من خان شيخون إلى كفريا والفوعة : القسوة ..

من خان شيخون إلى  كفريا والفوعة : القسوة ..
لا تمايز بين طفل شهق اختناقاً بغاز السارين حتى الموت في خان شيخون وآخر سفك دمه بانفجار جبان لعبوات ناسفة في كفريا والفوعة، ولا تبرير لجريمة استهداف مدنيين في كنيسة قبطية في مصر وآخرين سقطوا في سيارة مفخخة في طريق عام في العراق. هي نفسها أرواح لا ننفك نخسرها بأبشع الطرق و أنذلها بدءاً من سورية والعراق ومروراً باليمن وليبيا ومصر وليس انتهاءً بأي مكان..   

أقفل باب الحلول إلا على تسويات تجمع نفس القوى التي أنتجت الحروب، وانعدم أفق الحلول فبتنا مجرد جماعات كبرى وصغرى تتحضر للانقضاض على جماعات مقابلة فكل المشاعر باتت خاضعة لحساب الهوية والطائفة والدين و بحيث لم تعد السياسة سوى لعبا واستغلالا مفضوحا لهذه الكراهيات المتعاظمة. 

قد يبدو هذا كلاما عاما بعض الشيء لكن نحتاج الى ترداده بيننا وبين أنفسنا وعلانية وفي كل مكان حتى لا نشعر أننا بتنا جزءا من دائرة الضغينة الكبرى التي نعيشها والتي كشفتها المواجهات الدامية الحاصلة وردود الفعل عليها خصوصا من شرائح تدعي شيئا من التمدن والرفعة المعرفية والاجتماعية.

الإدانة الجماعية للجرائم تخفي ما يجب التوقف عنده، فتحت سقف رفض استهداف المدنيين والأطفال سواء أكانوا في خان شيخون أم في كفريا والفوعة هناك الكثير من العفن المتعاظم والمتمدد.

 يحدث مثلاً تحت سقف هذا "التضامن" الظاهر والزائف احيانا أن تسمع تعليقاً يعبر فيه صاحبه عن تعاطفه مع الضحايا في كفريا والفوعة ولكن بعد أن يبدأ جملته بتعظيم فارغ للنفس التي استطاعت التعالي عن "طائفة" الضحايا قبل إعلان التضامن معهم أو أن يستبق أحدهم جملة تدين مقتل ضحايا خان شيخون بغاز السارين بشيء من التشكيك بهوية المرتكب قبل أن يتحشرج بإعلان رفض خجول.. 

إبداء موقف حاسم غير متردد من القتل بات أمراً خاضعاً للتطييف الكامل تقريباً وأي كلام يسوغ الانكفاء نحو الطوائف ونحو العصبيات بسبب حجم القتل فيه نذالة خصوصا ممن باتوا فجأة يجاهرون بانحيازاتهم العصبية تحت ذريعة "الظلامة" فهذه الظلامة لا تبيح تجريدنا جميعا مما تبقى من عقل وضمير خصوصاً ممن لا يزالون في وضع سياسي واجتماعي قادر على مقاومة مد العصبيات الجارف من حولنا.

بات عادياً أن نشاهد حوارات حافلة بالمواقف والانحيازات الطائفية والمذهبية ومغرقة في التعميم خصوصا بين مدعي تحضر ومدنية وهم إذ يفعلون ذلك يبررون الأمر بأنهم لا يريدون التخفي مرة اخرى وأنهم يريدون قول الأمور كما هي.

صحيح أن المشهد العام بات مغرياً لجهة الانتقام والمجاهرة بالانقضاض على الآخر وما يزيد من هذا الشعور انعدام السياسة وطغيان حال انعدام الرشد لدى معظم القيادات المعنية بالمنطقة. وهذا بالضبط ما يجعل المجاهرة برفض الانجرار خلف العصبيات أمرا ملحا، إذ لا مفر من محاولة اعادة الاعتبار لرفض العنف كائنة ما كانت مسوّغاته، ورفض الحكم بالغلبة والقوّة.

قد يبدو ترفاً أن نحلم ونسعى لتأسيس عالم يستبعد القوّة والقسوة، ويطاردهما في الأماكن المعتمة من النفس البشرية إلا أن ذلك رغم صعوبته سيبقى مطلبا نبيلا لا تستقيم معه محاولات البعض التنازل والانكفاء نحو الجماعة بذريعة الواقعية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات