الدولة التي لا يريدها السوريون

الدولة التي لا يريدها السوريون
أي دولة نريدها نحن السوريين؟ ربما كان هذا السؤال ليبدو غريبا قبل أيام قليلة فقط من لقاء الأستانة الشهير، لكنه سؤال تفجر فجأة بعد ذلك اللقاء،  كأننا عدنا إلى  سورية قبل الثورة وقبل الحرب ولم نعد نعاني من حمولات هائلة ركبتها الحرب فوق كواهلنا الروحية والعقلية. 

رغم ذلك فسؤال الدولة أو ماهيتها الأيديولوجية طرح قبل أستانة وبعده، سواء أكان في نقاشات شباب الثورة ومثقفيها أو في أدبيات ومسودات سياسية لمؤسسات المعارضة السياسية، كما هو بالطبع يحضر في أفكار ومداولات أحزاب وهيئات وتجمعات سياسية نشأت خلال الثورة والحرب السورية .

فما هي الدولة التي يطمح لبنائها السوريون؟

إنها دولة مدنية علمانية، فما بين هاتين الصفتين أو الهويتين "المدنية" و"العلمانية" انحصرت أجوبة معظم وثائق الأحزاب والحركات السياسية السورية المعارضة، كذلك كانت مطالبات أحزاب وحركات محايدة، أو موالية عمليا للنظام، مطابقة تماماً.

ربما كانت هوية الدولة هو الشيء الوحيد الذي تتفق عليه الحركات السياسية والأحزاب الجديدة سواء كانت معارضة أم موالية أم محايدة.

ورغم إجماع المطالبات على هوية الدولة ما بين علمانية ومدنية غير أن أحداً لم يبحث في ماهية الدولة المدنية، فهل تكون الدولة المدنية التي يريدها حزب الإخوان المسلمين السوريين مطابقة أو مشابهة للدولة المدنية التي يريدها حزب الجمهورية، وهل العلمانية التي تطالب بها حركة ضمير هي ذاتها العلمانية التي يريدها حزب الحداثة أو حركة المستقبل الكردية؟ 

لكن هذا لا يجيب على السؤال، سؤال هوية أو شكل الدولة التي يريدها السوريون، فلئن قالت الأحزاب والحركات السياسية السورية كلمتها في هذا الشأن فعموم الشعب السوري لم يقل كلمته بعد، وهو ربما كان له رأي آخر لم يسمعه أحد ولم يقله عنه أحد، فهذا الشعب مرّ في محنة لم يشهدها تاريخه المعاصر واختبر شتى صنوف العذاب والقهر، وخُدع من جهات كثيرة كان وضع آماله عليها، كما أنه اختبر خلال الحرب أنواعا من السلطات والدويلات والإمارات المحلية.

بالنتيجة تعرض المجتمع السوري إلى خضّات قوية طالت مجالات وجوده المادي والفكري. ... وهو بعد هذه الخضات لم يعد كما كان قبلها، على الأغلب، لهذا فربما كان جزء من السوريين يريدون دولة إسلامية أو دولة قومية كردية أو دولة على النمط الروسي أو الألماني أو الفرنسي ... وربما كان بعضهم يريد دولة على شاكلة الدولة التركية، أي دولة علمانية المحتوى إسلامية الشكل.

 وبعيدا عن هوية الدولة أو شكلها أو نظامها الذي يرغبون به دون سواه، فالسوريون يريدون دولة تكون لجميع السوريين، وإن لم تكن هوية الدولة التي يريدونها محددة بالضبط، فإني مع كثيرين نجزم أنهم لا يريدون دولة مستبدة ظالمة تمنع الرأي، ولا يريدون دولة بوليسية قومجية أو طائفية أو عشائرية، كما أنهم بالتأكيد لا يريدون دولة فاسدة لصوصية ناهبة، وبالطبع لا يريدون دولة متخلفة تمنع التنمية وتعرقل الإنتاج ...إلخ

فليس مهماً أن تكون الدولة السورية القادمة دولة علمانية أم مدنية، بقدر ما هو مهم أن تكون في جوهرها دولة حداثية تخدم جميع السوريين دون استثناء أو تمييز، كما تحرص على وحدة سورية وسلامة السوريين الاجتماعية والنفسية وعلى إعادة بناء المدن والقرى والبلدات المدمرة بأفضل المقاييس والمواصفات، دولة يجد فيها السوريون المستضعفون قبل الأقوياء ملجأ بضمانة القانون والعدالة. 

قد يختلف السوريون طويلا حول شكل الدولة التي يريدونها أو يريدها الغير لهم لكنهم حتما لن يختلفوا حول جوهر هذه الدولة سابق الذكر .

ولأن سورية بلد متعدد الهويات ما قبل الوطنية أو ما فوق الوطنية، فمن الأفضل ألا يكون للدولة القادمة أي هوية أيديولوجية، سواء كانت هوية مناطقية أو طائفية دينية أو سياسية، ومن المهم أن تكون تحديدا وأولا دولة بناء وعمل فقط.

 دولة حديثة تستلهم على سبيل المثال تجربة ألمانيا بعد الحرب فتقيم سورية الجديدة وتكون مثالا لشرقنا العربي الجديد، إن كان يُراد لسورية والمنطقة أن تكون منطقة يسودها السلام والنماء فتتجاوز صراعاتها وتطوي عهد الحروب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات