روسيا تخلط الأوراق السورية بالأوكرانية.. هل تندلع الحرب شرق أوروبا؟

 روسيا تخلط الأوراق السورية بالأوكرانية.. هل تندلع الحرب شرق أوروبا؟
يعود التداخل (البعيد – القريب) بين الملفين الأوكراني والسوري ليطفو على سطح الأحداث من جديد، بعد الضربات الغربية التي وجهتها (أمريكا وفرنسا وبريطانيا) للنظام المدعوم مباشرة من روسيا، حيث لا تزال الأخيرة تربط بين أي تطور على صعيد أحد الملفين بالآخر، ضمن سلسلة الاستثمار السياسي والعسكري منذ اندلاع الثورة الأوكرانية بداية 2014، وتدخلها المباشر في سوريا خريف 2015. 

الأوكرانيين يخشون الحرب

تلك العودة، حملها إعلان نائب وزير الخارجية الأوكراني (فاسيلي بودنار) بأن هناك "احتمالاً كبيراً إلى حد معين، أن تقدم روسيا على ضربة جديدة بحق أوكرانيا على ضوء تطورات الأوضاع في سوريا". 

وأوضح بهذا الشأن، بأنه "لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بردة فعل روسيا إزاء إجراءات الحلفاء الغربيين في سوريا، لأنه لا أحد يعلم ما يدور في ذهن السيد بوتين على وجه الضبط، إلا أنه ينبغي أن نستعد للأسوأ" على حد قوله. 

وفي هذا السياق كشف (بودنار) لوكالة (أوكر إنفورم) الأوكرانية "أن دبلوماسيين أوكرانيين، يعملون حاليا على نقل اهتمام المجتمع الدولي بسوريا إلى الملف الأوكراني، في ظل ضربة روسية جديدة محتملة شرقي البلاد، يجب أن يتصدى لها العالم كله". 

روسيا، وضم القرم والدونباس 

ومنذ بداية العام الحالي، تدفع روسيا بتعزيزات عسكرية إلى إقليم (روستوف) جنوبي البلاد، قبالة حوض (الدونباس)، الذي دعمت فيه موسكو مسلحين خارجين على السلطة الأوكرانية ليعلنوا استقلال إقليمي الحوض (دونيتسك ولوهانسك) عن أوكرانيا، في حزيران/ يونيو 2014 ليشكلا جمهوريتين مستقلتين، بعد استفتاء لم يحظ برضا المعسكر الغربي ولا الأوكرانيين الذين أوصلوا حينها من خلال حكومة شرعية إلى الحكم، بعد إسقاط حكومة الرئيس (فيكتور يانوكوفيتش) المدعوم من موسكو. وفي خضم ذلك خاض المسلحون المدعومون من روسيا حرباً مع الحكومة الأوكرانية الشرعية حصدت أرواح حوالي 10 آلاف شخص، ولاتزال الموجهات مستمرة؛ تهدأ وتندلع بين فترة وأخرى. 

إسقاط (يانوكوفيتش) ضمن أحداث "يوروميدان" في العاصمة كييف، لم يحمل روسيا على دعم مسلحي "الدونباس" لإعلان الاستقلال وحسب، بل سبقه السيطرة على شبه جزيرة القرم في آذار 2014، أيضاً باستفتاء شعبي لاقت نتيجته سخط الأكثرية من سكان شبه الجزيرة التتار الموالين لحكومة كييف الشرعية، فيما تتذرع روسيا بأن معظم سكان القرم هم من الناطقين بالروسية، في حين تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الروس هناك لا تتجاوز 24%. 

رد الاعتبار الروسي في أوكرانيا

ومن خلال الملف الأوكراني، تسعى روسيا لاستنساخ تجاربها هناك وتطبيقها في سوريا، من خلال هيمنتها وفرض وصايتها على نظام بشار الأسد؛ وتعد روسيا صاحبة مشروع "سوريا المفيدة" (حيث تقيم روسيا قواعدها في حميميم وطرطوس)، باقتطاع الجزء الغربي من سوريا ووسطها إضافة للعاصمة دمشق، كخيار أخير، لتبقيها تحت حكم الأسد، خلال معارك تقاسم النفوذ مع الدول المتدخلة في الملف السوري، التي هي ذاتها تعد أطرافاً بمواجهة روسيا، في الملف الأوكراني. 

وحيث تعد الضربات الغربية التي تلقاها النظام تقزيماً لقدرته عسكرياً وسياسياً من جهة، وصفعة لروسيا الحليفة والمسيطرة على جزء من الأرض من جهة أخرى. يبدو أن روسيا تسعى لرد اعتبارها من خلال جبهة أخرى (أوكرانيا)، لخلط الأوراق من جديد، وإعادة التوازن القائم على الاستثمار بكلا الملفين. 

سوريا.. استثمار روسي لكسر العزلة  

ويرى د. باسل حاج جاسم (الباحث في الشؤون الروسية التركية)، أن "ردة الفعل الضعيفة للغرب على تحرك روسيا في أوكرانيا، شجعت روسيا على التحرك عسكرياً في مناطق أخرى". في إشارة إلى سوريا. 

وأضاف في حديثه لأورينت نت بأنه "من بين الأهداف الروسية الاستراتيجية للتدخل العسكري المباشر في سورية، كسر العزلة التي تعرضت لها بعد تدخلها في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وعملت طوال عامين من تدخلها في سوريا على ربط ملفات أخرى أيضا لا علاقة لسورية بها" واستطرد "صحيح أن روسيا نجحت في تحقيق بعض تلك الأهداف، إلا أنها فشلت في بعضها والعقوبات الغربية على موسكو ماتزال مستمرة بسبب أوكرانيا، واليوم قد يكون تصريح نائب وزير الخارجية الأوكراني يأتي في سياق لفت الأنظار إلى ملف بلاده الذي طغى عليه دولياً موضوع سوريا". 

أما عن جدية روسيا القيام بعمل عسكري في شرق أوكرانيا، قال الحاج جاسم: "فعلياً، حلفاء روسيا يسيطرون على تلك المناطق، لذلك من المستبعد أن تقوم روسيا في تلك المنطقة بخطوة على غرار ما قامت به مع شبه جزيرة القرم، لاسيما أن النزاع هناك اليوم مجمد، إلا إذا أقدمت كييف على عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على تلك المنطقة".

"عرض روسي: الأسد مقابل العقوبات"

من جهته يرى د. محمود حمزة (الباحث السياسي والمطلع على الشأن الروسي)، أن "أحد أسباب التدخل العسكري الروسي في سوريا كان، هو استخدام الورقة السورية لتحقيق مكاسب في أوكرانيا، لكن روسيا لم تنجح في هذه المهمة، بل تعقدت الأمور في سوريا والآفاق قاتمة أمام روسيا، فالواضح أن الأمريكان يستفزون الروس وسيفتحون جبهة مع إيران ويمكن أن تتدخل إسرائيل، وهذا كله يزيد تورط الروس ويغرقهم في المستنقع السوري". 

وفيما يخص احتمالية نشوب نزاع مسلح بين روسيا وأكرانيا في أوروبا كرد فعلٍ روسي على الضربات الغربية التي تلقاها نظام الأسد، وذلك ربطاً بالتصريح الأوكراني الأخير، قال الحمزة: "لا أعتقد أن روسيا الآن مهيئة لفتح جبهة جديدة فالوضع في سوريا يشغل بال القيادة العسكرية والسياسية الروسية على ضوء الصراع مع أمريكا والضربات الأخيرة لمواقع عسكرية تابعة للنظام، والواضح أن السياسيين الأوكرانيين يبالغون كي يعطوا مبررات للغرب باتخاذ عقوبات جديدة ضد روسيا، إضافة إلى العقوبات الكبيرة التي طالت كافة الشركات الروسية العاملة في قطاعات النفط والأسلحة والمقربين من بوتين، وآخرها عقوبات طالت 28 شخصية أدت لتعطيل تصدير الألمنيوم وبالتالي خسارة 11 مليار دولار في يوم واحد". 

وعن إمكانية أن تضغط روسيا من خلال الملف الأوكراني لتحصيل مكاسب في سوريا بعد تراجعها السياسي أمام المعسكر الغربي إثر الضربات الأخيرة، يجيب الدكتور حمزة: "الكرة في أوكرانيا بملعب الدول الغربية وأوكرانيا، فهم يتحكمون بالموقف ويضغطون على روسيا ويريدون تطبيق اتفاقيات مينسك بخصوص حوض الدونباس التي لا تتناسب مع المصالح الروسية، وهي سبب العقوبات، وروسيا عرضت في فترة من الفترات على الأوروبيين، إلغاء العقوبات مقابل التخلي عن الأسد، لكن الأوروبيين رفضوا".  

التشابك السوري الأوكراني وخلفياته 

ولم تخل أي من المحادثات التي جمعت الجانبين الروسي والأمريكي حيال حل الأزمة السورية، من إشراك تلك الأوكرانية على طاولة البحث، حتى بعد انتهاء فترة حكم الرئيس باراك أوباما ومجيئ دونالد ترامب، الذي انتقد سياسة سلفه اتجاه كل من القضيتين، ولاسيما حين وصف التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم بـ "الغزو" الذي حدث في عهد أوباما، بالإضافة لتطرقه أكثر من مرة إلى "الاستهزاء" من الخط الأحمر الذي رسمه أوباما للأسد، آخرها كان قبيل الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة مع حلفائها للأسد بعد تحذيرات روسية بعدم شنها، وهذا ما يجعل الملفين أكثر تشابكاً. 

وفي حين تدخلت روسيا في سوريا عسكرياً منذ أيلول 2015 وأنشأت قاعدتين (بحرية وجوية) ونشرت منظومات صواريخ (إس 400) مع المئات من الجنود، فإنها تحشد بشكل أكبر منذ بداية العام الحالي على الحدود مع أوكرانيا، إذ نشرت أيضاً منظومات صاروخية من ذات النوع بالإضافة إلى تعزيز قوة الجيش (58) الروسي، الذي عهدت إليه موسكو تأمين حماية جمهوريتي (دونيتسك) و(لوهانسك) المزعومتين في حوض (الدونباس).

ويرجح محللون عسكريون وسياسيون، بأن روسيا قد تقدم فعلياً على عمل عسكري تجاه أوكرانيا، بعد الانتهاء من استضافتها لكأس العالم منتصف 2018، إذا ما تعنتت أوكرانيا باستعادة الإقليمين. 

ويشار إلى أن الأزمة الأوكرانية، بدأت عقب احتجاجات نشبت في نهاية نشرين الثاني/ نوفمبر 2013 بعدما توصلت أوكرانيا إلى توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، إثر أزمة اقتصادية خانقة عصفت بالبلاد نتيجة الفساد، لكن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش حينذاك، رفض توقيع الاتفاقية لقربه من روسيا، وكون الاتفاقية تذهب بأوكرانيا أكثر باتجاه أوربا، لتندلع الاحتجاجات على حكومته، وتؤدي إلى الإطاحة به في شباط/ فبراير 2014. وعمدت روسيا بعد خسارة حليفها لقضم أقاليم شرق البلاد من خلال تدخلها المباشر ودعم المتمردين على الحكومة الشرعية التي تلت حكومة يانوكوفيتش، ما أدى لفرض عقوبات اقتصادية (أوربية وأمريكية) عليها. 

ومنذ ذلك الحين تخوض روسيا ما يشبه بالحرب الباردة مع الغرب، وتربط كل أنشطتها في أوكرانيا بالملف السوري، من خلال المساومة والمقايضة السياسية والعسكرية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات