هل كان الربيع العربي لإسقاط الأنظمة أم لإسقاط الشعوب والأوطان؟

هل كان الربيع العربي لإسقاط الأنظمة أم لإسقاط الشعوب والأوطان؟
ليس هناك شك بأن معظم بلادنا العربية تحتاج إلى ألف ثورة وثورة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ولا شك أن من حق الشعوب أن تطالب بحقوقها وبتحسين أوضاعها والتخلص من طغاتها. هذه بديهيات لا نجادل فيها أبداً، لكن السؤال الذي يجب أن نسأله الآن بعد أن بدأت تتضح نتائج ما أسماه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالربيع العربي: هل كان هذا الربيع يهدف فعلاً إلى مساعدة الشعوب للتخلص من الظلم والطغيان وبناء دولة الحداثة والديمقراطية والمدنية التي ضحكوا علينا، وأغروا الشعوب بها؟ الأمور دائماً بخواتيمها. والخواتيم أمامنا صادمة جداً، لا بل تفضح مخططات ومشاريع كل الجهات التي حرضت الشعوب على الثورات.

شتان بين أجندات الشعوب وقياداتها وطلائعها الثورية، وبين القوى الخارجية التي دخلت على خط الثورات، أو حرضت على اندلاعها. لا شك أن الذين ثاروا في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن والعراق كانوا فعلاً يريدون أن يطالبوا بأبسط حقوقهم الإنسانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يكونوا يطمحون إلى أكثر من قليل من أوكسجين الحرية ولقمة عيش نظيفة غير مغمسة بالذل والخنوع. لكن حتى هذه المطالب البسيطة والصغيرة التي شجعها ضباع العالم كانت لو تحققت يمكن أن تقض مضاجع هؤلاء الضباع الذين تخيفهم أي صرخة ألم تطلقها الشعوب المقهورة، فهم يعرفون تمام المعرفة أنه ما أن تبدأ الشعوب تتحرر شيئاً فشيئاً، فلا شك أنها ستبدأ بمراقبة ثرواتها الوطنية، وستبدأ بالمطالبة بتوزيع الثروة ومساءلة كل من يتلاعب بمصائر الأوطان لإرضاء أسياده ومشغليه في الخارج.

 لهذا، لم تكن القوى الخارجية التي بدت وكأنها مناصرة للثورات في البداية تريد بأي حال من الأحوال نجاح أي ثورة، بل كانت تدفع الشعوب إلى المحارق لأغراضها الخاصة، وليس أبداً من أجل انتشال الشعوب من براثن الاستبداد والطغيان. إن التشجيع الدولي للثورات في بداية الأمر كان الهدف منه ضبط حركة الثورات بما يتناسب مع مصالح وحوش العالم بالدرجة الأولى. وهل هناك طريقة لإعادة الشعوب إلى زريبة الطاعة أفضل من الظهور بمظهر الصديق لثورات الشعوب؟ بالطبع لا. 

هنا بدأ يظهر من سموا أنفسهم بأصدقاء الشعب السوري مثلاً. وعندما تسمع مثل هذا الاسم، لا شك أنك تستبشر خيراً، وتأخذ الانطباع أن هناك قوى حية في العالم تقف إلى جانب القضايا العادلة، وتناصر مطالب الشعوب المسحوقة. لكن هيهات، فالوحوش لا يمكن أبداً أن تكون رحيمة، بل عاشت وما زالت تعيش على اللحوم والدماء، وبالتالي لا يمكن أن يأتي منها سوى البلاء والخراب.

انظروا الآن إلى تلك القوى الشريرة التي ظهرت بمظهر المناصر للربيع العربي. ماذا قدمت للشعوب الثائرة؟ هل فعلاً ساندتها للتخلص من الطغاة والظالمين فعلاً، أم إنها كانت إما تريد أن تقضي على بعض الحكام كي تستولي على ثروات بلادهم كما هو الحال في ليبيا، أو أنها تريد أن تقضي عبى بعض البلدان والأوطان، وتترك الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب كمغناطيس لجذب كل الجماعات التي يمكن أن تساهم في تخريب البلدان وتدميرها، كما هو الحال في سوريا.

 بعبارة أخرى، لم يكن الهدف أبداً مساعدة الشعوب وتخليصها من الطواغيت أبداً، بل لا نبالغ إذا قلنا إن ما يسمى بالربيع العربي الذي ضحك به علينا الرئيس الأمريكي المنصرف أوباما لم يكن سوى محاولة لإسقاط الأوطان لا الأنظمة، بدليل أن الذي سقط في سوريا فعلاً هو سوريا الوطن، والذي تشرد هو سوريا الشعب، بينما ما زال النظام جاثماً على صدور السوريين، ليس لأن ضباع العالم يحبونه، بل لأنهم يستخدمونه كأداة تدمير وتخريب. ويجب ألا ننسى مشروع الفوضى الخلاقة أو بالأحرى الهلاكة الأمريكية الذي بشرتنا بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة غوندوليزا رايس، الذي كانت تهدف أمريكا من خلاله إلى  نشر الفوضى بهدف إعادة رسم الخرائط وإعادة توزيع المصالح وتدويرها. وقد وجدت أمريكا في بعض الطواغيت الطريقة الأمثل لتنفيذ الفوضى. باختصار، لقد أرادتها الشعوب ثورات لإسقاط الطغاة والطغيان، بينما أرادتها القوى الخارجية معولاً لإسقاط الأوطان. انظروا حولكم واحكموا بأنفسكم.

التعليقات (8)

    خليل الخالدي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    أوافقك الرأي بكل ما تحمله ألفاظ مثل طغيان وأوطان من معنى . إننا وكعادة نأكل ما لا نزرع ، فإننا نجني حصاد ما زرعته لنا الفوضى الخلاقه . . .

    شكري سليمان

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الثوره تبقى ثوره لتاريخ أما النتيجة فمن المستحيل أن يعرفها من عاش أحداتها لان ذلك النتائج ليست قصيره الاجل اما الربيع فلم يكون يوما عربيا إلا في عقول من لا يستطيع أن يرى ابعد من دالك .

    آمنه الطيب

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الله يحفظك يادكتور فيصل وينصر الحق

    مواطن عربي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    كيف يساعدونااي الشعوب على التخلص من الحكامالطغاة والعملاء لهم علما بان من وضعهم حكاما هم وليس الشعوب التي اختارتهم والدليل على ذلك في سحقهم للشعوب وليس للحكام صنيعتهم كما في سوريا والعراق وليبيا واليمن هذه هي امريكا وهذه هي روسيا وهذه هي اوربا والواقع اكبر دليل

    الأفق البعيد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    دكتور فيييييييصل ودائما العناوين الجميلة و الغريبة

    الحقيقة المرة

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    يا فيصل القاسم ألا تخجل من نفسك أليست قطر وقناة الخنزيرة التي تعمل لها هي من كانت تجد وتشعل الثورات بأعلامها مع الأخوان ألم تكون قطر من شاركت بتمويل وتدمير عدد من هذي الدول. صحيح اللي أختشو ماتو

    علي الايراني

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    الحقيقة المرة هي أن الاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل.أنصح بمراجعة ما قاله الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم بشأن الثورة والخروج على السلاطين.ففيه فائدة عظيمة جدا.

    يوسف مكور

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    فيصل القاسم واحد من فئة اخر الرجال المحترمون
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات