الحرب في أوكرانيا.. تزيد تعقيد الحل السياسي في سوريا

الحرب في أوكرانيا.. تزيد تعقيد الحل السياسي في سوريا

لم يكن الحل السياسي في سورياً قريباً البتة في أي مرحلة من مراحل الصراع في هذا البلد، فبنية النظام السوري المغرقة في الاستبداد، لم تكن تسمح بانفتاح أفق للحل، لأنه يطيح باستبدادها، كذلك، فإن موقف داعمي النظام (الروس والإيرانيون)، ليس في وارد القبول بتمرير تنفيذ القرار 2254، لأنهما سيخسران استثمارها في حرب النظام الأسدي على الشعب السوري.

 

ولهذا، ونتيجة لغياب ميزان قوى ضاغط على الطرف المعادي للثورة السورية، ذهب مبعوث الأمم المتحدة "ديمستورا" لتجزئة القرار الدولي المذكور إلى سلال، ليتمّ بعد ذلك إهمال ثلاث سلال من القر ار، والشغل على السلّة الرابعة (الدستورية) دون أي نتيجة أو تقدّم.

 

السلة المشغول عليها "الدستورية" هي الأخرى ذهبت إلى مسار التجزئة، فمبادرة بدرسون المبعوث الأممي الذي خلف ديمستورا، المسماة خطوة مقابل خطوة، إنما هي مبادرة تكشف عن فشل المنظمة الدولية في احترام قراراتها والالتزام بتنفيذها، وهذا يعني تجزئة العمل على السلة الدستورية، لإبطال فعالية القرار 2254 في هذا الجانب.


وخشيةً من فشله الصريح، قال بدرسون تعقيباً على الحرب الروسية على أوكرانيا: "وضعي كمبعوث خاص إلى سوريا، يدفعني للقول، إنني أشعر بالقلق، من أن يكون للصراع على أوكرانيا تأثيرٌ سلبي على حلّ الصراع السوري".


خشية بدرسون من عدم قدرته على تنفيذه لمبادرته (خطوة مقابل خطوة)، والتي يدّعي أنها حصلت على توافق أمريكي روسي، دفعته إلى القلق كما يقول، هذا القلق مصدره انفراط عقد التوافق الأمريكي الروسي حول سوريا، وانتقاله إلى حالة نزاع حول أوكرانيا بسبب الحرب الروسية على هذا البلد الآمن.


إن التوافقات الروسية الأمريكية حول ملف الصراع السوري يمكن أن نقول إنها بالأساس كانت مجرد توافقات هشّة، الغاية منها استمالة الروس لإضعاف الدور الإيراني في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط، وذلك لإجبار الإيرانيين على الانخراط بتسوية سياسية لملفيهما النووي والبالستي.


هذه التوافقات، يمكن القول عنها إنها انتهت مبدئياً، وصارت رهن توافقات أوسع وأشمل بين الطرفين، أي إن التفاهمات على الملف السوري بين الولايات المتحدة وحلفها الغربي من جهة وبين روسيا وحلفها النظام الأسدي والإيراني من جهة أخرى، صارت جزءاً من تفاهمات معقدة وكثيرة، منها الحرب في أوكرانيا ومسألة الطاقة وأمن واستقرار أوربا.


وفق هذه الحقائق، يمكننا القول إن الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون قيد احتمالاتٍ لسيناريوهات مختلفة، منها اتساع دائرة الحرب الأوكرانية، لتشمل دولاً أخرى في أوربا وربما خارج أوربا، ومنها سيناريو تفاوض غربي روسي حول سلة الخلافات بين الطرفين، ومنها سلة الصراع في سوريا، وسيناريو حلّه، فلا أحد يعرف متى وكيف تنتهي الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، ومتى وكيف يبدأ الحل السياسي للقضية السورية.


إن انتظار التوافقات الروسية الأمريكية، بما يخصّ تنفيذ القرار 2254، صار أمراً بعيد المنال، فلا يمكن للروس والأمريكيين أن يتوافقا في سوريا ويتناحرا في أوكرانيا، وهذه الرؤية تدفع إلى اعتبار أن جوهر الصراعات بين الطرفين لا تتعلق بهاتين القضيتين فحسب، بل هي تتعلق باستراتيجية الولايات المتحدة حيال روسيا أو الصين أو غيرهما، باعتبارها القطب الدولي الأكبر والأقوى.

 

إن ازدياد حدّة الصراع بين الأمريكيين والروس في أوكرانيا، قد يدفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة إنتاج استراتيجيتها في سوريا وليبيا وغيرها من ساحات، وهذا يعني احتمال توسع دائرة الصراع بينهما، ما ينعكس على سيناريوهات الحلول السياسية في البؤر المشتعلة أو القابلة للاشتعال المختلفة.

 

الحرب الروسية على أوكرانيا أجّلت من اهتمام موسكو بالحل السياسي في سوريا، لا سيما وأن الروس لم يكونوا جادين البتة بتنفيذ قرار دولي وقعوا عليه، فهم يوقّعون على القرارات الدولية ثم يلحسونها بأكثر من وسيلة وطريقة وأسلوب.

 

الروس يعتمدون على بروبوغاندا إعلامية صارت مكشوفةً للداني والقاصي، هذه البروبوغندا تعتمد على قاعدة التضليل والنفاق وتزوير الحقائق، وهو ما فعلوه بحق الثورة السورية ضد الاستبداد الأسدي، فهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة هذه الثورة وأهدافها، لأنها تتناقض مع بنية نظامهم السياسي ومع أهدافهم بالتوسع خارج الرقعة الجغرافية الروسية، في محاولة لاستعادة حلم الإمبراطورية السوفيتية الشمولية البائدة.

 

هذه البروبوغندا، يمارسها نظام بوتين في أوكرانيا، فهو يكذب، ليشنّ حرباً وقائية ضد أوكرانيا، لاعتقاده بأن الأوكرانيين يسمحون للغرب بتهديد وجود نظامه السياسي، دون أن يفكّر لحظة واحدة أن التهديد الحقيقي ناتج من بنية وتكوين نظامه السياسي، القائم على البلطجة الدولية، والتدخل بشؤون الشعوب الأخرى كتدخله في الصراع السوري، وانحيازه لنظام الاستبداد الأسدي.

 

إذاً نحن أمام تعقيدات إضافية أمام الحل السياسي للصراع في سوريا، هذه التعقيدات مصدرها الحرب الروسية على أوكرانيا، وهذا يتطلب من مؤسسات قوى المعارضة إعادة إنتاج رؤاها ومواقفها من الصراع وطبيعته، والقوى المؤثرة فيه، ودورها هي في تغيير اتجاهاته، بما يخدم الانتقال السياسي في البلاد.


إعادة انتاج رؤىً جديدة يتطلب وضع استراتيجية عمل ثورية تستفيد من الانشغال الروسي في أوكرانيا، وتستفيد من ضرورة فرض واقع جديد على الأرض، يجبر القوى الغربية على دعم قوى الثورة لإضعاف الدور الروسي في سوريا، وسحق الوجود الإيراني المهدد للشعب السوري وثقافته وفكره وطريقة حياته.

 

إعادة إنتاج رؤى جديدة تتطلب من مؤسسة الائتلاف ومن هيئة التنسيق الوطنية، ومن قوى وأحزاب المعارضة الداخلية وفي الخارج، الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني شامل، ليكون للمعارضة مرجعيتها الشعبية وهو المؤتمر الوطني السوري الجامع.

إن الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ستنعكس بالضرورة على الصراع في سوريا، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، من حيث تطوير القدرات الذاتية للثورة ومناطقها المحررة، ومن التحضيرات العسكرية والسياسية وبدعم وتفاهم مع القوى الإقليمية والدولية المؤيدة لتنفيذ القرار 2254.


 

فهل ستستطيع المعارضة بمؤسساتها أن تقفز من مركبها القديم، الذي يعتمد في قوة دفعه وعمله على المجتمع الدولي، إلى مركبها الجديد الذي يعتمد على قوة دفع فعاليات العمل الثوري والشعبي السوري؟ 


 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات