متأخرون دائماً

 متأخرون دائماً
تأخرت المعارضة السورية - كثيراً - لتكتشف أن المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي مستورا رجل فاشل، تلاعب بهم وماطل، وشكّل لجاناً، واقترح مبادرات لم ينجح أياً منها، ونفّذ ما تريده الدول الكبرى بأسوأ طريقة يمكن أن تخطر ببال خبيث، على الرغم من أن كل تاريخ الرجل كان واضحاً، ولم يضم أي نجاح في أي ملف استلمه.

قبل ذلك، تأخرت المعارضة السورية - كثيراً أيضاً - لتكتشف أن الولايات المتحدة لا تهتم قيد أنملة بالشعوب، ولا يهمها إن نجحت ثورات أم فشلت، ولا يهمها إن انتُهكت حقوق الإنسان أم لم تُنتهك، فصار كل من "استخدمتهم" من المعارضة "محروقتين"، حالهم كحال النظام، على الرغم - أيضاً - من أن الدلائل التاريخية كلها كانت تؤكد أن هذه الدولة لم تقف يوماً إلى جانب قضايا الشعوب ضد الحكام الديكتاتوريين الظَلَمة.

أما عن تأخر المعارضة السورية لاكتشاف "وضاعة" النظام الروسي ما بعد البروسترويكا، فالحديث عنها يطول، وفي السنوات الأولى للثورة راهنت على "عطف" الشيوعيين وأمميتهم، وعلى "صداقة الشعوب"، وعلى راعي "ديكتاتورية البروليتاريا"، واستقبلت لافروف بالابتسامات، وبوغدانوف بالقبلات، فلعب القصير ببعضهم وميّعهم وأضاع بصلتهم، ثم ساهم في تضخيم حجم مأساتهم أضعافاً مضاعفة، على الرغم من أن كل المؤشرات خلال العشرين سنة الأخير كانت تؤكد على أن النظام "البوتيني" هو مجرد عصابة، مزيج من مافيات الفساد الإداري والأخلاقي وتجار السلاح والمعتاشين على الأزمات.

كذلك تأخرت المعارضة السورية في وضع حد للتنظيمات الإسلامية المسلحة "المتشدد"، وحابتها، وسكتت عن تجاوزاتها، وأغمضت العين عن أجانبها، وروّج كثيرون منهم لها، سواء خوفاً منها أم عن قناعة، وكانوا غطاءً لها لتكبر وتشبّ وتتنمر، على الرغم من أن كل تجارب العقود الأخيرة كانت تؤكد على أن أي تشدد ديني أو هيمنة للسلاح الديني على الحكم سيؤدي لنتائج كارثية، على المستويات المحلية والدولية.

إلى ذلك، تأخرت المعارضة السورية، ومازالت حتى اللحظة، في إدراك أن التوحّد والعمل الجماعي المنظم، والبرنامج الجامع، والرؤية الشاملة الواقعية، ووحدة النضال العسكري والسياسي، والعمل الوطني المشترك، هي مدخل انتصارها، وتصرفت عكس المنطق والمطلوب، وفضّل كثيرون من "قادتها" أن يخرجوا بغنائم فردية بدلاً من جماعية، فأنهكوا الثورة وأصابوها بمقتل، ولم يتّعظوا من كل قصص التاريخ، وما قبل التاريخ، التي تتحدث عن أهمية اليد الواحدة والصف الواحد و"رزمة العصي المُجتمعة".

تأخرت المعارضة السورية - نسبياً - في كشف حقيقة (حزب الله اللبناني) و"أحزاب الله" الأخرى، فدعموها في لبنان والعراق، وروّجوا خلال ثلاثة عقود لدورها وأهميتها ووطنيتها، وهللوا لنصرها الإلهي والأرضي، وقدّموا لها دعماً، بالسياسة والتبرعات، ونظّر الكثيرون منها فكرياً لتبييض سوادها، على الرغم من أن رائحة الطائفية العفنة اللا وطنية والانتهازية كانت تفوح على بعد أميال من مكان وقوف أي زعيم لها، حالها كحال كل التيارات السياسية والعسكرية ذات المرجعية الفارسية التي ظهرت خلال قرون.

تأخرت المعارضة السورية في مواجه المشروع الإيراني المخادع، الطائفي الشرير، ولم تعر كثير أهمية للتشيّع ولا بالسيطرة التدريجية على الاقتصاد، ولا بالتغلغل بقرارات السياسة والجيش، على الرغم من أن الجميع يعرف أنها لا تُفكر إلا بالانتقام لثأر عمره 14 قرناً، كما تأخرت في معرفة طبيعة الموقف بين النظام السوري وإسرائيل، وفي الكثير من القضايا الصغيرة والكبيرة الأخرى التي يحصد السوريون نتائجها الآن، على الرغم من أن ما كان يجري تحت الطاولة كان مفضوحاً.

التأخير الأساسي للمعارضة السورية، هو بالتأكيد بما يخص النظام، فقد تأخرت في إدراك ماهيته، وصمتت عن ممارساته الأمنية قبل خمسة عقود، ثم أقنعت نفسها بأن ما تراه من طائفية هو وهم من المعيب الحديث عنه، وصدّقت اشتراكيته، وعروبته، ثم صدّقت صموده وتصدّيه، ونضالاته ضد "الإمبريالية العالمية"، ثم استسلمت للواقع ثم للدولة الأمنية، ثم خُدعت عام 2000، وانبهرت بفسحة ربيع دمشق، مع أن كل المؤشرات منذ عام 1971 وحتى اليوم تؤكد أن القادم أسود، بل أسود جداً.

طبعاً هذا الوصيف لا يشمل الجميع بالمطلق، فدائماً كان هناك معارضون رياديون، أدركوا كل شيء وصمدوا ودفعوا أثماناً غالية، لكنّهم كانوا كمن يسبح عكس التيار، لا هُم قادرون على مواجهة الخلل عند النظام ولا عند أحزابهم.

إذاً، هي معارضة متأخرة دائماً، تتحرك بعد فوات الأوان، وتُصرّ على قيادة ثورة عكسها تماماً، متقدمة جداً، سبّاقة وريادية، فاجأت كل البشر، بالتظاهرات والأغاني والأشعار، وبالشعارات والتضحيات، وبالمواجهة والأساليب، وإبداع طرق جديدة متجددة للمواجهة ومواصلة الثورة، وتميّزت بقدرتها على الاحتمال، والعض على الأصابع، ورش السُكّر فوق الموت، وبالميل مع العاصفة والتحمّل وعدم الانكسار، وإصرار هذه المعارضات على استلام دفّة قيادة الثورة، أدى لكبحها، وحرف بوصلتها، وساهم في خفت وميضها، فيما عمل النظام لالتقاط هفواتها لاستثمارها في حربه الشرسة البشعة واللا إنسانية.

على المعارضة، أي معارض، أن تصل دائماً قبل الآخرين، وتُبادر، وتُحرج الخصوم، وتُبدع في دبلوماسيتها وصرامتها وجدّيتها، وتستشرف الآتي والمُحتمل، وتضع الاحتمالات وتتهيأ لها، وتميل مع التيار دون أن يجرفها، وأن تعرف كيف تقود ثورتها بمهارة وحرفية، وإخلاص وذهن مُتّقد، ودون ذلك، فإنها ستكون - نظرياً - شريكة في تأخير نصرها.

 

التعليقات (2)

    حسن

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    صدقت..لاتوجد استراتيجية.واقعية للمعارضة.منذ البدء ولم تدرس بشكل موضوعي حقيقة النظام الذي تواجهه

    خالد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    انا لا ارى ان ديمستورا رجل فاشل بل نحن الفاشلين هاهي الفصائل ما ذالت تحت امرت امريكا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات