الأعراف ونصوص المذهب الدرزي: هل تبقى مغلقة؟!

كثيراً ما كنت أتردد في مقاربة هذا الموضوع، والأمر متعلق تماماً بحساسية عامة كون الدين والمذهب ضمن دوائر (التابو)، وخاصة كون مذهب التوحيد الدرزي مذهب أغلق عليه، واستغلق على البحث والاطلاع المنهجيين. ومن الندرة أن نجد من خاض هذا الغمار للأسباب المذكورة سابقاً. 

ولكن، لما فتحت الثورة كل الأبواب المغلقة، وللتو بدأت كشف الخبايا والمستور، وهذا مسار طبيعي وأساسي، إذ إن الثورات قد تبدو للناظر السطحي صراع سلطة وسياسة، إلا أن الأمر في الحقيقة هو عملية نبش وتغيير واستنهاض، وفي هذا الحال يكون فتح المغلق وكشف المخبوء عملاً ثورياً يتطلب الجرأة النوعية، وهنا أتذكر أن أول مبادرة دعيت لها، وكانت متعلقة بحملات من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية، وذلك بهدف يروم تغيير الواقع القاهر الذي تتحمل المرأة ثقله بدءاً من زواج القاصرات، وصولاً إلى الزواج المغاير، وليس انتهاء بقضايا الطلاق، وجرائم الشرف.

في الحقيقة، ومنذ البداية انتبهت إلى ضرورة النظر إلى وضع المرأة في سورية، آخذين بعين الاعتبار الوضع الجغرافي وعادات البيئة والدين والمذهب، وأن العلاقة بين الدين والعادة والتقليد قد تكون في بيئة معينة كبيرة، وفي أخرى، تبدو علاقة ضعيفة.

وقبل أن أخوض في مسألة العلاقة بين مذهب التوحيد الدرزي والعادة والتقليد، أشير إلى أن الأمر خليق بمباحث يختص بها علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلوم أخرى مجاورة، حتى يبلغ أمر هذه العلاقة المركبة حقها من البحث.

وفي عودة إلى العلاقة بين العرف والتقليد والمذهب في جبل العرب، لابد أن أنوه بدايةً أن جرائم الشرف إحصائياً ليست مرتفعة في الطائفة الدرزية، لكن بسبب كون الطائفة الدرزية قليلة العدد أصلاً، يظهر هذا الأمر واضحاً، وهذا بحد ذاته موضوع بحاجة لأن يتناول بكثير من الدقة والرصانة المنهجية. ولما حاولت اكتناه وضع المرأة في رسائل الداعية (حمزة بن علي)، وجدت أنه يدعو إلى مساواتها تماماً بالرجل، فيما يخص الوراثة والتعامل، ويجيز الطلاق بحال الشقاق واستحالة التعايش. 

ثم نتابع لنجد الأمير السيد يؤيد قضية المساواة في الميراث، وعدم تعدد الزوجات، ولم أجد نصاً واحداً ًيشير إلى قتل على بينة الزنا أو الزواج المغاير.

والمفارقة هنا، أن العرف والتقليد ، قد لا يتقيد مطلقاً بالنص المذهبي، ويذهب بعيداً في الشطط، حيث نجد في بعض المناطق الريفية البعيدة، جرائم قتل متعلقة بزواج من طائفة أخرى، أو جرائم قتل على شبهات متعلقة بعلاقات جنسية، وقد يكون وضع المرأة بالعموم مشابهاً لوضعها في باقي المناطق السورية من حيث تفضيل الذكور. 

ومن فترة غير بعيدة، بدأت المرأة ترث، وقد كان مجتمع الدروز لا يورثها أبداً لأن الميراث عرفياً هو فقط للأصول والعصب، بينما زوج الابنة أو الأخت هو غريب. 

وهنا أريد التأكيد أن قضية توريث الأنثى، ما زالت إشكالية حتى تاريخ تحرير مقالي. وتبدو أرقام النساء اللواتي ورثن متواضعة جداً. وما زالت المرأة الدرزية، وخاصة في مناطق الريف، لا تعي حقها في هذا الموضوع. 

ومن المهم الإشارة الى أن شؤون الزواج والطلاق تتم ضمن المذهبية الخاصة بالدروز، وهنا أريد القول إن المذهبية الدرزية إجراء قضائي متفرد فقط بالطائفة الدرزية من بين الطوائف الإسلامية، ومن وجهة نظري أرى أن ضعف تأثير النص المذهبي على المسلك، يعود إلى كون العقيدة كممارسة وطقس هي خيار ولذلك يقسم المجتمع الدرزي إلى طبقة العقّال بتشديد القاف وطبقة الجهّال أيضاً بتشديد الهاء، ولقد أتاح ذلك أن تتمكن الأعراف والتقاليد المتأثرة بالجوار الجغرافي القريب والبعيد، أن تكون أقوى من التعاليم والنصوص المذهبية، ولعب هذا الأمر في كثير من الأحيان ذات حدين، فمن ناحية كان الموحدون أكثر قابلية لتقبل التغيير نسبياً، أكثر من باقي الطوائف، فنجد ارتفاعاً نسبياً أيضاً، في عدد النساء المقبلات على التعلم، وتحول بعض الأعراف إلى كياسة اجتماعية في المدينة. 

ولكن، ما زال أداء المرأة متواضعاً في الحياة العامة، لأنها ضمن طوق العيب الاجتماعي، الذي كان يفرض عليها المكوث في المنزل أو الالتزام بالعمل التقليدي، فهو أدعى للاستقرار تماهياً مع دور النساء التاريخي. 

وأخيراً، أشدد على تقدمية النص المذهبي غالب الأحيان، وعلى أن العرف في المذهب الدرزي هو العقدة الكأداء غالب الأحيان.