يربح ولا ينتصر

يربح ولا ينتصر
ترتبط كلمة "الربح" عادة، ووفق المراجع التصنيفية اللغوية، بالمال والاقتصاد، وبالمقادير التي يمكن أن يحققها التُجّار أو رجال الأعمال أو السماسرة أو المقامرين، من وراء أعمالهم التجارية وصفقاتهم، النظيفة وغير النظيفة، وهي كلمة ترتبط عمومًا بجني المال رغم أنها صارت تُستخدم أيضاً في مجالات أخرى، ومن يربح فإنه يحصل على مال أوفر نتيجة عمله، ويمكن أن تكون أقرب كلمة لتوصيف نقيضها هي (الخسارة).

بالمقابل، ترتبط كلمة "الانتصار"، بالمعارك السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية، وبغلبة أحد المتخاصمين، وبنتائج تصادم الجيوش، والأضداد، وترتبط بالشعوب والأحزاب والتيارات والقوى، الكبيرة منها والصغيرة، الفردية والجماعية، وأقرب كلمة لتوصيف نقيضها هي (الهزيمة).

إذاً، "الربح" و"الانتصار" هما كلمتان مختلفتان، وصحيح أن استخدامهما بات متداخلاً من دون تمييز، إلا أن الدقة في استعمال كل منهما أمر ضروري، وخاصة إن تعلق الأمر بشأن ذي أهمية كبرى كالشأن السوري.

بعيداً عن الكلام الحماسي الثوري، والتوصيف البطولي لصمود السوريين، مدنيين ومقاتلين، كباراً وصغاراً، في كل المناطق التي يقفون فيها بوجه النظام وحلفائه الكُثر، يمكن القول إن النظام السوري يربح أحياناً، لكنه لا ينتصر، بل ولن ينتصر.

يربح "شبيحته" بضائع وأثاث من سرقة و"تعفيش" بيوت الناس وأرزاقهم، ويربح عناصر حواجزه أموالاً من "البلطجة" على الناس في الحواجز وسرقة ما في محافظهم، وتربح "ميليشياته" المُنفلتة أموالاً من ابتزاز الناس بالأتاوات وبالتهديد بالسجون.

يربح رجال أمنه من خطف البشر، وطلب الفدى من السوريين الأغنياء حتى لو كانوا موالين للنظام، ويربح صف ضباطه من طلب الأموال للسماح للأهالي برؤية أبنائهم المعتقلين في الزنازين، ويربح ضباطه من بيع الطرقات للمهربين، ويربحون بيوتاً وعقارات يستولون عليها ويزورون قيودها باسمهم، ويربح أمراء حربه من محاصرة المدن والبلدات، وبيع البضائع بأسعار مضاعفة للسكان، وبيع الطرقات لتمرير الطعام والشراب للجياع فيها.

يربح كبار رموز النظام وحيتانه من إخفاء السلاح من مستودعات الجيش وبيعه للمعارضة، ومن صفقات توريد الأسلحة لقوات النظام، ويربحون في صفقات الدولة التي باتت تعطى لهم مباشرة دون أن تخضع لمناقصات، ويربحون من بيع النفط مع شركائهم في (داعش) وغيره، ومن صفقات ضخمة يجنونها من وضع اليد على أراضي شاسعة أدخلوها في المخططات الجديد للمناطق المُدمّرة، كما يربح مسؤولوه وإعلاميوه (جعالات) توضع في حساباتهم ليستمروا بدعمه بأصواتهم وأقلامهم.

تربح القوات الطائفية العاملة معه، العراقية والإيرانية والأفغانية، جنسيات سورية تحصل عليها بالتزوير، وتربح بيوتاً في المدن التي يقوم فيها النظام بتغيير ديموغرافي، وتربح ميليشيات حزب الله اللبناني رضى ملالي قم بتنفيذها أجنداتهم الطائفية.

وفق مفهوم "الربح" و"الانتصار"، يمكن القول إن النظام السوري ومؤيديه وحاشيته ربحوا، إذ صارت بيدهم ثروات ضخمة، تضاعفت مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، نهبوها بطرق دنيئة لا أخلاقية، دون رادع قانوني أو إنساني، لكنهم بلمقابل، لم يحققوا أي "انتصار"، فلا هم انتصروا في حربهم العسكرية، ولا انتصروا في معاركهم السياسية، و"هُزموا" في الميدان، وخرجت مدن ومناطق بأكملها عن سيطرتهم، و"هُزموا" سياسياً وباتوا منبوذين إلا ممن يشبههم، و"هزموا" كذلك اجتماعياً، وصاروا مكروهين من شعبهم، كُرهاً لن يتساقط بالتقادم.

ليس لدى النظام السوري القدرة على تحقيق أي "انتصار" من أي نوع، لا على الصعيد العسكري، ولا على الصعيد السياسي، ولا حتى القدرة على الانتصار لفكرة أو مبدأ، فمن نهب شعبه وسرقه، وابتزّه وسطا على ماله، ونشل مدخراته، واستولى على أملاكه، وسلبه قوتَه، واغتصب حقّه، لا يمكن أن ينتصر، وسيبقى مهزوماً أبداً، حتى لو انتفخت جيوبه، وسيبقى الفارق شاسعاً، بين "ربحٍ" يحققه النظام وبين "انتصارٍ" سيحققه الشعب يوماً دون ريب.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات