ماذا بعد تطويق المملكة العربية السعودية من الخاصرة اليمنية وافتعال العداء التركي؟

ماذا بعد تطويق المملكة العربية السعودية من الخاصرة اليمنية وافتعال العداء التركي؟
تعاني منطقة الشرق الأوسط منذ أربعة عقود من عملية عصف جيوبولتيكي ديمغرافي كبيرة، ترنو إلى اقتلاع الديمغرافيا العربية السنية بشكل وحشي منقطع النظير، في بيئة عربية مهلهلة من النواحي كافة، وتجلى أبرزها في عدم القدرة العربية على المحافظة على الدولة العراقية التي خرجت منتصرة في حربها ضد ولاية الفقيه لثماني سنوات، فكان الغزو الأمريكي-الشيعي الصفوي للعراق، أول إشارات هذا العصف الجيوبولتيكي الذي كان ولا يزال يسير وفق استراتيجية قضم المنطقة ديمغرافيا ببطء شديد وأحياناً بسرعة هائلة وخاصة مع بزوغ شمس الثورات العربية، فسقطت بغداد وأدخلت إليها إيران تحت رعاية سلاح التحالف الأنجلو-أمريكي (الصليبي)، ليكون العرب أمام واقع تفرضه اليد الإيرانية على المدى الطويل، في بلد استطاعت ولاية الفقيه اختراق الأقلية الشيعية فيه قبل السقوط بكثير، وتكلل "نجاحها" بخطوات معززة جرى من خلالها عزل السنة العرب عن طريق تذكية النعرات الكردية والتركمانية السنّية، وتمكين الشيعة العرب من إنشاء حكومة وكالة أمريكية تقبع في المنطقة الخضراء، ليصبح العراق محطة توليد الإرهاب والميليشيات الأقلوية المدفوعة بحمل أيديولوجي ثقيل تجاه شعوب المنطقة.

أصبح العراق محطة توليد الإرهاب والميليشيات الأقلوية المدفوعة بحمل أيديولوجي ثقيل تجاه شعوب المنطقة.

بينما كان لبنان الذي سبق التجربة العراقية يسير في ذات التجارب، وعلى ذات الطريق من عمليات التطهير الديمغرافي بحق الوجود المسلم إبان تسيّد المارونية السياسية المدعومة مطلقاً من التحالفات الغربية، بدأ الوجود المسيحي نفسه يضعف في مواجهة الخط الإسلامي السياسي، فكان لا بد من إيجاد بديل سياسي أو معاون للمارونية في تحييد السنية السياسية عن مهامها الطبيعية في قيادة لبنان... 

فكان ظهور المجاميع الشيعية بدعم سوري-إيراني-فرنسي-إسرائيلي، لذات الهدف، وهو ضرب الفصائل الفلسطينية ( التي كانت تعامَل مذهبياً على أنها فصائل سنّية)، وتخفيف الضغط عن المارونية السياسية المنهكة وإيجاد تحالف محلي لحصار السنية السياسية اللبنانية، وهذا ما تجلى حقيقة خلال العقود الماضية، وما يزال إلى الآن، كتحالف التيار الوطني مع حزب الله وغيره وحالة الاستعصاء السياسي في بلد كنا نظن أنه لا يحتمل أكثر من ذلك الخراب، فإذا به يهوي من قعر إلى آخر.. وخاصة مع جمود التدخل العربي في لبنان عند نقاط خلفية لا تمثل أي استراتيجيا.

ثم لو عرّجنا قليلا إلى الساحة السورية، لوجدنا أن هذه المعارك والحروب الوحشية كانت تجري بصمت شديد ومرونة لا يمكن أن تخفي نفسها، ليستفيق السوريون بداية الثورة عام 2011 على وجود دولي وإقليمي متنفذ في كل مفاصل الحكم والمجتمع، ومتفشّ في جميع بنية الديمغرافيا العربية السنية، ليصار خلال سنوات إلى أكبر عملية تغيير ديمغرافي في العصر الحديث إذ هُجر ما يزيد على 13 مليون مواطن سوري كلهم من العرب السنة، مع استقدام ميليشيات شيعية وكردية وأرمينية لتحل محل هذه الديمغرافيا، وظهور كانتونات أقلوية مدعومة بشكل مباشر من قوى إيرانية وروسية وأمريكية وفرنسية، في حوادث لا تزال تشكّل حالة صدمة كبيرة وانكشاف استراتيجي احتلالي مرعب كان يجري بصمت، والذي شكل طفرة ونهضة في السياسات العربية تجاه سوريا والتي ما لبثت أن هدأت أمام ضغوط إسرائيلية وغربية بلغت ذروتها مع دخول القوات الجوية الروسية أرض المعركة وظهور نظرية التسويات والمصالحات في دائرة التفكيك المنظم للتكتل العربي السني في سوريا.

خلال سنوات حدثت في سورية أكبر عملية تغيير ديمغرافي في العصر الحديث إذ هُجر ما يزيد على 13 مليون كلهم من العرب السنة، مع استقدام ميليشيات شيعية وكردية وأرمينية لتحل محل هذه الديمغرافيا، وظهور كانتونات أقلوية مدعومة بشكل مباشر من قوى إيرانية وروسية وأمريكية وفرنسية

في حين تكررت النماذج السابقة في الجمهورية اليمنية التي تمثل خاصرة استراتيجية لعموم شبه الجزيرة العربية، لتدخل المملكة العربية السعودية معركة معقدة وبشكل مباشر للتخفيف من آثار عمليات العصف الجيوبولتيكي المعلنة صراحة من كل القوى الغربية وبصحبة مشروع ولاية الفقيه القادم من قم وأصفهان..

ولا تبدو تصريحات المبعوث الأمريكي (تيم ليندركينغ) إلى اليمن مفاجئة في ندوة نظمها (المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية) أمام هذا الكم الهائل من الشواهد إذ قال: "إن بلاده تعترف بالحوثي لاعباً سياسياً شرعياً في المشهد اليمني، وإن الانخراط معهم من قبل السعودية وعُمان أمر أساسي للوصول إلى السلام".

يُفترض بالأمريكيين وحلفائهم الغربيين أنهم من داعمي الثورة السورية أو العمليات السعودية في اليمن أو حق تركيا في تأمين حدودها أو رفضها لفكرة التمدد الإيراني في العراق! وهذا الافتراض تكذّبه وقائع الحاضر وسنوات وتجارب الماضي الكثيرة!

لا شك أن المملكة العربية السعودية أصبحت مطوقة تماماً من جهة اليمن وخليج العرب والعراق وسوريا وإسرائيل، وفي حالة انكشاف استراتيجي من كل جهاتها، وأن المعركة القادمة ستكون زحفاً إلى الحرمين الشريفين، في مواجهة ميليشيات موبوءة بنظرية الولي الفقيه أو النظريات الماركسية المسعورة القادمة من جبال قنديل وسنجار وإيران، وتدعمها أو تقوّيها الأنظمة المتواطئة ضد شعوبها، وتغطّيها دول عظمى كالروس والأمريكان والفرنسيين والبريطانيين، في محاولات قضم بطيئة تصل في النهاية إلى قلب العالم الإسلامي ومحطّ أنظار ملياري مسلم، أي إلى قلب الحرمين الشريفين...

لا شك أن المملكة العربية السعودية أصبحت مطوقة تماماً من جهة اليمن وخليج العرب والعراق وسوريا وإسرائيل، وفي حالة انكشاف استراتيجي من كل جهاتها، وأن المعركة القادمة ستكون زحفاً إلى الحرمين الشريفين، في مواجهة ميليشيات موبوءة بنظرية الولي الفقيه أو النظريات الماركسية المسعورة القادمة من جبال قنديل وسنجار

 وخاصة مع تفشي لوبيات أقلوية في الإعلام الخليجي بصورة عامة والسعودي بصورة خاصة، مهمتها بشكل أو بآخر الذود عن أمن هذه الميليشيات وكيل التهم الدينية والمذهبية للعرب السنة، والطعن بسبب وبلا سبب بالجار التركي، ظناً أنهم يجارون سياسات المملكة التي تبدو متضاربة مع تركيا، في حين أن هناك خطاً استراتيجياً تعمل عليه المملكة في الآونة الأخيرة باتجاه تركيا، ، لردع هذا "العصف الجيوبولتيكي الديمغرافي" الذي يقتلع المنطقة من جذورها.. وإن كان يسير في خطا بطيئة جداً.

هذا التحالف التنظيمي الاستراتيجي بين المملكة وتركيا، هو الأمل الوحيد لإعادة ترتيب الصفوف والقوى الشعبية في مواجهة الخطر الداهم، أو هو الحتمية الواقعية التي تتشكل شيئاً فشيئاً، في ظل انهيارات غير معقولة سواء على الصعيد السعودي أو التركي.. حيث يبدو الخيط الرابط الذي يستهدف هذين البلدين الإقليميين المهمّين: الهوية المذهبية السنية.. عربية كانت أو غير ذلك!

التعليقات (7)

    محمد

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    مقال رائع... شكرا.. لازم اورينت تعمل برامح تدفع و تحرض على التفاهم التركي الخليحي و تقلل من نقد الجانب التركي

    فضل

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    احسنت هذه لب القضية ومحور الصراع يجب رمي الديمقراطيات الغربيه الطائفيه في القمامة والتحالف الاستراتيجي مع الحلفاء التاريخيين الموثوقين الثابتين في الميدان لحظة الحقيقة

    عربي سوري

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    لا داعي للتطويق كيان هذبل مهترء خارج الحضارة واكبر داعم للاستبداد في المنطقة. اذا كان بشار وابوه بسطار إسرائيلي. فالسعودية خنجر مسموم بضهر كل عربي حر. لن تحلو الغاز السياسة بلوي عنق الحقيقة وادعاء استهداف السنة. عندما تصل السذاجة السياسية لدرجة انكم تأملتم بمدد سعودي فانتم خاسرون حكما. العبرية السعودية سوف تخذلكم

    ملك السعودية عليه القرار الحاسم

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    لانهاء الامور يجب على مصر والسعودية وتركيا العمل للصغط على محور الشر والانتباه من جراثيم المخابرات الاوربية واسرائيل وخاصة بريطانيا وفرنسا راعية الارهاب

    عبد

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    لم يسلم العراق الى ايران الا بتأمر العرب عليه, ولم يسقط اليمن الا من جراء السياسة السعودية الرعناء اللتي كانت بالاساس قائمة على التعاون مع عبدالله صالح الحوثي ضد الجماعات الاسلامية السنية فانقلب السحر على الساحر اما بخصوص لبنان وسوريا اين كانت الرؤية الاستراتيجية للسعودية وهي ترى ايران تسلح وتدرب ملييشيات وتنشىء كيانات عسكرية واقتصادية بينما هم يسرحون ويمرحون بخمارات لبنان وسوريا وبين احضان نسائه.

    محمد

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    رأي رائع افضل ما قرأته اليوم شكرا للكاتب و شكرا لقناة اورينت الغالية ⚘

    حازم بعيج

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    شكرا لتفاعلكم.. ومروركم الكريم في صحيفة أورينت.. ومقالاتي. ????????
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات