سِرَّنا في بيرهم

سِرَّنا في بيرهم
بات من المؤكد أن (أسرار) وتفاصيل بنود الاتفاق الأمريكي - الروسي حول سورية، محصورة بين الولايات المتحدة وروسيا، فحتى الدول الأوربية الكبرى الفاعلة والتي لها علاقة بالحرب السورية، مٌستبعدة من معرفة التفاصيل، وينطبق نفس الأمر على الأمم المتحدة ورئيسها، وعلى ستيفان دي مستورا، الذي من المُفترض أنه عرّاب الأزمة السورية أممياً، وبالطبع، وقبل كل ذلك ينطبق على المعارضة السورية، التي لا تعرف سوى مُلخّص عنها قدّمه لها مبعوث أمريكي، من باب رفع العتب.

وزير الخارجي الفرنسي "جان مارك أيرولت" طالب بنشر بنود الاتفاق، وقال بما يُشبه العتب، بأنه ينبغي على واشنطن إطلاع حلفائها على نص الاتفاق المبرم مع الروس، كذلك اتّضح أن ألمانيا ومستشارتها، وبريطانيا ورئيس وزرائها، وكذلك مؤسساتهما الدبلوماسية والعسكرية، ليس لديهم أدنى اطلاع على هذه البنود، ولم تفتح لهما روسيا والولايات المتحدة أبواب مستودع أسرارهما، فيما يتعلق بمصير سورية.

أما المعارضة السورية، والممثلة هنا بالهيئة العليا للمفاوضات، والتي من المفترض أنها أحد الطرف الأول (أو الثاني) في الاتفاقية، بافتراض أن النظام هو الطرف الآخر، فهي بعيدة عن معرفة البنود التي لم تتلق نسخة عنها، وأعلنت ترحيبها المتحفظ دون أن تعرف ما فيها، وأعرب مسؤولوها عن "قلقهم" لأنهم لا يعرفون التفاصيل.

أراد الروس والأمريكيون أن تكون بنود الاتفاقية سرّية، حتى على حلفائهم الأوربيين، دون تقديم مبرر مُعلن لذلك، ووفق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فإن الولايات المتحدة هي التي رفضت الإعلان عن بنود الاتفاق وطلبت كتمانها، وأن موسكو (اللطيفة والصادقة والشفافة) اقترحت تقديم الاتفاق بالكامل للرأي العام، وتبنيه كقرار لمجلس الأمن الدولي، لكن واشنطن منعتها، وهذا الكلام ليس قطعياً بالطبع، فقد اعتاد السوريون (وغيرهم) أن يكون الروس كاذبين، كما اعتادوا (هم وغيرهم) أن يكون الأمريكيون غير مكترثين، لا بِردِّ الاتهام ولا بإنكار ما يُنسب لهم.

الاتفاقية المعنية التي أجازها وزيرا الخارجية الأمريكي - والروسي في 9 أيلول/ سبتمبر، والمكونة من خمس وثائق، تحتوي على اتفاقات تهدف لما يحلو لهما وصفه بـ "الأعمال العدائية" بدلاً من الهدنة، تمهيداً لأرضية تسمح بتكثيف الحرب على الجماعات "الإرهابية"، التي تراها الولايات المتحدة (تنظيم الدولة الإسلامية) و(تنظيم فتح الشام)، وتراها روسيا كل الشعب السوري عدا جماعات النظام.

رأس جبل الجليد الذي أُعلن من الاتفاقية يشير إلى الاتفاق على نزع الأسلحة من محيط طريق الكاستيلو في حلب، والذي تتناوب قوات المعارضة والنظام على السيطرة النارية عليه، ويقترح إقامة "مركز تنفيذ مشترك" أمريكي - روسي لتبادل المعلومات، ويدعو لوقف القصف العشوائي والبراميل والطلعات الجوية للنظام في منطقة متفق عليها، وهي منطقة غير مُعلنة ولا تشمل كل سورية، كما يؤكد على ضرب المعارضة التي لا تنأى بنفسها عن التنظيمين الإرهابيين السابقين.

لم تُشر البنود المُعلنة للاتفاقية للتنظيمات الإرهابية الأخرى الموالية للنظام، كـ (حزب الله اللبناني) و(الفاطميون) و(الزينبيون) و(الحرس الثوري الإيراني) و(فيلق القدس) و(أبو الفضل) والباكستانيين والشيشان والأفغان واليمنيين والعراقيين وغيرهم كثر، ومن شبه المؤكد، وفق التصريحات الروسية، والتسريبات الأمريكية، أن هذه التنظيمات ليست مذكورة حتى في البنود السرّية، ما يعني تشريع عملها ومنحها عقد عمل لا غبار عليه.

لم تُشر البنود المُعلنة للاتفاقية، إلى مصير الأسد، ولا للعملية الانتقالية، لأنها برأي الروس (مسألة سورية بحتة!!!)، ولا لمحاسبة كبار رموز نظامه الحربيين، ولم تُشر لآلية واضحة لمنعهم من مواصلة حربهم وقتلهم للشعب، ولا لآلية لمعاقب النظام إن خرق الهدنة وعاد لرمي براميله على المدنيين المساكين، وأيضاً، من شبه المؤكد، وفق التصريحات الروسية، والتسريبات الأمريكية، أن كل هذا ليس مذكوراً حتى في البنود السرّية.

تثير هذه السرّية الريبة، والغضب، فهذه الاتفاقية، التي يبدو أنها مشؤومة -ما لم يُثبت العكس- هي أمر يهم كل السوريين فرداً فرداً، صغاراً وكباراً، مسيحيين ومسلمين، سنّة وعلويين ودروز واسماعيليين، وكل الطيف السوري، فهي نظرياً ستحدد مصيرهم، مصر 25 مليون سوري، هم أهم بألف ألف مرّة، من كل مصالح (الدب) الروسي، ومصالح (الدب) الأمريكي، وكل مآربهم وخططهم وعبثهم اللامتناهي، وتؤكد، للمرة العاشرة ربما، صحّة ما قاله الأسد يوماً بأن هنا مؤامرة، لكن على الشعب وليس عليه وعلى نظامه.

ما من سوري يوافق على هذه السرّية، وحتى لو صدر قرار أممي بهذه الاتفاقية، فإنها لن تكتسب شرعية من السوريين، ولن يُقنع الحل الذي سينتج عنها السوريين، لأنهم لم يكونوا ببدايتها كما لم يكونوا بنهايتها، ولن يسمحوا، على المدى القريب أو البعيد أن يُفرض عليهم شيء.

من حق من دُمّرت بلده، وقُتل نحو نصف مليون من شبابه وشيبه، وتشرّد ونزح نصفه، أن يعرفوا ما يجري بخصوص حاضرهم ومستقبلهم، ومن ثار على (تشبيح) النظام، لن يقبل بتشبيح الغريب، ومن رفض حقد النظام، لن يقبل بحقد القيصر والعم سام، ومن حق أصحاب الثورة، أن يعرفوا كل تفاصيل هذا الاتفاق ويدلوا برأيهم فيه، ولن يُلاموا إن رفضوه وأصروا على الاستمرار بثورتهم، ليس ضد النظام فقط، بل ضد (الاستعمار) الروسي - الأمريكي أيضاً.

التعليقات (3)

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    مادام الاتفاق سري فهو على الاغلب يسيء لهم . البترول البترول هو هدفهم وللوصول له يجب قتل اصحابه وبما ان اصحابه كثر فيجب تفريقهم والاستفراد بالثوار والقضاء عليهم بالترتيب والاستعانه ببعضهم على بعض وذلك من خلال تصنيفهم معتدل وارهابي . لم يعد العدو الحقيقي بشار الاسد منذ زمن بل امريكا بوجهها المزيف وايران وثآرات الحسين وروسيا ومنع البترول الخليجي من الوصول لاوروبا. لذلك بعد داعش النصره ثم جيش الفتح ثم جيش الاسلام وهكذا

    علي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    تفي عليهم **** شردونه شربة من دمنه

    النبك مسلوبة

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    سينتصر الشعب مهما تكالبت عليه الأمم
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات