الأكراد و(فوبيا) العربية

الأكراد و(فوبيا) العربية
قبل حفنة من الأيام، أو ربما الأسابيع، قامت مستشارة (الإدارة الذاتية) الكردية، والناطقة باسمها، بعقد مؤتمر صحفي، لممثلي الإعلام السوري والعربي، استعانت فيه بمترجم إلى اللغة العربية، لأنها لا تتقنها!!! على الرغم من أنها تُمثّل -نظرياً- وتتحدث باسم جهة سورية تُسيطر على نحو عُشر مساحة سورية، جهة تدّعي دائماً أنها ضد التقسيم ومع سورية بلدًا واحدًا لكل مُكوّناته.

قبل أن يبدأ (الشبيبة) الأكراد بالهجوم، وهو ما ألفناه خلال السنوات الأخيرة عند أول كلمة انتقاد، لابد من التأكيد، هنا، بأننا لا نتحدث عن اللغة العربية، ولا نُحاول الإشارة إلى إبداع الصرف والنحو والبلاغة فيها، ولا المعاني والبيان والبديع -البديع فعلاً- كما لا نُحاول التذكير بما قاله الفرنسي إرنست رينان بأن اللغة العربية "بدأت فجأة على غاية الكمال"، ولا بما قاله الألماني فريتاغ "اللغة العربية أغنى لغات العالم"، وفي نفس الوقت، لا نَذمّ ولا نُنتقص من اللغة الكردية، التي تتمتع بالجمال وغنى المفردات والتنوع، المرنة والديناميكية، صاحبة القدرة على الصمود رغم الهجمات التي كانت تستهدفها، والتي تخطت حاجز الفناء.

كما لا نتحدّث هنا، بالتأكيد، من منطلق إنكار الحقوق أو تجريدها، أو لدعم موقف من يعتقد من الأكراد أن هناك غزو ثقافي عربي لهم، كما لا ندعو إلى القضاء على اللغة الكردية أو صهرها بالعربية، كما لا نتحدث عن "إضعاف اللغة الكردية من أجل إضعاف الروح القومية لدى الأكراد" كما يتصور بعض المصابين منهم برُهاب (العربية فوبيا).

من غير المعقول، ومن البعيد عن المنطق، والعقل، أن يكون قيادي سوري كردي بارز، لا، بل المتحدث باسم أكبر قوة كردية سياسية وعسكرية سورية، لا يعرف العربية، (وبالمناسبة التسجيلات الصوتية للمؤتمر الصحفي موجودة حتى لا يُنكر أحد ذلك)، وعليه من السذاجة بمكان تصديق أن هذه القوة الكردية تسعى بالفعل للبقاء ضمن سورية الموحدة، أو أنها تعرف كيف تُدير الأزمة بين السوريين، فيما قياداتها لا تعرف لغة التفاهم الرسمية (الوحيدة حتى الآن على الأقل).

كل دول العالم، الغربية منها والشرقية، المتقدمة والمتخلفة، الغنية والفقيرة، تشترط أن يُتقن لغتها من يريد الحصول على جنسيتها، وهذا الأمر ينطبق على أوربا شرقها وغربها، وعلى أمريكا واليابان والصين، وحتى مالطا تشترط أن يُتقن المالطية، وهونولولو تشترط الهونولولية، ودون تحقيق هذا الشرط لن يحصل المُتقدّم على الجنسية، سواء أكانت إقامته بالعمل أم بالزواج أم باللجوء، وحتى الدول الأكثر انفتاحاً، والتي تُسهّل الحصول على الجنسية للمستثمرين الكبار، من أصحاب الملايين، لم تستطع إسقاط بند معرفة اللغة كشرط للتجنّس، وأبقته سارياً حتى لو اضطرها لخسارة تلال من الأموال التي يمكن أن تجلبها تلك (القطط السمان).

هذا الأمر، لا علاقة له بالانتماء العرقي، ولا بالقومية أو الدين، ولا بالإدارة الذاتية وغير الذاتية، ولا بالمركزية، سواء الإدارية أو غيرها، وهذا الأمر لا علاقة له بالمدرسة البعثية، ولا البكداشية، ولا الناصرية، بل هي مسألة مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالقانون والدستور والمواطنة والحقوق الجماعية والفردية والهوية الوطنية الجامعة.

اللغة الكردية هي رابط مشترك هام بين الأكراد ببعضهم، بعد أن تم توزيعهم لبلاد عدة، وقد تكون إضافة مهمة للعربية والفارسية والتركية، لكنها ليست رابطاً مشتركاً بين السوريين، ولن تكون، لا اليوم ولا في أي يوم من الأيام، حتى على المدى البعيد جداً، ليس انتقاصاً منها، ولا تقليلاً من شأنها أو من شأن الأكراد، بل لأن الواقع والمعطيات كلها تؤكد ذلك، فلم تكن لغة الـ 10% هي الرابط الجامع، ليس للسوريين، بل لأي شعب في أي بلد في العالم.

إن كانت تلك السيدة، القيادية، الكردية، سورية بالفعل، ألم تُتقن العربية من المدرسة؟ أم أنها أمّية؟! ألم تتحدث العربية (بطلاقة أو غير طلاقة) مع رفيقاتها بالشارع والحي والجامعة؟ ألم يكن لها أصدقاء سوريون عرب على الإطلاق طوال حياتها؟! هل كانت تعيش بكهف معزول، أو سوّرت حياتها بجدران من الإسمنت الكتيم؟ أم أنها وّلدت وعاشت كل حياتها خارج سورية؟ بهذه الحالة، يمكن أن نفهم لماذا لا تتكلم العربية، لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن أن نفهم أو نُبرر للأكراد اختيارها كمُمثل وناطق رسمي باسمهم، لأنها بالضرورة، وبما أنها خارج سورية طوال حياتها، ولادة وطفولة ومراهقة وشباباً ونضجاً، لا تعرف الظرف السوري كما يعرفه أكراد سورية الذين عاشوا في سورية، وخبروا الحسنات والسيئات، وعرفوا النظام والناس والمجتمع ككف يدهم، وهنا يكون اختيار الأكراد لمِثلها جريمة، لأن اختاروا للتواصل مع بقية السوريين عنصراً ليس لديه أهم أدوات التواصل (وهو هنا اللغة)، وهنا أيضاً، يمكن فهم الكثير من الغرائبية واللاواقعية والتطرف بممارسات الجهة الكردية التي اختارتها كقيادية.

اللغة مُقوّمٌ من أهم مقومات الحياة المشتركة، وهي الحاملة للثقافات والعلاقات الطيبة، والرابط الأساسي بين سكان بلد ما، والصلة بين الأجيال، والصلة كذلك بين أصحاب البلد والعالم الخارجي، وهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم للغير، وتقيم روابط الاتصال بين أبناء البلد الواحد، وبها يتم التقارب والانسجام، ومن خلالها يمكن التعبير للآخر عن المشاعر والمشاكل والصور والأفكار، وتسليم زمام الإدارة لأشخاص لا يحسنون لغة البلد، فيه محاذير ومخاطر كبيرة، واعتماد لغة رسمية لا يدل على عنصرية، بل هو نظام إداري يحترم اللغة الرائجة في البلد تاريخياً، والتي يتحدث فيها الأكثرية، وهنا نتحدث عن سورية القائمة حتى الآن، ومن شبه المؤكد أنها بهذا الجانب لن تتغير كثيراً بعد سقوط النظام، لأن السوريين ثاروا ضد ديكتاتورية النظام وطائفيته وفساده وعنفه وإجرامه وفجوره، ولم يثوروا، بالتأكيد، ليُغيّروا لغة بلدهم، أو كرهاً بلغتهم التي يريدون التخلص منها.

في هذا الإطار، أسرّ لي صديق كردي عتيق، بأن نحو ربع أكراد سورية في الشمال، لا يتكلمون كلمة عربية واحدة، قبل الثورة وبعدها، وهو أمر يصب في نفس خانة الكلام والانتقاد السابق كلّه.

من حق أي قومية سورية، سواء أكانوا أكراداً أم سرياناً أم شركساً أم أرمناً وتركمان، أن يحتفلوا بلغتهم، ويتحدثوا بها، ويُطوّروها، ومن واجب العرب (الأكثرية اللغوية) أن يُرحّبوا بها، ويدعموها، ويعملوا للمحافظة عليها، كجزء من الهوية الشاملة للسوريين، وجزء من ثقافة سورية عامة يفتخر بها الجميع، لكن، من واجب الجميع معرفة اللغة العربية، والتحدث بها، واحترامها وتقديرها، بل وحبّها، وأن لا تُستخدم (العربية فوبيا) حجّة لأي قومية سورية تريد الانسلاخ.

التعليقات (7)

    بيار

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    اخي الكاتب سوريا دمرت وحرقت ونصف مليون شهيد واكثر من ذلك وانت جايلي تتحدث مدري مين ما يعرف اللغة العربية اذا هو ما بيعرف عربي في عشرات القيادات الكردية بتعرف عربي يجب علينا ان لا نقيس الامور بهذا الشكل الخاطئ والبعيد عن الواقع ونجعل منها قصص وحكايات لا معنى لها

    الو

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    في بلد مثل الجزائر أغلب مواطنيها من السياسيين إلى العامة لا يتكلمون العربية بشكل جيد ولغهم هجين فرنسي فمن الأولى أن تتوجهه إليهم وليس انتقاد إنسان عانى من العنصرية العربية وحرم من التعلم بلغته الكوردية فقد لأنه أراد أن يتحدث بلغته الأم( يا له جريمة ) الفوبيا الكوردية لديكم هي الاصح وليس العكس بدليل أنك تكتب مقال لمجرد أن قرر الكوردي التحدث بلغته علما أن من الكورد من يتقن العربية أفضل من العربي

    qqqqqq

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    سيد الكريم نحن فعلا نحترم اللغة العربية بل ونستمتع بها ولكننا في منطقة الجزيرة لانستطيع التكلم بااللغة العربية خصوصا ليست هناك لهجة شامية او حلبية او ساحلية بحكم ان المنطقة كردية يتكلمون بالكردية اي لغة الام, اما اذا كنتم تتحسسون من اننا نستمعل لغتنا قسما عيب عليكم هذه العنصرية التي لم تكن في محلها ولا يحق لاحد ان يتدخل في خصوصيات الاخرين.

    صقر

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    قيل لهذه المخلوقات بأنهم من الجنس العاري او الآري ففرحوا لهذه النكته وصدقوها وصاروا يكرهون بكل من يذكرهم بأنهم من العالم الثالث وأنهم طفيليون مستهلكين لكل شئ وغير منتجين لأي شئ سوى غازات وفضلات مضره للأرض والزرع والحجر

    ابو عمر الشيخ

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    ليست فقط اللغة هم لايريدون العرب اجمالا ولاحتى جيران ولا يريدون الاسلام لانه عربي انهم عنصريون ولايقبلون التعايش مع الغير الا على طريقة الاسد

    محمد السوري

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    كلام في غاية الروعة والنقد العقلاني شكرا استاذ باسل

    رامي الاحمد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    عزيزي ايها المثقفون العرب و الاكراد ان اللغة الكردية هي نفسها تماما تماما الفارسية و ليس تشابها بل تطابقا و الاكراد قباىل فارسية جاءت من جبال زاغروس مع المد الفارسي و يحتفلون بعيد نيروز الفارسي و اطلب من اورينت و المثقفين العرب و الاكراد ان يجروا دراسة حقيقية و معمقة ليعرفوا ان الكردية هي الفارسية و ان الاكراد هم بدو الفرس كما قال ابن خلدون . و الاكراد يعرفون ذلك تماما و الاكراد يحاولون الالتفاف على هذه الحقيقة فاسماوهم فارسية خورشيد زردشت جيهان و لغتهم فارسية و شكلهم فارسي.
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات