معايير بسيطة لإنهاء المأساة

معايير بسيطة لإنهاء المأساة
فشل اجتماع لوزان، بالوصول إلى أي توافق بين الدول الكبرى حول المأساة السورية، ثم فشل اجتماع لندن، وفشلت الاجتماعات الجانبية بينهما، كما فشلت كل الاجتماعات السابقة والتي تجاوزت المائة خلال خمس سنوات ونيّف، وكانت نتائجها في الواقع العملي "صفرية".

أخفق الأمريكيون في الضغط على الروس، وأخفق الروس في تسويق "شرورهم"، كما أخفق الأوربيون، والعرب، وغير العرب، ولم تنجح أي من المبادرات والمشاورات والمفاوضات متعددة الأطراف، أو ثنائية الأطراف، بالتوصل إلى حل، أو أمل بحل، أو بتفاهمات الحد الأدنى، وفشلت الأمم المتحدة بترويج "قلقها"، وتمسّك كل طرف بتلابيب مواقفه مهما كانت وضيعة.

تسود أجواء التوتر في كل اجتماع، ويخرج المجتمعون ليقولوا إنهم "اتفقوا" على مواصلة المشاورات، وهذا التصريح بالعرف الدبلوماسي يعني "الاختلاف على كل شيء"، ولا ينسى أن يُلمح كل طرف بأنه سيلجأ لخطط جديدة، مبتكرة، لحل "الأزمة" السورية، وهو ما لم يحدث ولا مرّة.

عملياً، لا توجد نقاط توافق بين روسيا من جهة وأوربا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ولا بين تلك وإيران، ولا بين إيران وتركيا، وتختلف كلتاهما مع السعودية وقطر، التي تختلف بدورها مع روسيا ومصر، التي تختلف مع أمريكا وتركيا، ويزداد الخلاف اتّساعاً، بين الجميع، ويُتَرجم الجميع خلافاته ويُصفي حساباته في الساحة السورية، كل بطريقته وأسلوبه.

تقول كل هذه الدول إنها لا تصل لحل لأنها لا تريد أن يُفرض على السوريين أي حل من الخارج، وهذا ملهاة طبعاً، حجّة واهية من بين حجج كثيرة، في الوقت الذي بات فيه واضحاً أن المعارضة السورية والنظام، لم يعودا مدعوّين لحضور هذه الاجتماعات، في تغييب قسري للقرار السوري المزعوم، الذي بدوره لا يمكن له أن يكون موجوداً طالما بقي النظام السوري مُصمماً على قتل الشعب.

ستبقى كل الدول والقوى، المحلية والإقليمية والدولية، تدور في دائرة مُفرغة، لا منتصر بها، والجميع خاسر أو شبه خاسر، ويستمر الاستنزاف العسكري والبشري والمادي لكل الأطراف دون استثناء، طالما أن هناك مشاريعاً لا علاقة لها بالسوريين.

ما من مبالغة إن قلنا إن الشأن السوري بات محكوماً بالكرة الأرضية كلّها، إذ عملياً، لإنهاء الصراع وفق مفهوم كل هؤلاء، يجب البحث عن حلّ يُحقق مصالح روسيا وأمريكيا بالدرجة الأولى، وإيران وتركيا والسعودية بالدرجة الثانية، وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين بالدرجة الثالثة، ومصر وقطر ولبنان والأردن بالدرجة الرابعة، وتنزانيا وغواتيمالا ونيجيريا وأنغولا بالدرجة الخامسة، فضلاً عن ضرورة أن يُراعي حزب نصر الله الإلهي سيء الصيت، ولا يُزعج مرتزقة النجباء، ويُشفي غليل حقد أبو الفضل العباس، ويضمن تصفية "ثارات" الحسين، ويحفظ العمالة المزدوجة لداعش وفتح الشام، ويوفر للجزائريين والتوانسة والعراقيين الدواعش أرض ميعادهم، ويراعي الحساسيات الدينية والقومية والمناطقية، ويُبقي الأسد للأبد، ويسمح لعتاة المخابرات السورية بالاحتفاظ بأجهزتهم الأمنية وسجونهم، ويُراعي المساكين أمراء الحرب ويحفظ ثرواتهم، كما يُراعي صالح مسلّم وحزبه الانفصالي، وإدارته الذاتية وفيدراليته وعَلَمه وأوجلانيته، ويرعى مصالح رامي مخلوف وجمعياته الطائفية، ويحافظ على مكاسب اللجان الشعبية والبائعين في "سوق السنّة"، ويضمن مصالح نحو ثلاثمائة فصيل عسكري مختلف تابع للمعارضة السورية المسلحة، ويُفضّل أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح الوجهاء ورجال العشائر ومخاتير القرى، فضلاً عن ضرورة أن يُحقق تطلعات الرماديين والحياديين، ويتوافق مع رؤى "نساء دي مستورا"، كما يُفضّل أن يُحقق الجندرة بأرفع صيغها، ويضمن 40 قيادية بين كل مائة قيادي كما يريد دي مستورا، ويحقق الدولة الإسلامية لمن يريدونها، وحبّذا لو أنه يُوفّر لمريديها مفاتيح الجنّة، وأن يضمن العلمانية لمن يُنظِّر لها، وبالطبع أن يتوافق مع "رخاوة" تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق، ويُرضي "نهم" ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، ويحافظ على "بريستيج" الهيئة العليا للمفاوضات.

هناك نكتة "إسرائيلية"، تقول إن صاروخاً أصاب رئاسة الوزراء، فقتل الجميع، وكانت الخسائر لاشيء.... هذه النكتة يمكن أن تنطبق على كل من يُفكّر بهذا المنطق، وكل من يسعى لحل يحقق كل هذه التوازنات، وإن شاء القدر أن يُنقذ سورية، عليه أن يُسقط صاروخاً فوقهم وستكون الخسائر بالتأكيد لاشيء.

من يضع هذه الحسابات، أو بعضها، لن يصل إلى حل، ومن يضع مصلحته فوق مصلحة السوريين، أبناء الأرض والتاريخ، لن يصل إلى حل، ومن يُبقي نظاماً باغياً لن يصل إلى حل، ومن لا يرى مآسي الشعب هو أعمى، ومن يريد تحقيق مصالحه على حساب أطفال سورية ليس إنساناً، معايير الحل الحقيقية عند السوريين، المتضررين المكلومين، أصحاب الثورة والأرض والتاريخ، ودون معاييرهم، كل ما يجري هو ضحك على الذقون.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات