لا يعني لا

لا يعني لا
بادئ ذي بدء لست من مناصري الحركات النسوية، رغم أني ضد الذكورية ومع حصول المرأة على كامل حقوقها وأهمها حقها في أن تكون امرأة كاملة الأنوثة لا تتشبه بالذكور بل تتكامل معهم، وذلك في مجتمع يكفل لجميع مواطنيه نساءً ورجالاً حقوقهم المدنية والإنسانية، وتُحترم فيه المرأة ككيان متكامل جسداً وعقلاً وروحاً، من دون أي تعارض أو إلغاء لأي تفصيل على حساب الآخر.

من البديهي أن هذا التصور لا يزال في الحيز النظري في بلادنا العربية، التي لا زالت المرأة فيها عاجزة عن منح جنسيتها لأبنائها أولا تزال في حاجة إلى موافقة زوجها من أجل السفر، بل هي في بعض تلك الدول لا تزال تطالب بأبسط حقوق البشر مثل الحصول على نسختها من دفتر العائلة أو الحق في قيادة السيارة، في زمن أصبحت فيه النساء يقدن بلاداً وحكومات. 

وتجدر الإشارة هنا بأن المنطق الذكوري والقوانين المدنية المجحفة بحق المرأة ليسا حكراً على دين أو مجتمع، ففي ندوة حوارية حول تشريع الاغتصاب في القانون اللبناني صرح نائب محسوب على حزب الكتائب المسيحي، بأن النساء يعطين المغتصب سبباً أو دافعاً للاغتصاب، وعندما أعربت إحدى الحاضرات عن انزعاجها وخجلها من تصريحات الوزير الذكورية الفجة، عرض عليها بكل وقاحة أن ترتدي النقاب وتغطي وجهها إن كانت تشعر بالخجل.

الواقع أن تصريح الوزير الاستفزازي حول مسؤولية المرأة عن التحرش بها واغتصابها، يعكس حالة أو مزاج عام سائد يميل إلى تحميل الضحية المسؤولية عوضاً عن الجاني، ويبرر فعل الاغتصاب تحت مسميات اعتاد المجتمع على إلصاقها بالمرأة، فهي "مذنبة" بسبب لباسها أو تبرجها أو مشيتها...هذا في وقت تتعرض فيه حتى النساء المحجبات بل المنقبات للتحرش في الكثير من شوارع العواصم العربية، والأجدر حقيقة من تحميل الضحية الجرم وسؤالها بأي ذنب انتهكت حرمة جسدها، سؤال الجاني عن غض البصر وسؤال التقاليد والعادات عن معنى رؤية المرأة كجسد مشتهى ومدان بآن، يحتار الرجل بين تغطيته في الحيز الخاص "الحرملك" وانتهاكه في الحيز العام "الشارع"، وفي الحالتين يتم اختصار المرأة بجسد والرجل "بكائن جنسي" عاجز عن التحكم بشهواته أو كبحها.

عادة تقاس درجة تقدم الشعوب بمقدار احترام المرأة فيها، أي أن يكون لها الحق في السير بحرية في طرقات المدن من دون أن تتعرض للتحرش اللفظي أو الجسدي، وأن يكون لها الحق في اختيار لباسها من دون أن يكون لهذا إسقاطات على الرجل والرغبة في إثارته، وأن تكون وحدها مسؤولة عن جسدها لا العائلة ولا المجتمع، وأن يكون للشرف مفهوم يتعلق بالمبادئ والأخلاق وأن يكون مكانه في الرأس لا في فتحة ما بين الساقين...

فتحة تسمى علمياً بـ"الفرج" ولكن شعبياً تنسب لها المعاصي ويحاك حولها خرافات كما تقول الكاتبة الألمانية "ميتو سانيال" والتي قامت بتأليف كتاب بعنوان: "vulva" تكتب سانيال أنه في الكثير من الثقافات "الفرج" هو بوابة الجحيم أو الستار الذي يخفي "المهبل المسنن"، والذي تقول الكثير من الخرافات أنه يبتلع العضو الذكري، ومن حوله كان يربط في العصور الوسطى "حزام العفة" الحديدي، فيما يشبه السجن الحقيقي للجانب الجنسي من المرأة، واختلاط لشعور الخوف بشعور الرغبة من ذلك الجزء الصعير من الجسد الأنثوي، ولكن ما يتم تناسيه أن هنا بوابة الحياة أيضاً التي يعبر من خلالها الجنين من عالم الأم المحمي إلى العالم الخارجي.

هو إذاً الجزء المقدس والمشتهى والجزء المستباح والملعون بآن، وفيه ترتكب أبشع الجرائم بحق المرأة، أي ما اصطلح على تسميته بـ "الاغتصاب".

الاغتصاب:

الاغتصاب هو ممارسة الفعل الجنسي بهمجية وإكراه، ولكن يخطئ من يظن أن الاغتصاب يحدث مع الغرباء فقط.

فكثيراً ما يحدث الاغتصاب في سرير الزوجية، والمؤسف أن كثيراً من النساء يعتقدن أن ممارسة الجنس هي عراك جسدي وفعل اغتصاب، ويعشن حياتهن الجنسية في حالة دفاع دائم أو استسلام ويأس، وكثيرات يمتن دون أن يعرفن معنى الحب أو ممارسته بشكل صحيح وممتع.

طبعاً التربية الجنسية الناقصة ونقص الوعي بحاجات الجسد والروح هما وراء معاناة الكثير من النساء في حياتهن الزوجية، والتي غالباً ما تبقى قيد الكتمان، فما يحدث في فراش الزوجية أسرار لا يحق للمرأة التصريح والبوح بها.

ولكن الأخطر من هذا أن النساء لا يجرؤون أيضاً على البوح بالاغتصاب الذي يتعرضن له في الحيز العام، فهن مدانات حتى لو ثبتت براءتهن، وكثيراً ما يدفعهن الخوف من الفضيحة ومن الوصمة الاجتماعية إلى السكوت عن انتهاك أجسادهن وأرواحهن..

وحتى إن فعلن، فالقوانين تعفي الجاني مثلاً من العقاب إن هو تزوج الضحية، وعلينا فقط أن نتخيل معنى أن تعيش المرأة مع مغتصبها تحت سقف واحد، ليعاود فعلته إلى ما لا نهاية، حتى أن كلمة اغتصاب لا وجود لها في القانون الجنائي في موريتانيا، بل يدخل هذا الفعل ضمن مفهوم الزنى وحكمه.

هذه هي حال القوانين فيما يتعلق بالاغتصاب في بلادنا العربية، ومجرد مقارنتها مثلاً بقوانين الاغتصاب في الدول المتحضرة تصيب المرء باليأس والإحباط.

على سبيل المثال لا الحصر القانون الجديد الذي صدر في ألمانيا، والذييعتبر مجرد لفظ المرأة لكلمة "لا" كافياً لاعتبار أي فعل الجنسي بعدها بحكم "الاغتصاب"...

 

لا يعني لا:

هي "لا" إذن بكامل مفعولها الرافض...وليست "لا" الدلال أو "لا" الغواية بهدف تأجيج الرغبة عن طريق الرفض والمقاومة.

هي "لا" ...وليس "السكوت علامة الرضا" حسب موروثنا الثقافي، والذي يجيّر سكوت المرأة على أنه موافقة ورضى.

هي "لا"...الصريحة والقاطعة والتي لا تقبل أي تأويل، "لا يعني لا" هكذا سمي القانون في ألمانيا وهكذا صوت البرلمان علية بأغلبية مطلقة. ورغم صعوبة اثبات قول "لا"، خاصة أن الفعل الجنسي لا شهود عليه إلا من يمارسه، لكن يبقى للقانون رمزيته فهو يعتبر انتصاراً كبيراً للمرأة، ورسالة مفادها أنه في "بلد القانون" لا بد أن يحكم القانون حتى الحياة الحميمية بين البشر...

الجدير بالذكر أنه بعد صدور القانون في أواخر شهر تموز، ُسجل ارتفاع ملحوظ في عدد حالات التبليغ لدى الجهات المعنية، من دون أن يعني هذا اثبات الواقعة أو ادانة المتهم، ومع ذلك يعبر هذا عن تحرك ونشاط ملحوظ وشجاعة متزايدة للنساء في التعبير عن رفضهن لانتهاك أجسادهن وادانتهن الصريحة والعلنية للمتهمين بهذا، وغني عن القول إن الرجل بحكم قوته الجسدية يتفوق طبيعياًعلى المرأة، وأنه بفعل تكوينه العضلي قادر على اختراق جسد المرأة، ولكن الاختراق الحقيقي يكون للقلب الذي لا يستطيعه سوى رجل واحد يمتلك الحب.

ومحال أن يمتلك رجل امرأة بامتلاك جسدها، فالجزء اللا مرئي من الجسد أي "الروح" هو الجزء الذي يستعصي على أي قوة إلا قوة الحب، وكما يقال "يضع قوته في أضعف خلقه" فهذا الجسد الضعيف البنية للمرأة، هو نفسه الجسد الذي يحمل جنيناً ليلاً ونهاراً ولمدة تسعة أشهر كاملة، وهو الذي ينزف كل شهر ولا يعتاد الجرح، وهو من تحكمه تقلبات هرمونية ونفسية هائلة...فإن لم يستطيع الرجل أن يفهم كل هذا أو يعيشه فأقله أن يحترم هذا الجسد الذي منه وبه تبدأ رحلة الحياة.

وأخيراً وأنا أقرأ عن قانون "اللا" الشهير في ألمانيا...أعادني النقاش حوله وعنه إلى ثقافة ال "النعم" التي نشأنا فيها كأبناء لمنظومة الخضوع والاستبداد في الدول القمعية...

"نعم" كانت تملأ شوارعنا ومدارسنا...وأيام طفولتنا ومراهقتنا.

"نعم" للقائد الذي لم نرده ولم ننتخبه..."نعم" للطوائف التي ولدنا فيها ولم نخترها..."نعم" للتقاليد والعادات" التي ورثناها بالية وقديمة..أتذكر "النعم" واشعر كم كنا بحاجة حقاً لثورة...وربما سنحتاج لسنوات لنصل إلى مرحلة "الما بعد نعم" فما بالك بـ "لا"..

 

التعليقات (2)

    Mohammed saijari

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    محال ان يمتلك رجل امرأة بامتلاك جسدها ، فالجزء اللامرئي من الجسد اي الروح هو الجزء الذي يستعصي على اي قوة إلاَّ قوة الحب . ( هي بضع مفردات لكنها تشكل قانون حياة ) نحن أمة بحاجة دائماً لمكان واسع كي نضيع فيه .. نعاني من نقص حادٍ في الثقافة ، وما أن تفتقد الثقافة حتى تنعدم الطرق التي تؤدي الى الحضارة !! تحتاج الاولى الى قراءة وتأمل ، أما الثانية فتحتاج الى تَعَلّم !!!!!! شكرًا موصول بالاحترام والتقدير لكاتبة المقال ..

    سامر شمسي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    المقال ليس له فائدة حاليا. لأن سورية تعيش حالة صراع دموي و غالبية سكانها في معركة و جود مع قاتل تتم حمايته دوليا. الحديث عن حقوق المرأة و حقها في تقرير مصير جسدها مهم فهي حاليا أكثر من نصف المجتمع مع ندرة الذكور و لكن بصراحة هذا يعتبر رفاهية الان :(
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات