ماعدا عملية درع الفرات والتدخل المباشر للأتراك في إعداد ما يجري على الأرض لم تسجل ردود أفعال كبرى سوى إسقاط المقاتلة الروسية التي مر على حادثتها عام كامل انتهت خلاله الأزمة التي عصفت بعلاقات البلدين إثر إسقاط الطائرة، ولا يخفى طبعا تبنيها بالدعم لبعض الفصائل القريبة منها دعم يتفاوت كما ونوعا وفق الظروف والأهداف ولا يخفى أيضا استثمارها لكل أشكال دعمها استثمارا عابرا للخريطة السورية بل والشرق أوسطية، وبالعودة لعملية درع الفرات فهي متوقفة تراوح بالمكان على حدود مدينة الباب دون أن يعرف تماما ما هو سبب التوقف ولماذا، حتى أن القوات التركية المرابطة هناك تعرضت لقصف مباشر من طائرات نظام الأسد أدى لمقتل جنود أتراك، تبعت الحادثة كما جرت العادة سيل من التصريحات والتهديدات لكن دون أن يترجم ذلك على الأرض أو في الأجواء حتى الآن.
وهذا يدفعنا للتساؤل مجددا ماذا تُخبئ أنقرة وبماذا تحتفظ إلى الآن؟ أليس هذا الزمن زمنا من زجاج مكشوف لا يمكن لأحد أن يبني فيه استراتيجيات طويلة الأمد لأن كل شيء متحول متغير، لكن تركيا لا أراها متحولة في السياسة تجاه الملف السوري الذي أظنه يعذبها كثيرا، هذا طبعا إذا تعاطينا مع الجانب المأساوي فيه لكن له جانب أخر أفاد الأتراك من حيث علاقتهم بالاتحاد الأوروبي واستغلوه خير استغلال في الاتفاق الخاص باللاجئين وما ترتب عليه طبعا هنا لا يمكن أيضا تحميل تركيا مسألة فشل الاتفاق بل هو عرض ليس إلا، لكن التطور الأخير الذي يشغل المنطقة والعالم الآن هو الجنون الأسدي الروسي الإيراني في حلب إذ باتت المشاهد والأخبار القادمة من هناك أكثر من مرعبة أو مزلزلة هي شيء لا مثيل له في تاريخ البشر، أن يقتل هذا الكم من الناس وفي هذا الآلية على الهواء مباشرة وتعرض الصور وتنقل الشهادات في كل المحافل الدولية دون أن يحرك أحد ساكنا، سوى التصريحات التي لم تقدم ولن تقدم ولا تؤخر، وآخر تصريح كان تركياً بالمناسبة للرئيس أردوغان نفسه قال فيه بأن التدخل في سوريا هدفه إسقاط الأسد ما لبث بعده وزير الخارجية الروسي المتنمر سيرجي لافروف أن عاتب المسؤولين الأتراك على التصريح وكأن الأسد أصبح أرفع من أن يمس بالقول فقط، وماذا إذا عن الفعل، وهنا نسأل ماذا تخبئ تركيا من فعل بعد أن أصبح أمر القول والنوايا يقلق الحليف الروسي، في أحسن التفسيرات يمكن تفسير التصريح "إن أخذ بجدية" من قبل موسكو فهي اليوم تجلس لتفاوض الفصائل التي تدعمها تركيا حول إخراج المقاتلين في حلب، لست ميالا لاعتبار هذه الخطوة مكسبا تركيا حقيقيا أو مكسبا للفصائل لكن علينا انتظار النتائج لنرى هذه الرعاية التركية أو الوساطة ماذا ستنتج من صفقات وهل هي فعلا قابلة للتحقيق.
يراودني سؤال حول إمكانية ضمان هذا النوع من البنود الفضفاضة التي يمكن بموجبها أن تشمل كل الفصائل أو أن تكون انتقائية مزاجية، من حيث التوقيت فلا ضامن للروس، هل تركيا ستكون ضامنا قادرا فاعلا، ثم ماذا يعني غياب تركيا عن المشهد خلال الشهر الماضي لماذا لم يكن تدخلها وبفرض أنه إيجابي قبل أن يتم تدمير أحياء كاملة وقتل هذا العدد من الناس، فلو كانت مسألة الخروج أو الإخراج محسومة فلماذا الانتظار، هل لتصيد لحظة تاريخية من الضعف يبنى عليها وهنا تكون تجليات لعبة السياسية التي تطحن البشر دون ثمن لا أريد أن أكون ناقدا للموقف التركي دون أن أراجع أسبابه، لكنني دأبت خلال السنوات الماضية على مقارنة الموقف عامه وخاصة بمواقف إيران وروسيا من النظام وأعتقد أن في ذلك عدلا؛ ومع ذلك كنا دائما نرى مافعلته تركيا بعين الإيجابية ومازلنا، لكن في هذه الأيام الفاصلة من تاريخنا لا بد لنا أن نعرف ماذا تخبئ تركيا لنا وماذا يُخبأ لها؟
التعليقات (2)