مفهوم التوحش وأركان النظرية
يقوم مفهوم التوحش على معايير رئيسة (الغذاء – المشرب – المسكن - الدواء – القتل) فلوأد الثورات واستعباد الشعوب أنت بحاجة إلى إحكام التوجه الاستراتيجي وفق المعايير الخمسة، ما لا يمكنك منه القتل، يمكنك منه التجويع والحصار، وما لا يمكنك منه التجويع والحصار، يمكنك منه سلاح الحصار الدوائي أمام بشاعة المشهد الإنساني في مناطق النزاع، وهي بالتالي عملية إخضاع وإذلال مدبرة، تقوم فيها الأدوات الناعمة أو غير الحربية مقام السلاح والآلة في السيطرة والإحكام، بينما يقوم مفهوم إدارة التوحش على سياسة استثمار توحش الخصوم والأعداء في سبيل مواجهتهم للوصول إلى غاية سياسية واجتماعية معينة، فعلى سبيل المثال تستثمر الحركات الإسلامية المجاهدة، جرائم خصومها في دول النزاع، لإظهار دعوتها ومشروعها السياسي بعيدا عن المصالح العامة للشعوب، فتدير توحش أعداء الشعوب في: تعبئة الشعوب المقهورة ضمن نطاق الحركة السياسي والعقدي، وفي تنميط الرد المماثل على تلك الجرائم المرتكبة من خلال التنكيل بالجيوش والميليشيات التي تحتل مناطقها، ما يعني تخلق مشروع سياسي يذوب الجماهير في بوتقة الحركة، ويشكل بنيانا اجتماعيا منيعا قائما على استثمار الفوضى التي أحدثها توحش الأعداء، وهذا بصورة خاصة يوجع محاور القتل والإجرام الممتدة من قم وطهران إلى موسكو وواشنطن وتل أبيب، لأن المحاور المذكورة لا تستطيع أن تتقدم على الشعوب وتثخن فيها، إلا بالفراغ السياسي والعقدي والاجتماعي وهذه رديف الفوضى الخلاقة.
إن إيران الأقلية الشيعية لا يمكنها ابتلاع المناطق المسلمة إذا كان السنة متخلقين بمشروع عقدي سياسي! وإسرائيل الأقلية اليهودية لا يمكنها ابتلاع مناطق الحزام العربي إذا كانت شعوب الحزام متدرعة بالثورات التي تقصي الأنظمة المتواطئة معها لعقود، ومثلهما كل قوى تحالف الأقليات في المنطقة.
الحرب في سورية: جولة من الوحشية المرتقبة!
بكثير من الاطمئنان نقول إن الحرب على السوريين لم تنته، وإن أخذت منذ عامين توحي بتعب مشهد القتل بالآلة والسلاح، وكأن القتل في مفهوم الأكاديميات والأكاديميين بسلاح البراميل فقط! بعيدا عن أبرز أدوات القتل المعاصر، في حلقة جديدة رديئة من التحايل على الضحية والإثخان فيها. أخفق التحالف الصليبي وتحالف الأقليات الذي يتزعمه كهنة "قم" في الوصول إلى تعديلات مرجوة في الديمغرافيا السورية، فإحصاءاتنا تؤكد أن البدائل الديمغرافية الأقلوية في سورية تشهد انكسارا وهبوطا كبيرا في التعداد، ولكن ليس بسلاح البراميل والقتل الطائفي الذي يكيلونه للأكثرية المسلمة في هذه البلاد، وإنما بفعل عوامل كثيرة أبرزها: الهجرة، وندرة الخدمات في مناطق حليفهم النظام، وانخراط أبنائهم في الميليشيات الطائفية لقتال الثوار المسلمين السوريين، فالمسيحيون المقيمون بجميع طوائفهم تقلصوا من 5% إلى 1,2%، والدروز تقلصوا من 2% إلى 1,2%، والإسماعيليون والنصيريون ومعهم القلة الإثنا عشرية الشيعية تقلصوا من 9% إلى 5%، ما يعني أن نسبة المئوية للتقلص تزيد عن 50% من مجموع تعداد الأقليات في سورية، أي أن الأكثرية المسلمة في سورية ما زالت تشكل ما يزيد عن 83% من نسبة المقيمين في سورية، الأمر الذي لا تخفيه طموحات القوى والمجتمع الدولي من الرغبة الجامحة بعدم الإيمان بهذه النتائج الذي اجتمع كل قتلة الأرض ومجرميها لأجل أن يرسموا مشاهد الإبادة الجماعية ضد السوريين وثورتهم، فكان لهم أن استنسخوا تاريخ أجدادهم الحشاشين، وأثخنوا بالشعوب وحريتها وكرامتها ولم يراعوا حرمة بشري كما سلفهم، وهذه الأرقام تمثل انقلاب السحر على الساحر، فلماذا يؤخرون الحل السياسي في سورية إذا كانت الحرب انتهت؟!.
معركة كسر عظم موازية
تشتد منذ سنوات حملات حصار وتضييق مدبرة ضد السوريين في الداخل والخارج، وليس اللاجئون المهددون بالتسليم إلى فرق الحشاشين والقتلة في سورية بمعزل عن الخطر، فقضايا اللجوء والمخاطر أصبحت واضحة لدرجة كبيرة، وحدها المقاومة تفي بغرض حماية النفس لأن المجتمع الدولي لا يعبأ بتلك الأرواح المشردة، في حين لو راجعنا المشهد في السوري الداخلي في الشهور القليلة الماضية لوجدنا ظهور حرب موازية لآلة البراميل، حرب لا تخفي نفسها، ظهرت مثلا في قصف الاحتلال الروسي لمحطات رئيسة لضخ المياه في مدينة إدلب، وقصف حراقات تكرير المشتقات النفطية المتكرر في أرياف حلب، ناهيك من استهداف مخازن القمح والشعير التي تغذي الملايين في المنطقة نفسها، إذ يعيش المواطنون السوريون في الداخل ظرفا إنسانيا صعبا ومتشعبا، وخاصة مع وجود حوالي 90% من مواطني سورية تحت خط الفقر، وتوزع النفوذ العسكري المختلف على الأراضي السورية، ما يجعل حياة المدنيين أكثر عرضة لخطر المجاعة القاتلة بفعل نقص الموارد، أو التجويع لصعوبة فصل الإنساني عن السياسي في القضية السورية!
لقد نجحت روسيا مؤخرا بتمرير القرار الأممي 2585 والذي يسعى لإغلاق المعابر الإنسانية مع تركيا إلى مناطق شمال غربي سورية، وجعلها من دمشق إلى الشمال، وبالتالي سلاح آخر يضاف إلى سلسلة الأسلحة التي يمد بها المجتمع الدولي فرق القتل الطائفي الدموية في حربها على المدنيين خارج سيطرتها في الشمال السوري، وتعريض المساعدات الإنسانية للسرقة والتدوير في الحرب التي يشنها النظام بمعية قوى الإقليم الإرهابية، في حين يوجد في الداخل السوري ومجتمعات اللجوء ما يزيد عن 3,09 مليون شخص من ذوي الإعاقة وبحاجة ماسة إلى تدخل إنساني عادل، كما يوجد ما يقارب العدد السابق من ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن مئات آلاف الضحايا والمعتقلين في أقبية النظام وحلفائه الغنية عن التعريف، في مشهد يبين سمة وخصال الوحوش الجدد المتخصصين بسفك الدماء، وبأنهم ملل واحدة حرفتها صناعة الموت.
تحالف القرامطة الأكبر
يدرك الصغير قبل الكبير من أبناء الأقليات أنهم كانوا وقود معركة طائفية ما لها مسوغ في سورية، فالأكثرية المسلمة ما كان في تاريخها أن استأصلت أقلية ما، وهذا لا ينفي مقدرة الأكثرية على ذلك، ووجود الأقلية نفسه في أيامنا المعاصرة يثبت ذلك، فما الذي يدفع قرامطة القلم والسلاح للتوحد ضد مجتمع ثار على جلاديه وجلادي الأقليات؟
بلا شك تؤدي الخرافات الدينية والجهل والفقر دورها في تعبئة هذه الوحوش، تعبئتها إلى حتفها وهلاكها في النهاية، فحتمية التاريخ والعلاقات الاجتماعية لا تنفع معها إجابة "هكذا وجدنا آباءنا وساداتنا وكبراءنا.. ونحن لهم مقلدون"، هذه الانتفاخات والتورمات والفجور القرمطي المغولي لها نهايات مشتركة، نهايات وزعماء لا يعبؤون بصيحات وآلام الجوعى والمحرومين والفقراء من أبناء وبنات الأقليات، والأمثل والأصح هو القفز من السفينة التي استوطنها الجهل والجهلة والقتلة المأجورون، وفي هذا كلام بليغ لشيخ من شيوخ الأزهر الدكتور الفيلسوف الراحل (محمد عبد الله دراز) يقول فيه: "إذا كان الظالمون بعضهم أولياء بعض.. لماذا لا يكون المظلومون بعضهم أولياء بعض؟".
التعليقات (6)