"السيطرة"

"السيطرة"
قبل أيام معدودات، نشرت قوات عسكرية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بياناً قالت فيه إنه "تمت السيطرة على عربة محملة بالدوشكا، و4 كلاشنكوفات، و3 هواتف موبايل"... هكذا جاء البيان بالحرف، وبدأت هذه القوات عصر جديد من الفتوحات، التي تعتبر السيطرة على هواتف الموبايل عملية بطولية، ووطنية، ودليل على قوة وبأس وشجاعة، وإثبات خيانة حاملها وعمالته، بل وهي دليل لا يطاله شك على داعشيته.

لم تذكر تلك القوات لماذا اعتبرت الاستيلاء على هذه "الموبايلات" هو "سيطرة"، كالسيطرة على عربة "الدوشكا"، هل لأن بها معلومات سرية؟ أو مراسلات هامة بين محاربين؟ أو أرقام هواتف لقادة تنظيم الدولة الإسلامية؟ أو تسجيلات لمقاتلين يتلقون تعليماتهم من تركيا؟ أم لأن واجهتها التشغيلية ليست كردية، أو لأنها لا تحمل ضمن الصور المُخزّنة فيها راية صفراء بنجمة حمراء؟ أم لأنها اعتقدت أنه سلاح حربي من نوع جديد؟

هذه اللقطة "الكاريكاتيرية" تُذكِّر بلقطات مشابهة لا تنتهي أبطالها أجهزة الأمن السورية، "لمُثقفة" التي كانت "تُسيطر" ببطولة منقطعة النظير على "كتابٍ تروتسكيٍ" وجدته في منزل شاب شيوعي مطلوب، أو على "كتابٍ سيدٍ قطبي" في دكّان ناشط إسلامي، أو على "كتاب عن حقوق الإنسان" في مكتب محامي نذر نفسه للآخرين، ليكون هذا الكتاب هو بحد ذاته التهمة، التي قد توصل صاحبها للمحاكمة والسجن والتغييب أحياناً.

ذه اللقطة "الكاريكاتيرية" تُذكّر بأجهزة الأمن السورية، "لمُتعلمة" التي كانت خلال الثورة، تسأل من توقفهم على الحواجز إن كان لديهم "فيسبوك" مخبئ في مكان ما، وقد تلجأ لتفتيشهم للتأكد من خلوّهم من "الفيسبوك"، وهي تأمل أن "تُسيطر" على صفحة "فيسبوك" خائنة وعميلة قد تجدها في إحدى جيوب الشباب.

كثيرة هي الأشياء الغريبة التي كانت الأجهزة الأمنية تسعى للسيطرة عليها، لتتخذها ذريعة للقبض على أحد ما، أو ابتزازه، أو تعذيبه، أو مجرد الاستمتاع بتخويفه وإهانته، ولطالما خبأ السوريون في أماكن سرّية أجهزة الفاكس، والهواتف اللاسلكية البدائية، والأجهزة اللاقطة الفضائية، واشتراكات الانترنيت عبر لبنان، وغيرها الكثير خوفاً من "السيطرة".

هذه البطولات "الحربية الخلبيّة" تؤكد أن الوضع في سورية بات سريالياً، غير طبيعي،- مجنون ولا منطقي، إذ بات الهدف الأساس للجميع هو "السيطرة"، لا يهم على ماذا ولماذا، ولا أين وكيف، المهم أن تتم السيطرة لإعلان انتصار ما، ينتظره كثيرون، والكل يبحث عن نصر، أي نصر كان، حتى لو على طواحين الهواء.

للأسف، مازالت أجهزة الأمن السورية، وغيرها من أجهزة الأمن التابعة لجهات سورية أخرى، تُحسب على المعارضة، تتعامل بذهنية القرن الماضي، وبعقلية لم تُراكم شيئاً، لا قبل الثورة ولا بعدها، ولم تتعلم من أخطائها ولا من أخطاء الآخرين، وتُصرّ على أن تُسيّر الإعلام الحزبي أو الحربي أو العقائدي وفق منطقها الأعوج، متناسية أن الإعلام أداة صعبة وجارحة بيد من لا يعرف كيف يستفيد منها.

يعتقد كثيرون أن كل شيء بات مباحاً في الحرب الإعلامية بين الأطراف في سورية، كما يعتقدون أن وعي الشعب السوري قد تدمّر كما تدمّرت بلده، ويتصورون أن أي تلفيقات أو كلام سيُصدّق، وسيُرضي عطش المناصرين، فيهرفون بما لا يعرفون، ويُبالغون بديماغوجية فجّة، بدائية وسخيفة.

وفق منطق هذه الجهات، من المُفضّل التحرك في سورية دون موبايل، وممنوع اقتناء الكتب، أو حمل "فيسبوك" في الجيوب، وممنوع التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، أو حمل أوراق بلغات غريبة، وبالطبع، ممنوع حمل كاميرا، أو تحميل صور على الموبايل أو اللابتوب، أو الاستماع للأغاني التي يطرب لها الطرف الآخر، في تعامل لا يختلف من حيث المبدأ عن منطق (داعش) وغيره.

يُقاوم السوريون الصامدون في الداخل، لمنع النظام وكل حلفائه، وأصدقائه، والمتعاملين معه، والمختفين خلفه، والمحتمين بظله، من أن يُحوّلوا سورية إلى بلد فاشل، لكن هؤلاء الجهلة، المسؤولين عن الأمن، والموجّهين للرأي، أصحاب السلاح الموجّه ضد الشعب المسكين، يُصرّون على تحويلها ليس إلى بلد فاشل فقط، بل ومتخلف وميؤوس منه بكل المقاييس.

التعليقات (2)

    سامر العشي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    هذه مقالة كان يجب أن تكتب في بداية الثورة، يعني متخلفة عن الحدث خمس سنوات، من نوع المقالات التي تكتب في عشر دقائق، إستهتاراً بالقارئ

    رأي كردي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    أذا انت ما عجبك العملية البطولية لكن ليش كتبت مقالة عنها اذا ما بتهمك يعني لو الموبايلات كانوا لمواطنين كن زعلنا بس هدول ارهابين أذا انت متعاطف معون انت حر بس عيب تكتب هيك مقالات يا استاذ لانك اكبر من هيك
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات