عاش الطغاة.. تسقط الشعوب

عاش الطغاة.. تسقط الشعوب
كم أشعر الآن بالشفقة على شعوبنا التي أعطيناها قوة خارقة، فتبين أننا حالمون ورومانسيون ومخدوعون بالنظرة الماركسية السخيفة لدور الشعب في حركة التاريخ. ولو كان كارل ماركس حياً الآن لربما أعاد النظر في كل نظرياته الطوباوية حول قوة الشعب ودوره في صنع التاريخ، ولربما اعترف بأنه كان رومانسياً أكثر من اللازم، خاصة على ضوء الاختراعات الاقتصادية والتكنولوجية والتواصلية الرهيبة التي باتت تتحكم بقطعان الشعوب، والتي تقف وراءها عقول أفراد استطاعوا أن يسيّروا مليارات الشعوب كما يسيّر الراعي قطيعه. لا ننسى أن شاباً صغيراً يحمل جينات العبقرية استطاع أن يضع مليارات البشر على فلاشة يضعها في جيبه، أو في أصعب الأحوال على موبايل. 

ونقصد هنا مخترعي مواقع التواصل التي استطاع منتجوها أن يجمعوا العالم كله تحت خيمتها، ويتحكموا به بكبسة زر صغير. تعال يا ماركس وشاهد أين وصل العالم، وكيف بات يستطيع الفرد البطل الذي سخرت من إنجازاته في الماضي أن يفعل الأفاعيل بما كنت تسميه أنت بالجماهير "The Masses". تعال وشاهد كيف يستطيع بضعة أفراد من خلال شركاتهم العابرة للقارات أن يتحكموا بمصير مليارات الشعوب والحكومات. تعال وشاهد كيف تستطيع بضعة وسائل إعلام تمتلكها بضعة عائلات أن تدير وتتحكم بمليارات البشر من الأمريكيين والأوربيين المتحضرين، فما بالك بمليارات البشر المتخلفين الذين لا يستطيعون بعد أن يفكوا الحرف في العالم الثالث.

 لقد قال ماركس يوماً مقللاً من قوة نابليون في صناعة التاريخ: "لو لم يكن نابليون موجوداً وقتها، لصنع الشعب الفرنسي نابليوناً آخر ليقود تلك المرحلة التاريخية من تاريخ فرنسا." بعبارة أخرى، فقد كان ماركس يعزو دائماً حركة التاريخ لا لقوة الأفراد والقادة، بل لقوة الشعب، فالشعوب، حسب ماركس، هي من تحدد مسار التاريخ وليس القادة، مهما بلغوا من قوة وعبقرية. لكنني الآن أجد نفسي متفقاً أكثر مع المفكر والفيلسوف الاسكتلندي توماس كارلايل الذي كان يسخر دائماً من قوة الشعوب، ويعزو حركة التاريخ وإنجازاته إلى عبقرية البطل الفرد.

لا أريد أن أذهب بعيداً إلى الغرب المتقدم الذي تديره جماعات وأفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، بل دعونا نتحدث قليلاً عن عالمنا التعيس الذي ظن أنه يستطيع التمرد على واقعه البائس وأنظمته الشيطانية، فاصطدم رأسه بحائط فولاذي هشم رأسه وأضلاعه. انظروا كيف تبخرت أحلام الشعوب بالتغيير في بلاد الربيع العربي، وباتت القطعان تحن إلى أيام الطغيان الخوالي، لأنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله أبداً، ولأنها حاولت أن تشق عصا الطاعة، وتثور على الرعاة المتحكمين بهذا العالم.

لقد أظهرت الأيام أن الشعوب بلا حول ولا قوة في مواجهة سادة العالم وأدواتهم الصغيرة التي تتحكم بالشعوب في بلادنا وغيرها. ماذا بقي من الثورة المصرية التي بحت حناجرنا ونحن نصفق لملايينها في ميدان التحرير؟ لقد استطاع المتحكمون بالعالم أن يستبدلوا لها حاكماً بآخر جعل المصريين الآن يتشوقون إلى الماضي الأليم. ما أضعف الشعوب في مواجهة الآلة الإعلامية الرهيبة التي استطاعت أن تلعب بالشعوب كرة قدم. بالأمس خرج الشعب كالسيل الجارف ليطرد طاغية من الحكم، وفي اليوم التالي خرج الشعب نفسه ليهلل ويطبل ويزمر لطاغية أفظع بنفس الحماسة. لماذا؟ لأن الشعوب أضعف بكثير من عبقرية الأفراد المتحكمين بهذا العالم إعلامياً واقتصادياً وثقافياً وسيكولوجياً والقادرين أن يلعبوا بالجماهير كما يلعب الأطفال بالدمى.

انظروا كيف استطاع المتحكمون بالعالم وأدواتهم المحلية أن يحولوا الثورة الليبية المزعومة إلى صراع قبلي وعقائدي كي يتفرغ المخططون لنهب الثروات الليبية. انظروا كيف عاد الشعب التونسي إلى عصر بات يحلم فيها بالرجوع إلى أحضان النظام الذي ثار عليه. 

انظروا كيف عاد الأفراد أنفسهم إلى اللعب بالشعب بدعم من أسيادهم الكبار الذين يتحكمون بالعالم. انظروا إلى الوضع السوري الذي صار عبرة لمن يعتبر. هل كان الشعب السوري يتوقع من المتحكمين بالعالم أن يسمحوا لأدواتهم الأسدية في سوريا أن تفعل بالسوريين ما فعلت؟ بالطبع لا. لكنهم سمحوا، وهاكم النتيجة. 

هل ما زال الرومانسيون الماركسيون يستطيعون الحديث عن قوة الشعب في سوريا وغيرها، أم إن حسبهم أن يشفقوا على وضع الشعب اللاجئ والنازح والمشرد والجائع والمعتقل والنازف والمتوسل؟ أيهما أقوى، الشعب السوري، أم الضباع المتصارعة على أرضه التي تريد أن تتقاسم أشلاءه وثرواته وأرضه كالروس والأمريكيين وغيرهم؟ لقد وصل الأمر بالسوريين أن يقبلوا بأي حل يحمي جلودهم حتى لو قسّم أرضهم، ونهب خيراتهم، ولعب بهم شطرنجاً. إنه الضعف الشعبي في أدنى درجاته أمام جبروت العملاقة الذين يتحكمون بالعالم. 

سامحونا إن قلنا إن الشعوب مجرد فرائس مغلوبة على أمرها في غابات يسمونها مجازاً دولاً، وإن الوحوش آكلة اللحوم أقوى بعشرات المرات من الحيوانات آكلة العشب، وأن وحشاً واحداً لاحماً يستطيع أن يقضي أو يسيطر على ملايين الحيوانات العاشبة. 

التعليقات (20)

    سوريه

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    كلام صحيح 100%

    جنيد حسن تقال

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الشعوب لاتغلب،الشعب السوري يعاني من الظلم بكل انواعه لكنه حي وموجود ،العالم في زمن باراك اوباما يريد تغير التاريخ،التاريخ يكتب ويكتبه رجاله لا قرود بدون مذهب ولا اخلاق

    رندى البنا

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    عن ماذا تتكلم وانت اول مذيع طاغي خان بلده وتنكر لشعبه وكان من قطيع الطغاة. اسكت بربك وأخدم الشعب الثالث الذي تنتمي اليه... للاسف

    عربي من نجد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    فرنسا إحتاجت عشرات السنين لتستقر الأوضاع بها بعد إسقاط النظام الملكي العصابات الحاكمة بالدول العربية بيدها السلاح والمال وكثير من الأتباع المرتزقة فلا عجب أن يسعى هؤلاء المجرمون للإنتقام من شعوب تريد الفتك بهم سيستخدم الإستبداد وأعوانه كل الطرق للإنتقام والتخريب ضد الشعوب التي ثارت عليه يجب على الشعوب الصبر وتحمل تبعات سكوت آبائهم على عصابة حاكمة ل عشرات السنين حتى تغولت وسيطرت وجندت لحسابها ملايين السفلة من المرتزقة وما نزال على درب الأحرار سائرون مهما دفعنا من الأثمان .

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    كلام في قمه الصدق الشعب اعزل اخرس فقير ولا نصير له كيف يواجه نظام باسلحه الدمار الشامل والاف المليارات واعلامه الفاجر ومناصرين اقوى منه انه اامستحيل ،

    Asamee shadadi

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    هذا كله حصل بسسب دعم الأنظمة الديكتاتوريه في الخليج للعسكر في بقية العالم العربي .... حكام الامارات الصهيونية هي من اوصلت شعوبنا العربيه الى هذا الوضع بدعمها للصهيونيه العالميه ...في المنطقة ...

    عيسى

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الشعوب لم تكن مهيأة للتغيير كما أن التغيير أتى بسرعة وبصفة درامية لم تكن تستوعب أحداثه ولم تكن لها قرائة موضوعية للوضع ولم تكن لها دراية لتسيير تلك المرحلة كما أن الأنضمة المستبدة إستعانت بقوى أجنبية وباعت وطنها في سابقة خطيرة دفنت معاني الوطنية وقتلت كل الخطوط الحمراء ولكن على دراية أن لا بد من يوم يأتي ستثور الشعوب ولا تتهمني بالرومانسية والإفراط في التفاؤل صدقني سيأتي ذلك اليوم

    عيسى

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الشعوب لم تكن مهيأة للتغيير كما أن التغيير أتى بسرعة وبصفة درامية لم تكن تستوعب أحداثه ولم تكن لها قرائة موضوعية للوضع ولم تكن لها دراية لتسيير تلك المرحلة كما أن الأنضمة المستبدة إستعانت بقوى أجنبية وباعت وطنها في سابقة خطيرة دفنت معاني الوطنية وقتلت كل الخطوط الحمراء ولكن على دراية أن لا بد من يوم يأتي ستثور الشعوب ولا تتهمني بالرومانسية والإفراط في التفاؤل صدقني سيأتي ذلك اليوم

    مخاوي الذئب

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    وش ذنب الشعوب اذا فيهم طغاه ، اخ قاسم

    سوداني

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    مع احترامي سيد فيصل القاسم لكن لو نظرت لما يحصل في سوريا من منظور اسلامي لوجدت حلا للحيرة والاحباط من قدرة الشعوب على التغيير اخي فيصل القاسم اعتلاء الطغاة وسيطرتهم هو امتحان من الله، نحن في هذا الكون لسنا وحدنا الفاعلون حكاما او محكومين ، الله وحده من يقلب الامور ويجعل الغلبة لمن يشاء امتحانا للآخر والصادقون وحدهم من ينتصرون في النهاية لن تكون الغلبة للشعوب ولن تنتصر الا بالصدق واقواه الايمان الصدق والتجرد لله

    Salah Bakka

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    نعم اؤيدك بما قلته تماما فقط أريد أن ألفت انتباه الدكتور انك وضعت جميع الشعوب في سلة واحدة وهادا ليس صحيحا لأن الشعوب التي تقصدها هي الشعوب التي تامر عليها لمدة نصف فرن حيت جهلة اأبناءها حتي يسهل السيطرة عليهم وقيادتهم كالقطيع وهده الشعوب تدفع التمن الآن ولكن لايهم لن نعود للقيود قد تحررنا وحررنا الوطن

    عبدالمنعم عزوز

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    *. بنـــــت العلـــة .* .. يـــوم بكــت -ميركــل- أعلـن رسميـا أن هتلــر انتحـر فعلا لا خـوفا بـل نــدمـا على خطأه في ترتيب الأولويات.. ان حجم العداء والكره بين الأشكينز والسافرديم أكبر وأشمل من تمييز عرقي أو طائفي وكذلك اختلافهم الأيديولوجي والعقدي كيهود أرتودكس أو يمينيين وخلافه والذي يصل حد اقتران قيام الدولة بقيام الساعة لدى هذا الشق وبين من تحسب لديهم الأنفـس اليهودية بالأوقيـة والأرواح بالقيراط من أجل مزيد الامتـداد والتشبث بالحياة بداية ثم قيام الدولة الصهيونية ..

    عهد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    يافقير يافيصل كأنك مضيع عقلك

    فارس البيداء

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    التصاعد الحلزوني لثورات الشعوب لن نتوقع أن تقابله الطغم الحاكمة بالورود ..وثمن عقود من الديكتاتورية وتجهيل الشعوب لن يكون سهلا ..مع نظرتك المأساوية الواقعية وشجاعتك الذكية في الحق ..أقف ضدك فأنا والكثيرون متفائلون. .الغلبة للشعوب ستكون آخر المطاف مهما كان الثمن باهظا .

    حسن

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    شكرا استاذ فيصل انت حر ابن حر

    حسن

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    اتق الله يا دكتور..اعرف الشعب العربي جيدا في الاول.ثم بعدها علم وفق ذلك. اعلامكم.سبب من اسباب الكارثة التي تعيشها الشعوب العربية ليس بالسياسة وحدها يعيش الانسان..من قال لك ان سورية كانت دولة غير متقدمة.قبل الاحداث..اصبح لي سنة وانا مهندس في اوربة..لا ارى مجها للمقارنة بين حياة الشرق والغرب. .حياة الشرق افضل بكثبر.. الى الآن.سكن السوري في اصغر مدينة سورية افضل من السكن الاوربي. .لا تنظر للديكور الخارجي فقط.وكذلك للمأكل والملبس..وبساطة الحياة...يجب ان يكون الاعلام ملتزما ومدروسا..حرام.

    التضامن الفعلي مع الفلسطينيين باننا اصبحنا كلنا ابناء مخيمات

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    بفضل هؤلاء الطغاة العرب و قيادتهم الحكيمة لعدة عقود لبلدانهم و دفاعهم المستميت للعروبة و وحدة الدول العربية جمعاء من المحيط الى الخليج و الدفاع المستميت او المتاجرة المستميتة للقضية الفلسطينية بدعم من الشيوعية السوفياتية او الصوبياتية اصبح جميع ابناء الوطن العربي ابناء مخيمات شتات و لجوء و استوطن الاسرائيلون القادمين من الشتات في بلادنا هذه هي الوحدة العربية شعار الطغاة ان يعيشوا كل العرب في المخيمات او يرموا في البحر و ياتوا الاسرائيليين من كل بقاع العالم و ياخذوا اراضيهم

    خالد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    يادكتور فيصل الشعوب ستثور دائما بعد 20 وبعد 30 عام وفي كل الأجيال ومع التقدم التكنولوجي سيكون هناك تمرد أكثر المشكلة ليس في الفرص المتاحة للوصول إلى دمقرطيه ثابته المشكلة في القيادات الثوري والحزبية المدرك الأخطار مابعد سقوط النظام ولا تعلم كيف يدور هاذا العالم ولا تعرف تلعب سياسة وبعد سقوط النظام يضنون انهم وصلو إلى دمقراطيه مستدامة وماحدث في مصر يشبه هذا وماحدث في تركيا مغاير لأن القيادات واعيه

    علي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    هل أصبح الي يقول الحق خان وطنو قل الحق حتى على نفسك ..في ظلم كبير في بلادنا ..ربي يصلح الاحوال

    اسامه الحسين

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    ليست الشعوب دائمامحقه بماتصنع يجب ان يكون الاعلام جسرانرى عليه وجهات النظربكل القضاياكفضيتنافي سوريه نتمنى ان تتنازل ويتواضع طرفاالتفاوض لنجدارضيه مشتركه لوقف المحرقه المؤلمه اه اه يابلدي

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات