أردوغان يطالب مسؤولين منتخبين ديمقراطيا بالاستقالة.. والمعارضة تنتقد

أردوغان يطالب مسؤولين منتخبين ديمقراطيا بالاستقالة.. والمعارضة تنتقد
طالب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" منذ توليه الحكم عام 2002 عددا من مسؤولي حزبه بالاستقالة، وذلك على خلفية إدلاء البعض منهم بتصريحات من شأنها أن تضرّ بالقاعدة الشعبية للحزب ومبادئه وأفكاره، والبعض لإيمانه بضرورة تغييرهم لإرساء المشروع الذي يسعى إليه كما حدث مع أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق.

ومن بين المسؤولين الذين قدّموا استقالاتهم بناء على توجيهات مباشرة من أردوغان على سبيل الذكر "إسماعيل حقي" النائب عن ولاية أيدن في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية، والذي طالبه أردوغان بالتقديم الفوري لاستقالته وذلك بعد أن وصف النائبُ في إحدى خطاباته الرئيسَ أردوغان بـ "نبي العصر والذي عدّه الأخير بالأمر غير المقبول".

في الخامس من أيار/مايو عام 2016 أثارت استقالة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق ضجّة كبيرة وذلك لما كان يتمتّع به داود أوغلو من قاعدة جماهيرية كبيرة تجاوزت حدود بلاده، ولا سيّما أنّه كان رائد السياسة المتناغمة، وهو من أرسى دعائم العلاقات السياسية ذات الأبعاد المختلفة، حتى نال لقب "مهندس السياسة الخارجية".

سلسلة طلبات استقالة جديدة

مؤخرا أثارت مطالبة أردوغان لعدد من رؤساء بلديات ولايات كبيرة من بينهم "بلدية أنقرة وبالق أسير وبورصة" بالاستقالة جدلا واسعا لدى الأوساط السياسية المعارضة، ولدى بعض وسائل الإعلام التركية، ولا سيّما أنّ بعض رؤساء البلدية بدلا من الاستجابة الفورية حاول أن يتمسّك بمنصبه إلى حين انتهاء مدة ولايته عام 2019.

اللافت للانتباه أنّ بعضا من المسؤولين بمجرّد أن أثير الجدل حول تغييرهم سارع إلى تقديم استقالته، والبعض الآخر حاول التصدي لذلك، رئيس الوزراء السابق داود أوغلو كان قد لمّح إلى استقالته قبيل تقديمها بأيام بمجرّد أن دار الحديث حول تغييره، وبمجرّد أن بدأت الشائعات حول توتر العلاقات بينه وبين أردوغان بالانتشار، إذ قال حينها: "لا مانع لدي من أن أترك خلفي أي منصب قد يظنه إنسان فان بأنّه مقام يصعُب تركه".

"قدير طوب باش" رئيس بلدية أنقرة بدوره سارع إلى تقديم استقالته قبل أسابيع، وذلك مع بدء انتشار الشائعات حول الرغبة بتغييره، الأمر الذي خفّف على أردوغان عناء مطالبته بالاستقالة، وبالتالي حفظ لقدير طوب باش الذي قدّم خدمات كبيرة لتركيا ماء وجهه.

رؤساء بلدية أنقرة وبالق أسير وبورصة لم يلجؤوا إلى الاستقالة الفورية وإنّما فضلوا التمسك بمناصبهم، الأمر الذي خلق ردود أفعال متباينة لدى الأوساط السياسية وعلى نحو خاص لدى حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي دافع عن وجهة نظر رؤساء البلديات وأيّدهم بمقاومة مطالبتهم بالاستقالة بحجّة أنّ رؤساء البلديات انتخبوا من قبل الشعب بطريقة ديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ومن الضروري أن يغادروا لدى انتهاء مدة ولاياتهم.

رؤساء البلديات انتخبوا من قبل الشعب لتمثيلهم حزب العدالة والتنمية

الرياح لم تجرِ كما شاء رؤساء البلديات، إذ اصطدم رؤساء البلديات على خلفية إصرارهم بالتمسك بمناصبهم بإصرار الرئيس أردوغان الذي قال في لقاء صحفي على خلفية سؤاله عن رأيه إزاء رفض بعض الرؤساء للاستقالة: "إن كانوا يؤمنون بأنّ حزب العدالة والتنمية حزب قضية عليهم أن يقدّموا استقالتهم، وأنا لا أظن بأنهم سيرفضون الاستقالة، ولا أريد أن أتخيّل بأنّهم قد يرفضون، أظن بانهم سيقدّمون استقالتهم، وهذا ما أنتظره".

وردّا على كلام المعارضة التي أفادت بضرورة مغادرة المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا بطريقة ديمقراطية وليس من خلال مطالبتهم بالاستقالة دافع أردوغان عن قراره بقوله: "رؤساء البلديات لم يُنتخبوا بصفتهم مرشحين مستقلين، فعندما انتخبوا عبر صناديق الاقتراع انتخبوا لتمثيلهم حزب العدالة والتنمية، ولكون الحزب هو الذي رشّح أسماءهم".

ما الذي يدفع بأردوغان إلى المطالبة بتقديم الاستقالة؟

كان الرئيس التركي قد صرّح في وقت سابق حول ادّعاءات الخلاف بينه وبين داود أوغلو بقوله لأحد المقربين منه "لم نتمكن من التفاهم مع الأستاذ داود أوغلو"، وعزا بعض المحللين هذا التصريح إلى وجود بعض الخلافات حول الإدارة المركزية للحزب واختلاف وجهات نظر الزعيمين حول آلية الإدارة، فضلا عن أنّ أردوغان كان يسعى جاهدا منذ فوز حزب العدالة والتنمية في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2015 إلى إرساء فكرة ضرورة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، بذريعة أنّ النظام البرلماني يعيق سير تركيا نحو أهدافها بالسرعة المطلوبة، الأمر الذي لم يعكف داود أوغلو إلى ذكره في خطاباته، وإنّما سارع إلى تنفيذ الوعود التي تعهّد بها في الحملات الدعائية لحزب العدالة والتنمية في غضون 3 أشهر، الامر الذي صعّب على أردوغان مهمة إقناع الناس بضرورة تغيير النظام البرلماني إلى الرئاسي.

رئيس بلدية بورصة "رجب ألتيبيه" كان قد صرّح بأنّه سيقاوم قرار الاستقالة، وفي أثناء عودته من رحلته من البوسنة والهرسك في نهاية الأسبوع كان قد صرّح بأنّه ما يزال على رأس عمله، إلا أنّه مع بداية الأسبوع أعلن عن استقالته.

مليح كوكشيك رئيس بلدية أنقرة أكثر من أثار الجدل، وذلك لأهمية العاصمة أنقرة، ولكون شخصية كوكشيك بحدّ ذاتها مثيرة للجدل، ولا سيّما أنّه يُعرف بأسلوبه الهجومي الذي لم يسلم منه أحد من المعارضين وعلى رأسهم "كمال كليجدار أوغلو" زعيم حزب الشعب الجمهوري.

رئيس بلدية أنقرة ومقاومته القرار

وحاول كوكشيك الذي التقى أردوغان مرّات عدة إقناع الأخير بعدم الاستقالة في الوقت الحالي، عارضا عليه مشاريع يعتزم على تنفيذها في أنقرة، مؤكدا له على ضرورة حفاظ الحزب على القاعدة الشعبية له في العاصمة، قائلا له في إحدى لقاءاته بحسب ما أورده الكاتب في صحيفة حرييت "عبد القادر سيلفي": "لا يصح أن أغادر بهذا الشكل، ما الذي سأقوله لأولادي؟ أأقول لهم أنني ضالع في قضايا فساد؟ أم تورطت بالضلوع بتنظيم فتح الله غولن؟ ما السبب الذي علي أن أبرزه لهم لتقديم استقالتي؟، واصطدم كوكشيك أمام إصراره بالبقاء بإصرار الرئيس أردوغان على دعوته لتقديم استقالته، الأمر الذي دفعه مؤخرا بعد طول أخذ ورد إلى نشر تغريدة عبر حسابه الخاص على موقع تويتر أعلن فيه بأنّه سيقدّم استقالته يوم السبت المقبل.

وبقي على قائمة الانتظار رئيس بلدية بالق أسير "أحمد أديب أوغور الذي ما زال يقاوم قرار الاستقالة، ولكنه اضطر بحسب الكاتب سيلفي إلى التصريح مؤخرا بأنّه سيسرّع المرحلة وسيقدّم استقالته.

نريد رؤية مسؤولين شباب

بحسب مؤيدي حزب العدالة والتنمية والمحللين السياسيين أردوغان ينظر إلى الحزب الذي يُعدّ مؤسسا له على أنّه حزب قضية تأسس لخدمة الشعب التركي، وكثيرا ما ردد أردوغان وغيره من مسؤولي الحزب الذين تركوا مناصبهم سواء باستقالة أو لانتهاء مدة ولايتهم ومن بينهم "عبد الله غل" رئيس الجمهورية السباق بأنّ حزب العدالة والتنمية هو حزب قضية، ولذلك ترك منصب سياسي لا يعني التخلّي عن الحزب أو مبادئه، وهذا ما أكّد عليه إسماعيل حقي لدى تقيدم استقالته إذ قال "أعدّ مطالبة الرئيس أردوغان لي بالاستقالة على أنّها أمر وعلى أساسه أقدّم على الفور استقالتي"، وكذلك رئيس بلدية بورصة بدوره قال في أثناء استقالته "فكما الوفاء لا بد من الإيمان بوجود الوداع أيضا" معلنا ترحيبه بمطالبة أردوغان له بالاستقالة، بينما داود أوغلو كان قد لفت في خطاب وداعه بأنّه لن يسمح لأحد بالطعن بعلاقة الصداقة التي تجمعه بأردوغان، مؤكدا على أنّه سيبقى الوفي لحزبه قائلا: "إن حزب العدالة والتنمية اليوم قضية دولة بأكملها، وسأستمر في الحزب وسأواصل كفاحي السياسي حتى آخر لحظة من عمري كنائب في البرلمان عن ولاية قونية، وفي الحزب نفسه".

عزا معلّق سياسي أمس على قناة "أ هابير" مطالبة أردوغان لرؤساء البلديات بالاستقالة إلى كون الرئيس يرغب برؤية مسؤولين شباب، ولا سيّما أنّه عكف مرارا في أثناء الترويج للنظام الرئاسي على ذكر أهمية الشباب، وذلك بعد تعديل مادة في الدستور تعطي الشاب حق الترشح للانتخابات البرلمانية ابتداء من سن الـ 18، وكان ردّ أردوغان على منتقدي تعديل المادة المذكورة على النحو التالي: "كيف نثق بالشباب واختياراتهم في صناديق الاقتراع ولا نثق بهم كمرشحين؟.

كيف حظي أردوغان بولاء حزبه؟

أثبت أردوغان لدى مسؤولي والقاعدة الشعبية لحزبه شخصيته القيادية، وذلك من خلال النجاحات التي حققها، بالإضافة إلى أنّه كان صاحب القرار الصحيح في كثير من الأوقات الحاسمة، منها على سبيل الذكر لا الحصر في الانتخابات البرلمانية في 7 حزيران / يونيو 2015، عندما خرج فيه "العدالة والتنمية" بنسبة لا تؤهله من تشكيل حكومة بمفرده، فبينما كان الجميع يتحدث عن تشكيل حكومة ائتلافية، أصر أردوغان على الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فجاءت نتائج 1تشرين الثاني / نوفمبر من العام نفسه لصالح الحزب، ساحقة بالنسبة إلى الأحزاب المعارضة الأخرى.

في الختام يرى الكاتب عبد القادر سيلفي أنّه ما أجبر رؤساء االبلديات على الرضوخ إلى مطالبة أردوغان لهم بالاستقالة هو إصرار الرئيس التركي وعزمه على إنهاء الأمر، لافتا إلى أنّ حزم أردوغان في هذا الصدد جنّب الحزب مغبّة الدخول في أزمة داخلية جديدة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات