مآلات إعادة إعمار سوريا (١)

مآلات إعادة إعمار سوريا (١)
إن حجم الدمار الذي خلفته الحرب في سوريا، يبلغ من القسوة ما يصعب تقديره، نظراً لفظاعة ما طال البنى التحتية، والمرافق العامة، وموارد الاقتصاد، إضافة لهبوط قيمة الليرة 10 أضعاف، طيلة السنوات السبع الماضية؛ لكن دولاً ومنظمات دولية ومراكز دراسات تقف وراءها شركات عالمية كبرى، تحاول تقدير حجم الضرر من خلال تقدير تكلفة عملية "إعادة الإعمار".

وتراوحت معظم التقديرات لتكلفة إعادة الإعمار في سوريا بين 200- 300 مليار دولار، فيما كان سقف المتسبب (بشار الأسد) أعلى قليلاً، حين قدرها بـ 400 مليون دولار، ويحاول أن يستأثر بهذا الملف لحلفائه، في حين تضع دولٌ غربية عينها عليه. 

مفهوم إعادة الإعمار

وفي ظل الحديث عن حل سياسي والتوجه إلى طرح ملف "إعادة الإعمار" حتى قبل بروز الملامح الرئيسية لصيغة الحل، طرحت (أورينت نت) بعض الأسئلة على الدكتور (مسلّم عبد طالاس)، أستاذ مادة الاقتصاد في قسم العلوم السياسية بجامعة ماردين، للوقوف على فهم مفصل لمفهوم "إعادة الإعمار" بالنسبة للحالة السورية، وهل يقتصر مفهوم إعادة إعمار على تأهيل البنية التحتية فقط والمنشآت الحيوية والاقتصادية والمرافق العامة، أم كل ما طاله الدمار يندرج تحت ذلك بما فيها الممتلكات الخاصة للمتضررين؟ حيث قال: "أعتقد أن (إعادة الاعمار) ينطوي على بعدين؛ الأول إعادة عجلة التنمية والنمو الاقتصادي للدوران. والثاني، تثبيت السلام. طبعاً إن بدأت عملية سلام ما، وهذا يتطلب تأمين مبالغ للإنفاق على ما تضرر وخصوصا البنية التحتية والخدمات اللازمة لانطلاق العملية الاقتصادية وإعادة تأهيل الموارد المادية والبشرية التي دخلت في خدمة (اقتصاد الحرب) من أجل أن تخدم في سياق (اقتصاد السلم)، إضافة لرسم سياسات اقتصادية تدفع البلد نحو النمو الاقتصادي بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.

وبحسب (طالاس) فإن "إعادة الاعمار" لا تعني تعويض المتضررين بالضرورة، وإن كان ممكناً إنفاق بعض المبالغ في ذلك السياق، بل إعادة الاقتصاد إلى الحالة السلمية ومنع البلد من الانتكاس للحرب مرة ثانية، باعتبار أن احصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن 50% من الدول الخارجة من الحروب الأهلية تنتكس للحرب مرة ثانية خلال عشر سنوات.

ويدخل في سياق هذه العملية تجنيد موارد البلد المقيمة والمهاجرة، خصوصا إيجاد سبل لاسترداد الموارد المادية والبشرية المهاجرة". 

المرحلة التمهيدية

وعن تصوره للمرحلة التمهيدية التي ستسبق مرحلة (إعادة الإعمار) سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي؟ أجاب (طالاس): "النقطة الأساسية في التمهيد لعملية (إعادة الاعمار) هي توقف الحرب، وريثما تتوقف الحرب يمكن عقد الندوات وإجراء الدراسات من أجل البحث عن أفضل الآليات من أجل إعمار البلد، ولا بد من بذل جهود على المستوى الدولي من أجل تأمين مبالغ من المساعدات الدولية التي تساعد على انطلاق عملية إعادة الإعمار في سنواتها الأولى (2-5 سنوات) حسب التقديرات نحن بحاجة إلى حوالي 6-10 مليارات دولار للانطلاق في العملية". 

وفيما يخص أهمية الاتفاق على إعادة الإعمار بين الدول المتنفذة ودوره في حل "الأزمة السورية"؟ يؤكد أنه لا يمكن أن تبدأ عملية إعادة إعمار أصلا إن لم يتم تصور لحل الازمة في سوريا. لا يمكن البدء بإعادة الاعمار والتدمير لم يتوقف بعد. ولا يمكن أن تتوقف عمليات التدمير؛ إن لم تتفق الدول المتنفذة. وهذا يعني أن ملف الإعمار يشكل جزءاً من ملف الازمة ككل وأحد أهم الدوافع للحل". 

من المخول بإعادة الإعمار؟

وحول مسارعة عشرات الشركات من الدول الحليفة للنظام وبعض الدول التي تصنف في حلف المعارضة للاستحواذ على هذا الملف مستقبلاً، من سيظفر به في النهاية؟ يرى (طالاس) أن "الأمر ليس مجرد الإعلان وتصنيف الجهات حسب وجهة نظر هذا الشخص أو ذاك. المسألة السورية مسألة دولية بامتياز وحل الأزمة سيكون بصيغة دولية، صيغة اتفاق دولي، وسيكون في سياقها تصورات للخطوط العريضة لدور كل جهة في عملية إعادة الاعمار. الأمر سيتوقف على درجة النفوذ السياسي والعسكري على الأرض والقدرات المالية والقدرات الفنية. وصاحب النفوذ السياسي والعسكري الأكبر والقدرات المالية والفنية الأكبر هو من سيكون له الدور الرئيسي كطرف خارجي. ومن ثم فإنه ليس الوقوف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك هو ما سيحدد الدور". 

اللامركزية في الإعمار

وحول كيفية التعاطي مع هذا الملف في حال بقاء النظام والانقسام بين المناطق الخاضعة له واخرى خاضعة لسيطرة المعارضة؟ يرى (طالاس) أنه في حالة الاتفاق على "حل الأزمةط لن تبقى صيغة مناطق نظام أو معارضة بهذا المعنى القاطع، لكن إن بقي الأمر كذلك فإنه من الضروري أن يتم إدارة عمليات إعادة الاعمار بدرجة عالية من اللامركزية. 

ويوضح أستاذ الاقتصاد مفهوم "اللامركزية" في عملية إعادة الإعمار من خلال تحقيق ثلاث غايات: الأولى هي دراسة احتياجات إعادة الإعمار من أطراف قريبة من منطقة الحاجة وتدركها بشكل جيد. والثانية، هي ضبط عملية الإنفاق والرقابة عليها عن كثب من قبل أصحاب المصلحة من أهل المنطقة. والثالثة، بمنع دخول عمليات إعادة الإعمار في سياق آليات الفساد في الإدارة الحكومية للنظام وتحويلها لوسيلة لدفع النسغ في مفاصله.  

الممولون

وبالنسبة للجهات الممولة (من سيدفع) فإن الأخير يصعب حصره في جهة معينة بحسب الخبير الاقتصادي، لكن يمكن الاستعانة بمنظمات الأمم المتحدة التنموية والمنظمات المالية الدولية والدول الغنية في العالم والمنطقة من أجل عقد مؤتمر للمانحين لتجميع مبالغ لإعادة إعمار سوريا. 

كما لا بد من بذل جهود واعية ومضاعفة من أجل اجتذاب الأموال السورية في الخارج. وباعتقادي، وليس لدي أرقام دقيقة الآن باعتبار أن الحرب والدمار لم يتوقفا ولم يتم إحصاء الدمار تماماً، أنه إن أمكن تأمين مبلغ حوالي 10 مليارات دولار تنفق خلال السنوات 2-5 الأولى، فيمكن بعدها أن تنطلق آليات الدفع والتمويل الذاتي اقتصادياً، شريطة أن يتم تنفيذ عملية إعادة إعمار بكفاءة عالية خلال تلك الفترة الأولى. 

وختم أستاذ علم الاقتصاد في جامعة ماردين التركية حديثه لأورينت نت، بنصيحة للاقتصاديين السوريين، حول تحديد التكلفة التقديرية الحقيقية بقوله: "هناك محاولات للتقدير من عدة جهات سورية ودولية، لكن لا يمكن تقدير الكلفة الحقيقية للحرب إلا بعد انتهائها، واتباع اللامركزية في مواجهة الفساد مع البدء بعملية إعادة الإعمار".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات