متى يتخلّص السوريون من لعب دور الضحية؟

متى يتخلّص السوريون من لعب دور الضحية؟

لا شكّ أن وضع المواطن السوري بات يتعلّق بشكل مباشر أو غير مباشر بكل ما يحصل في أي مكان بالعالم، كيف لا وسوريا أصلاً تشهد حرباً عالمية مصغرة ضد شعبها منذ سنوات، في ظل وجود خمسة جيوش نظامية (إذا صح أن نطلق على ميليشيات التعفيش الأسدية تجاوزاً اسم جيش).

 

قبل أسابيع ظل عشرات الملايين يتابعون لحظة بلحظة محنة الطفل المغربي ريّان، وحينها انقسم السوريون إلى جزء متعاطف مع الحدث، وجزء محتجّ على ازدواجية المعايير لدى الإعلام والسوشيال ميديا العربية، التي صبّت كل اهتمامها بقصة الطفل ريان، فيما تتجاهل منذ سنوات مآسي آلاف الأطفال السوريين العالقين بين القصف واللجوء والإعاقة والمخيمات، وكتبتُ حينها مقالاً موسعاً ناقشت فيه -بعيداً عن العاطفة- أسباب تراجع الاهتمام العربي بالمحرقة السورية المتواصلة منذ أحد عشر عاماً.

 

اليوم ثمة حدث يستأثر باهتمام الدنيا، حدث يقول المحللون والراجمون بالغيب إنه سيغيّر شكل النظام العالمي أجمع، إما بانتزاع الدب الروسي مراكز قوة جديدة تنسف واقع "القُطب الواحد"، أو بسقوط مدوٍّ لبوتين الذي بات -حرفياً- مجرد بلطجي يحمل أسلحته من الشيشان إلى جورجيا ثم شبه جزيرة القرم فسوريا.. فأوكرانيا.  

 

الجميع يراقب، ويتربّص، ويحلّل، وبعضهم يتوسّط، والآخر عينُه على اقتصاده المهدَّد بآثار غزو روسيا لأوكرانيا، والناس تتحدث عن حرب نووية لا تُبقي ولا تَذَر.. نحن السوريين على كل حال لنا دائماً وجهة نظر خاصة في أي حدث، بناء على مأساتنا التي غيّرت نظرتنا تُجاه كل شيء.

 

منذ أيام الغزو الروسي الأولى، لاحظنا الاهتمام العالمي بما يجري في أوكرانيا، التعاطف مع المدنيين، والدعم النسبيّ لحكومة كييف، والعقوبات المغلّظة ضد موسكو، فبدأنا نقارن – على سجيّة المنكوب- بين التعاطي العالمي إزاء حرب روسيا وغلامها الجزّار ضدنا، والتعاطي العالمي مع المشهد الأوكراني.

 

المقارنات جرت على كل شيء، مع الحديث عن عنصرية الغرب الوقحة وازدواجيته الفجّة، وسياسة "العين الواحدة" التي طبعت تفاعله مع الملف السوري منذ 2011.


من نافلة القول أن كل ذلك تصرف طبيعي من شعب فقد أكثر من مليون إنسان، وتهجّر منه نحو 7 ملايين، مع مئات آلاف المعتقلين والمفقودين والمعاقين، بالإضافة إلى بلاد دمّرتها بشكل ممنهج آلة الحرب العمياء الأسدية الروسية الإيرانية، لكن لا بدّ بعد ذلك من سؤالين صغيرين: 


الأول: هل حقاً هناك من لا يزال "يتفاجأ" من ازدواجية الغرب و"عينه الواحدة"؟ 


من أغرب تعليقات المدوّنين والمغرّدين والناشطين السوريين أنهم انبرَوا "يفضحون" تلك الازدواجية بين سوريا وأوكرانيا.. وهل المفضوح يُفضَح يا بني قومي؟.. هم أنفسهم صرّحوا منذ البداية -وبالفم الملآن- بأن ما يجري في سوريا "حرب أهلية"، ثم قالها كبيرهم ترامب يوماً ما أيضاً بالفم الملآن: ماذا نفعل في سوريا؟.. لا نتحدث هناك عن ثروة طائلة، نحن نتحدث عن الرمال والموت.. الغرب يقولها بلا خجل: نحن أصحاب مصالح، عنصريون، نريد لاجئين بعيون زرقاء وشعر أشقر، لاجئين مسيحيين أصحاب تاريخ مأمون الجانب، لا نريد مسلمين أصحاب تاريخ مشبوه.. الخ. هم يقولونها تصريحاً وتلميحاً وتوضيحاً منذ عقود، بينما نحن منشغلون بفضح المفضوح وتعرية المفتخِر بعُريّه!.

 

أما السؤال الثاني وفيه مربط فرس الحديث.. إلى متى سنبقى مأسورين في دور المظلومية؟


منذ أحد عشر عاماً لم نترك مشهد قصف وتعذيب ودم وأشلاء وتهجير وخيام إلا وصدمنا به وجدان العالم المريض، وصفعنا به ضميره السكران.. ماذا كانت النتيجة؟ صاحب الشهامة منهم هو الذي تعاطف معنا في أول عامين من الثورة، ثم ما لبث أن صرنا بنظره شعباً أحمق يقتل نفسه ويدمّر بلده بلا طائل.

 

روسيا نفسها التي اكتشف الغرب "مؤخّراً" أنها كيان يمارس إرهاب الدولة على أوكرانيا، استضافت في 2018 كأس العالم، العالم الذي ذهب يمتدح تنظيم بوتين للمونديال ويشاهد المباريات ويصفق للاعبين، بينما كانت الغزاة الروس يفتخرون بأنهم "جرّبوا" أسلحة فتاكة جديدة على الشعب السوري أعادت بلادهم وأهلها إلى القرون الوسطى بكل معنى الكلمة.

 

ماذا أفادنا دور المظلوم والضحية؟ الجواب ببساطة: لم يغيّر من الأمر شيئاً، وصرنا مجرد شعب يستدعي أحياناً الشفقة، وأحياناً الاحتقار من القريب والبعيد، عوامّنا مهجّرون أو غرباء في وطنهم أو جائعون أو منبوذون في مخيمات العار، وخواصّنا بعضهم بيادق مأجورة رخيصة، والبعض الآخر المُخلِص محيَّد تماماً بلا حول ولا قوة.  

 

هذا العالم يمكن أن يتعاطف قليلاً مع الضحية، يمكن أن يقدّم لها مساعدات، ويمكن أن يشحذ عليها المساعدات أيضاً، يمكن أن يستخدمها ورقة مساومة لكسب ملفات تخصّه، يمكن أن يسمح بجمع التبرعات لها (بشروط وقيود طبعاً)، لكنه أبداً لن ينتصر للضحية، ولا سيما إذا أحبّت هذا الدور وبات الشيءَ الوحيدَ الذي تتقنُه.. فيا ليت شعري.. متى نتخلص من دور الضحية؟؟؟!.       
   
 
 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات