حسابات الربح والخسارة في قمة ترامب - كيم

حسابات الربح والخسارة في قمة ترامب - كيم
لا يمكن إنكار أهمية قمة ترامب- أون، في سياق تطور الأزمة الكورية، لأنها تمثل قمة الاتصال المباشر بين طرفي الأزمة المباشرين (واشنطن وبيونغيانغ)، ما يمثل نقلة مهمة، سيكون لها تأثيرها المباشر في عملية بناء الثقة المفتقدة، وفتح المجال أمام إمكان عقد قمم تالية في حال حدوث أزمات مستقبلاً. ولأنها أيضاً لعبت دوراً إيجابياً في نزع فتيل الأزمة. وعلى رغم أن القمة مثلت امتداداً لحال الانفتاح بين الكوريتين التي بدأت في كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨، فإنها تكتسب أهمية خاصة، بعد تحول الولايات المتحدة من وضع الحليف الخارجي لبعض أطراف الصراع (كوريا الجنوبية، واليابان)، بما تضمنه ذلك من التزامات بدعم قدراتهما الدفاعية والردعية بأدوات مختلفة، إلى وضع الطرف الأصيل والمباشر في الصراع عقب وصول القدرات النووية الكورية إلى مستوى متقدم مع نجاح التجربة النووية الهيدروجينية والاختبارات التي أجريت على الصواريخ بعيدة المدى، الأمر الذي وضع واشنطن ذاتها في مجال التهديد الكوري.

لكن مع هذه الأهمية، فإن قراءة دقيقة للوثيقة الصادرة عن القمة تشير إلى أن نقلة جوهرية لم تحدث حتى الآن. ولم ينجح طرفا الصراع في تحقيق اختراق في شأن المعضلات الأساسية، بدءاً من تحديد المقصود بنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، أو الشروط المتبادلة لتفكيك البرامج والمنشآت النووية الكورية، أو الجداول الزمنية... إلخ.

من ناحية أولى، وفي ما يتعلق بطبيعة الوثيقة الموقعة ذاتها، فإنها لم تتجاوز كونها «بياناً مشتركاً» Joint Statement، وهو مستوى من «الوثائق» لا يتمتع بصفة الحجية أو الإلزام القانوني الذي تتسم به الاتفاقات أو المعاهدات الدولية، الأمر الذي سيكون من اليسير لأي من الطرفين التنصل من هذا «البيان»، حال حدوث أية خلافات مستقبلية. وتجدر الإشارة هنا إلى ملاحظة مهمة، أن إدارة الأزمة الكورية عرفت الكثير من هذه البيانات خلال العقدين الماضيين، بدءاً من البيانات الصادرة عن القمم الكورية- الكورية أو الصادرة عن المحادثات السداسية. بل إن البيانات الثلاثة الأخيرة تضمنت التزامات أكثر وضوحاً وأكثر تفصيلاً، فضلاً عن توقيعها من جانب ممثلي ست دول، ومع ذلك فقد انهارت جميعها، وتحولت إلى حبر على ورق.

من ناحية ثانية، وفي ما يتعلق بالمضمون، يلاحظ ميل البيان إلى العمومية والعبارات الفضفاضة، على نحو يشير إلى عدم الوصول إلى تفاهمات محددة في شأن عدد من القضايا موضوع الخلاف الشديد بين الجانبين. فقد اكتفى البيان بالإشارة إلى التزام الطرفين ببناء «علاقات جديدة بما يتوافق ورغبة الشعبين في السلام والرخاء»، وهو تعبير شديد العمومية، لا يؤسس لحديث عن علاقات ديبلوماسية، أو معاهدة سلام رسمية بين الجانبين، والتي تمثل أحد المطالب الكورية الأساسية والمتكررة. وفي ما يتعلق بالقضية المركزية والمتمثلة في نزع السلاح النووي، اكتفى البيان أيضاً بتأكيد «التزام كوريا العمل على إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بالكامل». ويلاحظ هنا، أولاً، أن هذا الالتزام لم يخرج عن مضامين سلسلة الالتزامات السابقة، سواء الصادرة عن بيونغيانغ بشكل أحادي الجانب، أو الصادرة في إطار ثنائي أو في إطار جماعي. ويلاحظ، ثانياً، أن الصيغة المعلنة والمدونة في البيان المشترك تجاهلت في شكل كامل الشروط الأميركية الثلاثة المتعلقة بتفكيك البرنامج النووي الكوري (التفكيك الكامل، والنهائي، والقابل للتحقق منه). وحتى في ما يتعلق بالقضية المركزية بالنسبة لكوريا الشمالية والمتمثلة في الضمانات الأمنية، فقد نزل البيان بهذا الضمان إلى مستوى أن «الرئيس ترامب يلتزم تقديم الضمانات الأمنية لكوريا الديموقراطية»، وهو أقرب إلى «الالتزام الشخصي».

من ناحية ثالثة، يلاحظ على البيان تجاهله بعض القضايا التي أضحت مكوناً رئيساً في الأزمة الكورية، كان من الممكن تجاهلها في مراحل سابقة، لكن الأمر في المرحلة الحالية ينطوي على إشكال كبير. ينطبق ذلك على مسألة القدرات الصاروخية الكورية، والتي وصلت إلى مستوى متقدم بعد التجارب الناجحة التي أجريت على الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والتي جعلت الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الصراع مع كوريا الشمالية. صحيح أن هذه القدرات لم تكن على أجندة المفاوضات السداسية، لكن المستوى المتقدم الذي وصلت إليه يجعل منها قضية مركزية بجانب قضية نزع السلاح النووي. وتأتي أهمية هذه المسألة بالنظر إلى حساسيتها بالنسبة إلى الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة (اليابان وكوريا الجنوبية)، الأمر الذي يعمق قلقهما حول مستقبل «التهديد الكوري الشمالي»، وذلك حتى بافتراض نزع السلاح النووي، وهو قلق يمكن أن يتعمق في المرحلة المقبلة، على خلفية تصريح ترامب عقب القمة في شأن مراجعة آلية التدريبات العسكرية المشتركة مع الحلفاء في المنطقة، بدعوى الكلفة الباهظة، الأمر الذي قد يثير المخاوف لدى هؤلاء الحلفاء حول إمكان تسوية أزمة البرنامج النووي الكوري بمعزل عن بعض الأبعاد الأخرى للتهديد الكوري، أو على حساب بعض مصالح وحسابات القوى الإقليمية.

ويكتسب هذا التخوف أهمية كبيرة بالنسبة لليابان، على خلفية محاولات كوريا الشمالية إدراج الوجود العسكري الأميركي في المنطقة على أجندة المفاوضات المرتقبة، وما تضمنه البند الرابع من «بيان» ترامب- أون والذي تضمن الاتفاق على التعاون في مجال استعادة بقايا أسرى الحرب، بما في ذلك الإعادة الفورية للذين تم تحديد هوياتهم، بينما أُغفلت مشكلة المخطوفين اليابانيين لدى كوريا الشمالية، على رغم مركزية هذه القضية بالنسبة إلى اليابان.

صحيح أن طرفي الأزمة عبروا في شكل صريح عن أن هذه القمة لا تعدو كونها خطوة على طريق الوصول إلى الأهداف المشتركة، وأنها تمثل تدشيناً لعملية طويلة ومعقدة نسبياً، لكن سؤالاً مهماً يثار حول قدرة طرفي الأزمة على الصمود أمام التعقيدات الكثيرة التي تواجه إجراء «صفقة كبرى»، وقدرتهما على تجاوز الخلافات العميقة، بخاصة أنهما لم يتمكنا من تجاوز هذه الخلافات سابقاً في وقت لم يكن البرنامجان النووي والصاروخي لبيونغيانغ قد وصلا إلى هذا المستوى المتقدم. في هذه الحال يثار تساؤل أيضاً حول حجم المكاسب التي حققها الطرفان من هذه القمة في حال انهيار المفاوضات المرتقبة والعودة إلى المربع الأول. هنا يمكن الحديث عن مكاسب حقيقية لبيونغيانغ. أولها، نجاح الزعيم الكوري الشمالي»كيم جونغ أون» في انتزاع نوع من الاعتراف الدولي بوضع بلاده داخل المجتمع الدولي، من خلال الانتقال من وضع الدولة «المارقة» «المغلقة» «المعزولة» إلى وضع الدولة المؤهلة للحوار والتفاوض وربما الانفتاح على العالم، بما في ذلك الحوار والتفاوض مع القوة العظمي (الولايات المتحدة). ولا يمكن هنا إغفال أهمية التحول الجوهري الذي شهده الخطاب الأميركي بعامة، وخطاب الرئيس ترامب بخاصة، في شأن الدولة الكورية الشمالية، والاقتصاد الكوري، والزعيم الكوري نفسه. ثانيها- ويرتبط ذلك بالمكسب الأول- يتعلق بنجاح الزعيم أون في تقديم نفسه للعالم– من خلال ديبلوماسية القمم الكورية، ثم القمة الأخيرة مع الرئيس ترامب- كقيادة سياسية «طبيعية» تتصرف في شكل محسوب وبناء على حسابات المصلحة الوطنية. هذان المكسبان قد يفتحان المجال- في حال انهيار المفاوضات المرتقبة- إلى نقل الخطاب الكوري الشمالي مباشرة وفي شكل صريح إلى مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بكوريا كقوة نووية كأمر واقع، والانتقال بأجندة المفاوضات من هدف نزع السلاح النووي إلى بناء نظام للأمن الإقليمي يضمن احتواء كوريا الشمالية وعدم تصديرها أو نقلها للتكنولوجيات النووية والصاروخية. على الجانب الآخر، يصعب الحديث عن مكاسب أميركية كبيرة في حال انهيار هذه المفاوضات، باستثناء دعم المقولات الأميركية حول أهمية التشدد إزاء حالات مشروعات الانتشار النووي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات