حينما يكون الموت.. رفاهية

حينما يكون الموت.. رفاهية
لم يعد يخفى على أحد ما يجري في سوريا و ما يعانيه السوريون من مأساة بلغت ما بلغته أمام أعين العالم أجمع ، حتى تخال نفسك ، إن كنت ابن تلك البلاد أن ما يحدث هو جزء من مشهد روتيني اعتاده  كوكب الأرض ، كأي ظاهرة من ظواهر الطبيعة ، أو حادثا طارئا في يومك  كأن يستوقفك أحد ما لا تعرفه  و يقول لك " مرحبا "  ،و يمضي في سبيله ، هكذا يصبح الأمر مع  مسألة الاعتياد أمام الأوجاع المكررة ، ليموت كل مرة فيك شيء ، فمرة موت إحساسك بموت أحدهم ، و مرة باعتقال ، و مرة برؤية أشلاء تناثرت لرفيق ، و مرة بمجزرة مرت بك أو مررت بها ، كما يقول الكاتب الراحل ممدوح عدوان : " نحن لا نتعود يا أبت ، إلا إذا مات شيء فينا ، و ربما تكمن المسألة في مقاومة هذا الاعتياد ، و الصمود أمام كل آلات الدمار و الإبادة تلك ، إلا أن هذه المقاومة أيضا ، فيها من الخلط ما لا يمكن استيعابه بين الخيارات الغير محدودة ، و الغير محددة بشكل سهل ، كأن يخطر في بالك أن تنقذ نفسك بمحاولة صعبة للبكاء من جديد على فقيد آخر تعبيراً عن الإنسان و الحياة فيك مثلاً ، أن تهرب من غارة جوية قد تودي بك لمطافٍ مفتوح الخيار ، أو أن تودّع حدوداً جديدة لبلاد هاجرتَ لها قسراً لبلادِ مهجرٍ جديد ، كل ذلك ، و أنت تقف في مساحة واسعةٍ من الغضب أو الحزن أو الألم ، محاولاً إدراكَ الوهم من الأمل ، و الطموح من الحلم ، و الهويّة من منافيك المتعددة ، و التي بدأت بالوطن ! 

و تتحول بك القضيّة من سؤالك عن مطلبك إلى الموازاة مع سؤالٍ آخر و هو : ما الذي يريده كل أولئك الأعداء ؟ ، لتسافرَ في كتلةٍ هائلة بعدَها من المشاهد ، تبدأ بأولى صرخات الحريّة ، و لا تنتهي أبداً عند تلك الدماء ، و أنت في كل خطوة و نفسٍ يدخل رئتيك ، تُعدّ تابوتاً لبيان جديد ، تطلقه منظمة ما تُعنى بحقوقك كإنسان " ولو افتراضاً " ، أو لعنةً تَصبُّها مثلاً .. على الذين لا يُطلقون البيانات تضامنا ً معك ! في مزج تراجيدي تُدركه في بعض اللحظات مُلخصّه أنَّ شيئاً من العجز من شأنه أن يَخلق الحيرة في خُطاك ، و أن تفقد ثقتك في كل مصطلحاتِ الموازين في هذا العالم ، وسط مرورك على سياسات كبريات الدول و صُغيراتها ، و الإنسانية التي عادت طفلةً رضيعة .. تربيها مهامُ الآلام الحاصلة في أجساد المقهورين و المضطهدين و المحرومين أدنى وصفات الحياة قوتاً ..

و من هنا تماماً ، تعود للاستذكار في نفس المزج  بأن الوطن الذي لا تجد فيه وسادة لك لن تستطيع أن تحلم به ! ، و أن الأرض التي لا تحمل أبناءها غمامٌ لا يمكن الُّرقاد فوقه ، بالموازةِ ذاتها مع الوطن الذي كان حارساً لأحلامك ، و الأرض التي سقتك من كأسها ، كل ما حملته من مياه ! و كأنك أنت و لست أنت ، تقفُ عند ذاتِك لوهلة ، إلا أنك تجدُ في موضعك هذا قد تعدّدت ذواتك ، لتهرب بعدها لأقل الوجع ، و تُشرع بابك من جديد ، للصدف المخلّصة ، أو المعجزات .

أما إن كنت حيَّ البصيرة لبعض الدقائق ، قادراً على تمايز الأحداث المتشابهة في كامل ماهيّتها ، فهذا حديثٌ آخر و ليس أخير ، مثل دفنِ كسرة خبزٍ في جيبك تَعلمُها الأخيرة ، لجوع ٍآخر هو نفسه ، لكنك تسميه آخراً لتُغري نفسك بأكبر كميةِ صبرٍ يمكنك الحصولُ عليها ، أو تحصي اللّبنات التي بقيت من جدران بيتك لتأوي بها مسمّى البيت مؤجّلاً مداهمةَ العراء لك ، أو تطلق الصرخات هنا و هناك ، لتتفقد نفسك إن كنت لازلتَ حيّاً ، و ما إن كان أحد ما حيّ يقدر على سماعك و فعل شيء له ، أو لك !

هكذا يكون الموتُ رفاهيّة ، حين تقف عن الذهول ، و لا يعد هنالك شيء يحجبُ بصرك عن شيء قليلاً ، و حين تصبح الدهشة معقولاً ، و تندثر الأعاجيب ، و أنت في مكان ما  ، ترتل لنزعك الأخير كل ما في الكون من أغنيات تغنيها من على منبر الوطن ، تحكي عن الألم و الأمل ، حين يكون  موتاً متعدداً ، ينتظرُ الموت أو الحياة ، بكل القهرِ ، بكل السّلام.

التعليقات (7)

    عبدالله الخطاب

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    نعم الموت رفهاية و راحة هنا سوريا

    أزهر بن عيسى

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    حياك الله يا استاذ قليلا ما نجد مثل هذا الكلام و جعل قلمك للحق و الحقيقة

    مهدي خطاب

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    كلام في الصميم

    الكادي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    عبيد الأوطان هبطت منازلهم فوق رؤوسهم وإن في ذلك لآية....

    سفير الحرية

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    سوريا مأساة حقيقية متكاملة الأركان سوريا أضحت ساحة حرب لقوى خارجية متجاهلة الثوار على رأسها إيران وروسيا من جهة وأمريكا وبعض الدول الأوربية من جهة أخرى لو نربط الأحداث بالماضي لنجد التاريخ يكرر نفسه علينا أن لا نثق بالغرب فهم من زرع بذور داعش وزرع بذور الفتن في كل أنحاء الوطن العربي

    محب سورية

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    لقد أرسلت رسالتين مهمتين في بريد الاكتروني هدا [email protected] إلى بريدكم فيه طلب على شكل تقرير مفصل عن وهو وقف تحميل او نشر اي شيء سيساعد اعداء سورية ويهدد امن وستقرار العالم منها فديوهات تصنيع أسلحة النوار معان من اجل سورية موحدة ومستقرة

    نوري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ابةهاغتقنءاىهىؤبتغ
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات