حزب البعث.. شعارات هادرة.. وحروب خاسرة.. ووهم اخترع التاريخ

حزب البعث.. شعارات هادرة.. وحروب خاسرة.. ووهم اخترع التاريخ

إنه عصر المراجعات الكبرى.. لكن حزب البعث العربي الاشتراكي ليس في نيته ذلك، إذ طالما اعتبر فكره فوق أي نقد ومراجعة، وأن نصوصه قد تكون مقدسة أكثر من رسائل السماء، وأنه اخترع تاريخاً، وتوهم فكراً،  وأولم لسلطة تبدأ من دمشق وتعبر فوق مفازات الجغرافية والخصوصيات الاجتماعية والثقافية، وتطوي أركولوجيا الذاكرة العميقة المتنوعة والملونة بكل حقب الزمان وكل تحولات المكان كي تحقق الوحدة العربية الشاملة.  


لكن  خليطه السحري الذي استغرق بعض الوقت حتى تم توليفه على هذا النحو، كان لا يصلح حتى لضمان أدنى حدود المواجهة مع العدو المحوري، كما أسماه، ولا حتى يستطيع أن يقارب أي اتفاق تجاري أو مروري أو استيراد وتصدير، بينما كان يتناول موضوع الوحدة العربية وتلازمها مع الاشتراكية، وكأن الأمر هو تنزيل محكم ولا ينقصه سوى بعض  نشاط حزبي حتى يتم ويتحقق.

تهويمات وجدت ضالتها في العسكر. 

كانت النظرية بائسة إلى حد التناول السردي للتراث العربي وقيم النهضة، وكان لابد من جهة ما تقع على عاتقها مسؤولية المضي قدماً في تهويمات البعث، لم يطل البحث طويلاً، كان العسكر يريد أن يغير البزة العسكرية لتظهر طقساً وتعبيراً ووسيلة عن حقبة تحرر ونظرية قومية خاصة، وسرعان ما أخذ فكر البعث يجتاح المؤسسة العسكرية كما النار في الهشيم، وأدرك العسكر المولع بالسلطة أن البعث هو ضالة ومرتقى وراحلة وتبرير ومسوغ.. ما دام الأمر لا يتعدى احتضان بعض الآباء المؤسسين مع شعاراتهم ثم طيهم تحت الجناح العسكري هم وتهويماتهم  


نظرية البعث وقيادته تلخص العلاقة المأزومة بين  العسكر وبين مفاهيم الحداثة والمنظومات القيمية، إذ لم تحمل التجربة المريرة إلا القليل القليل من الثقة، والكثير من تراكمات الشك بالمصداقية والجدوى. 
حزب البعث كان حصاداً مرّاً وتجربة افتقرت إلى كل ما يمكن أن يوصف بالوطني أو القومي والديمقراطي والعلماني. 


لم يستطع نظرياً تعريف المواطنة ولا تعميمها كانتماء أولي، بديهيات الأحزاب وأبجدياتها المعاصرة كانت غائبة، الأمر الذي أدى إلى قطيعة أبدية بين الفكر البعثي والجماهير.

الوصاية المستبدة وإغلاق المنافذ.

لقد غيّب الفكر والممارسة البعثيَّين مفهوم الأمة، فالممارسة تحولت إلى وصاية مستبدّة عزلت الشعب وأغلقت عليه منافذ أي تطور، فالعالم يمضي متأثراً بالعولمة، بينما تجتهد أجهزة الأمن لتحرس جبروت النظام وتتفنن في قهر الشعب بأدق التفاصيل، ولو حاولت ذكرها لاحتاج الأمر إلى أيام من التدوين. 


هزيمة البعث النكراء في حروبه الخاسرة. وفي القيادة جعلت سوريا مصابة بالهزيمة حتى نقي العظام، وغابت تماماً عمليات النقد والتطوير بل أصبحت من المحرمات والجرائم، وغابت المؤتمرات الهزلية التي كانت تُعقد تحت مسمى المؤتمرات القطرية بحجج الظروف والمعطيات التي تستدعي انعقادها. وكان الحزب البعثي يرى أن الرؤية الحكيمة للقيادة استطاعت أن تعدم الظروف، فهي ملهمة وترى ما لم تره الجماهير،  وأصبحت مالكة للتاريخ والوجدان والضمير والإعلام والمؤسسات الهزلية التي كانت تُدار كما  تريد القيادة. أما الشعب فهو قطيع، قابل للذبح والبيع والشراء. 


أفقر البعث الشعب إلى حد قبل أن احتُلت سوريا مراراً، أرقام متدنية جداً في الدخول والتنمية وهذا قبل اندلاع شرارة الثورة كي لا ننسى.

مسخ مشوّه عن شموليات يمينية ويسارية.

هذا هو البعث، يستطيع أن يخرج الملايين لتسبيح آيات الله العظمى ولمباركة حرب بوتين على أوكرانيا، ويمكن أن ينتصر البعث متخيلاً ويجعل الشعب المرتعد خوفاً يرقص في الساحات ويهرج، ويمكن أن يصطفّ بعشرات الآلاف أمام طوابير الخبز والرز والسكر كل ثلاثة أشهر أو يزيد ببطاقة الدعم، ويمكن أن يؤلف العصابات وأن يقيم مصانع الكبتاغون وأن يدعشن من يشاء ويشيطن من يشاء.


كيف لا وقد تحوّل حزب قومي لملم سرديته من بقايا التراث القومي الأوروبي، واعتمد خلطة شمولية هي مسخ مشوّه عن شموليات العقائد اليمينية واليسارية معاً.


إن البعث دخل مهزوماً أساساً وخاسراً في صراع عالمي، له شروط صعبة جداً في إثبات الجدارة والأهلية، ويصر اليوم على أن يلعب المشاهد الأخيرة بفريق هزيل وترسانة احتياط أكثر هزالة.  يثبت يوماً بعد يوم أنه لا يعترف بالخسارة الأفدح، 
وأنه كحزب ليس سوى تجمع غير متجانس، وأن الشعب غادره إلى الأبد وهو مصر أن يلعب أدواراً يعتقد رغم الخراب الأكبر في التاريخ أنها ملحوقة. 


وأما الوطن فقد هُتك من كل جهاته ولم يبقَ ما يؤسس عليه.إنه مشهد السقوط الأكبر، شعب في الداخل يقيّد بالضرائب وتوجّه البنادق عليه ويطلب منه الاستمرار في تشجيع الفريق الحزبي الذي بقي صامداً ومتصدياً ومقاوماً، ويبدو أنه سيبقى كذلك حتى لو محق الجمهور عن بكرة أبيه، وسيبقى البعث  يتابع مشاهد الحراسة التي تقتضيها المزرعة، وسيكون أبداً الكاذب الأكبر، الذي خسر وانهزم ومازال يهدد إسرائيل بالزوال، ويدخل مجلس الأمن بمطولات نثرية وشعرية تتباكى على أزدواجية المعايير وحق الشعوب في تقرير المصير، وفي البلاد جوع وقتل وتشريد وسجون وتعذيب وحاويات يتسلق جدرانها الأطفال على ظهور بعضهم، علّهم يجدون ما يقتاتون عليه.

قائد الدولة والمجتمع!!!

البعث..  قائد للدولة والمجتمع بفعل لغوي باهت، مازالت القيادة بخير وليذهب الوطن إلى الجحيم.. ومازالت إسرائيل تُهدَد بالزوال بتنبؤات منجمي أجهزة الأمن ليلى عبد اللطيف وعلي العيس وميشال حايك.. لكنها تمضي لاعباً أساسياً  في السياسة الدولية، ويغيب ويأفل نجم سوريا العظيمة بفعل عقيدة ليست كالعقائد، دأبت جلّ نشاطها على منع أي هامش للحريات والديموقراطية وتعقد حلقات التصفيق والتهليل والهتافات وتموت وهي خائفة أو مشردة في أصقاع الأرض.


لقد انتصر البعث في هزيمة الوطن والشعب، وسجل تاريخاً من التواطؤ والكذب والخيانة، ستكون إلى الأبد تاريخاً أسودَ على المستوى الإنساني، ولن يستطيع حبر الكون التبرير والتغيير، وأما مؤسسو البعث أراهم يسامون عذاب القبر والضمير. لقد كانوا وإنصافاً للعقل والأخلاق ذوي نوايا لا يساورنا أي شك في صدقها، لكن تسليم منطلقاتهم النظرية لمجموعة من العسكر.. الممتتلئين بشهوة الحكم والسلطة حوّلت المسلك والهدف على ظهر الدبابات التي رمت بهم إلى عار التاريخ.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات