها في السيطرة على مزيد من المناطق، بعد تحريرها من داعش. يمكننا فهم الدور التركي في معركة جرابلس بناء على هذه المعطيات.

التدخل التركي المباشر على الأرض، يعكس قلقاً متنامياً، تسببت به سياسات البيت الأبيض، والتي دعمت قسد، ولم تمنح الجيش الحر مقومات الاستمرار، سواء في مواجة النظام الأسدي او داعش، كما انها تركت روسيا، تفعل ما تشاء في سوريا، دعما لمرتكبي أبشع الجرائم ضد البشرية. هذ التدخل تأخر كثيراً وكان يفترض أن يكون سعوديا – تركياً، لكن التحشيد له، أجهضته واشنطن، لصالح دعم صالح مسلم، ولصالح استمرار داعش كمصدر أساس لاستمرار اشتعال المنطقة، وإبقائها في دائرة النزاعات طويلة الأمد، ضمن استراتيجيات مكافحة الارهاب، التي لم تُؤدي الى نتائج حاسمة على الرغم من وجود تحالفين تقودهما واشنطن وموسكو.

معركة تحرير جرابلس، هي رسالة مباشرة الوضوح وشفافة، لكل أطراف التدخل والصراع في سوريا، وإن جاء التدخل التركي متأخراً – كما أشرتُ آنفاً -  خيرٌ من الاّ يأتي، فقد أضحت سوريا بلداً مستباحاً لحروب الأطراف على أرضها، و يجب وضع حدّ لذلك، كي تستعيد الثورة السورة طريقها نحو الخلاص. وهي رسالة تدفعنا للتأكيد على ان داعش نمرٌ من ورق، و " قسد "حطب لم يعد استخدامه مرغوباً في المرحلة القادمة، فالتبدلات سريعة والتحالفات، تحقق غاياتها على عجل، بعد أن أحرقت معركة حلب رداء موسكو وعمامة الولي الفقيه في طهران.

تحرير جرابلس، يضع امامنا سؤالاً مهماً، عن معركة تحرير الرقة (من داعش وقسد ). من هي أطرافها في ظل التبدلات، وإلام تقود في المستقبل القريب! 

التعليقات (2)

    الكردي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    هلا بشرفكم صدقتو أن تركيا عم تحارب داعش وتحرير جرابلس من داعش كان تمثيل هما نفسون بس غير لبسون وانتو كمان أكبر من داعش قناة الجزيرة العربية كلكم فتنة طائفية

    مصطفى الدروبي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    توصيف واقعي وبانورامي للمشهد السوري بعد تحرير جرابلس والمطلوب اليوم من جماعة الإئتلاف والذين لم يؤلفوا بين قلوب السوريين لتاريخ الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع لكل القوى والشخصيات الوطنية من أجل وضع برنامج اللخلاص الوطني الديمقراطي والعمل على وجه السرعة لإعادة بناء جسم الجيش الحر من جديد ودعوة كل شباب سوريا بالمهجر للالتحاق به كنواة للجيش الوطني السوري القادم مع مزيد من التنسيق مع الأخوة الأتراك فهم الوحيدون الذين صدقوا بما وعدوا إستناداً إلى إستقلالية القرار الوطني ماأمكن مع دعوة التخلي عن الأسلمة.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات