ثلاثة مؤشرات على صفقة شاملة بين إيران والعرب والملف السوري هو الأكثر تعقيداً

ثلاثة مؤشرات على صفقة شاملة بين إيران والعرب والملف السوري هو الأكثر تعقيداً

مؤشرات عدة برزت خلال الأيام الأخيرة عن اتجاه منطقة الشرق الأوسط نحو صفقة شاملة بين الدول العربية وإيران، على الرغم من التحفظات الكثيرة التي تحدّ من التفاؤل بإمكانية أن تصل مثل هذه الصفقة إلى نهايتها، بالنظر إلى التوتر الدائم الذي طبع العلاقات بين الجانبين وعدم الاستقرار الذي تعمل عليه طهران باستمرار.

فمن اليمن إلى لبنان وكذلك العراق ونوعاً ما سوريا، تبدو المعطيات متجهة إلى تهدئة شاملة في وقت يغلي فيه العالم بسبب الاستقطاب الحاد الذي فرضته الحرب الروسية على أوكرانيا، الأمر الذي يبدو متناقضاً مع طبيعة التحالفات التقليدية، بينما يرى فيه البعض أنه متسق والتغيرات التي أحدثته هذه الحرب.

هدنة اليمن

أول هذه المؤشرات جاءت من اليمن مع نجاح وساطة المبعوث الدولي إلى هناك هانز غروندبرغ بالتوصل إلى هدنة بين الحوثيين والقوى اليمنية المدعومة من التحالف العربي مطلع شهر رمضان الجاري، حيث "وافق الطرفان على وقف جميع العمليات العسكرية لمدة شهرين قابلة للتمديد" حسب غروندبرغ.

ويبدو نافلاً القول إن هذه الهدنة لم يكن ممكناً التوصل إليها لولا موافقة إيران والسعودية عليها، إلا أن ما يجعل التوقعات تذهب أبعد من حدود هذه الهدنة في اليمن أنها جاءت بالتزامن مع تشكيل مجلس رئاسي جديد في الجزء الذي تسيطر عليها السلطات التي تحظى باعتراف دولي، وسط وجنوب البلاد، تمهيداً لما قالت مصادر متقاطعة، لمفاوضات شاملة مع الحوثيين من أجل التوصل إلى حل شامل.

وبغض النظر عن السقف المرتفع لهذه التوقعات، إلا أنه مجرد سماح الأطراف الفاعلة في الصراع اليمني بالوصول إلى هذا المستوى المتقدم من التوافقات فإن ما حصل يعدّ مؤشراً قوياً جداً على انفراجة أوسع تشمل المنطقة بشكل كامل، خاصة إذا ما تم ربطها بما جرى في لبنان.

عودة السفراء إلى بيروت

بعد أسبوع على توقيع اتفاقية الهدنة اليمنية، أعلنت حكومات كل من السعودية والكويت والشرعية اليمنية في الثامن من نيسان/أبريل عن عودة سفرائها إلى بيروت بعد تسعة أشهر على سحبهم، احتجاجاً على التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي واعتُبرت مسيئة لدول الخليج.

ورغم القراءات المتعددة لهذه الخطوة، بين من رأى أنها مبادرة سعودية من أجل دعم منافسي القوى اللبنانية المرتبطة بإيران في الانتخابات النيابية القريبة، بعد النتائج الإيجابية التي أسفرت عنها الانتخابات التي جرت في العراق نهاية العام الماضي وأسفرت عن هزيمة للأطراف المدعومة من طهران، وبين من اعتبرها استجابة لمطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قدّمها لدول الخليج باستئناف دعم لبنان في زيارته الأخيرة إلى الرياض، إلا أنه بالمجمل لا يمكن فصل هذا التطور عما جرى في اليمن، ولا حتى عن العراق، حيث كل الملفات متعلقة بين تجاذبات إيران والسعودية.

تهدئة وحلحلة في العراق

ورغم استمرار مساعي طهران لضرب التحالف السُني المتماسك بين أكبر كتلتين تمثلان المكون حالياً، والدعوم من الدول العربية، من خلال تسوية أوضاع زعماء كانوا ملاحقين باتهامات بالفساد أو الإرهاب، وآخرهم شيخ قبيلة الدليم علي الحاتم الذي ظهر في بغداد قبل يومين بعد ثماني سنوات من فراره بسبب خلافات مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تطورت إلى توجيه اتهامات خطيرة له، كما حدث مع وزير المالية السابق رافع العيساوي، الذي عاد إلى البلاد قبل أيام أيضاً، إلا أن ذلك يعدّ حراكاً لا يزعج الطرف الآخر ومن خلفه السعودية، طالما أنه يلعب في ميدان السياسة الطبيعي.

بل إن الكثيرين يرون أن كل ما أراده خصوم إيران في العراق وغيرها من دول المنطقة أن يمتنع نظام الملالي عن ضرب استقرار الدول العربية بالقوة العسكرية والتدخلات المباشرة في تمويل وتسليح الميليشيات المتحالفة معها، وحصر التنافس على النفوذ بالحقل السياسي، القاعدة التي لطالما خرقها هذا النظام وأدى إلى تصعيد مدمر في المنطقة كان يجب أن يتوقف.

الجانب الإيجابي الآخر في هذه التسويات القضائية لزعماء سنيين ملاحقين وعودتهم إلى البلاد، يتمثل حسب مراقبين أيضاً في إقرار طهران الضمني بخطئها الفادح عندما سعت إلى إفراغ المكون السُني من الزعامات والقيادات، الأمر الذي أدى إلى نتائج معكوسة دون أن يحقق لطهران ما تريده، الأمر الذي مهد أيضاً لهدوء بين الكتل المتصارعة في العملية السياسية بالعراق حول تشكيل الحكومة، وإعلان مختلف الأطراف العودة القريبة إلى التفاوض من أجل تحقيق تقدم ينهي الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد.

وفي سياق الأجواء الإيجابية هذه، وضعت مصادر عراقية الجولة الخامسة من المفاوضات التي تستضيفها بغداد بين السعودية وإيران والتي عُقدت يوم الجمعة، كاشفة عن إنجاز الملف الأمني في هذه المفاوضات، على أن تخصص الجولة السادسة للملف السياسي.

وبينما تدعم إيران الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم جميع القوى الشيعية ما عدا التيار الصدري، تدعم السعودية والإمارات والكويت والبحرين تحالف "إنقاذ وطن" الذي يضم الصدريين والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برازاني، بالإضافة إلى تكتل "السيادة السني" الذي يضم كتلة "تقدم" بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وكتلة "عزم" التي يتزعمها خميس الخنجر.

الملف السوري

يبقى الملف السوري هو الأكثر تعقيداً بين الملفات التي يحكمها الخلاف الشديد بين طهران والرياض، ورغم تراجع الاهتمام السعودي بهذا الملف خلال الأعوام الأخيرة الماضية، إلا أن الجميع يدرك أنه لا يمكن للمملكة التخلي عنه بشكل كامل، هذا من جهة، أو تجاوز دورها ومصالحها فيه مهما كانت طبيعة التطورات والموازين من جهة أخرى.

بل إن اللافت أن من يسعى وبكل قوة من أجل جذب السعودية مجدداً إلى الملف السوري هو نظام ميليشيا أسد ومن خلفه إيران وروسيا، الأطراف الثلاثة التي ما فتئت تتحدث عن لقاءات بين مسؤولي أجهزة الاستخبارات السورية-السعودية بين الحين والآخر، وهو ما لم يتم تأكيده حتى الآن، وإن لم يكن مستبعداً بشكل كامل، بالنظر إلى الاحتياجات الأمنية للمملكة.

 لكن يكاد يكون هناك إجماع بين المراقبين على أن الرياض لا تضع بين أولوياتها إعادة العلاقات مع نظام ميليشيا أسد، خاصة وأنها لا تنتظر أي شيء مفيد من تطبيع العلاقات معه، وعليه يرى المحلل السياسي السعودي مبارك العاتي أنه فيما يتعلق بهذا الملف فإن موقف المملكة واضح وهي تقبل بما يقبل به الشعب السوري، ودائماً ما شددت على حل سياسي عادل يعيد السوريين إلى وطنهم، وهي لاتقبل حتى الآن بإعادة احتواء النظام، كما أنها لا ترى أن هناك فائدة يمكن تحقيقها من ذلك بعد أن بات مجرد تابع لإيران وروسيا.

وحول ما إذا كان يعتقد أن كل هذه المؤشرات تمهد لصفقة شاملة عربية-إيرانية يقول العاتي في تصريح لـ"أورينت نت": أرى أن الأمر لا يتجاوز حتى الآن مستوى تبريد الأزمات وتجميد الخلافات، لأن المملكة حتى الآن لا تثق بإيران وما زالت على قناعة بأنها تريد إلحاق الضرر بالسعودية، ولولا التعقيدات الدولية الطارئة لما سمح نظام طهران بعقد هدنة اليمن التي جرت بوساطة خليجية ودعم سعودي وغطاء من الأمم المتحدة.

تفاهمات مرحلية

بينما يذهب المحلل السياسي السوري باسل معرواي أبعد من ذلك حين يؤكد أن هناك تناقضاً جوهرياً بين المشروعين السياسيين الإيراني والسعودي لا يسمح بعقد أي صفقة إستراتيجية بين البلدين، وما يمكن أن يحدث لن يتجاوز التفاهمات المرحلية.

ويضيف في حديث لـ"أورينت نت": المملكة تدير الصراع مع إيران بمشروع الدولة مقابل مشروع الولي الفقيه، وقد نجح ذلك في العراق جزئياً حيث ظهر تمرد غالبية المجتمع الشيعي العراقي على أذرع إيران التي هزمت في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما يشجع على ما يبدو لتكرار التجربة في لبنان، لذلك أنا أضع عودة السفراء إلى بيروت في هذا الإطار.

أما فيما يتعلق بنظام ميليشيا أسد فإن معرواي يشدد على الفيتو السعودي الصريح على عودة هذا النظام وتعويمه مجدداً، بينما لم تحقق الجولات الأربع الماضية من المفاوضات بين طهران والرياض التي استضافتها بغداد نتائج مهمة، بغض النظر عن التسريبات التي نشرت حول الجولة الخامسة، والتي "لا أعتقد أنها ستحقق الكثير، خاصة إذا ما كان المتوقع منها الوصول لصفقة كبيرة بين الجانبين، على الأقل بانتظار ما ستؤول إليه الحرب في أوكرانيا" حسب معرواي.

رغم كل الأجواء الإيجابية التي تسود المنطقة مع التقدم غير المسبوق في الملف اليمني وتطبيع العلاقات الخليجية مع لبنان والحديث عن نتائج إيجابية في العراق، ومع تنحية الملف السوري جانباً في الوقت الحالي، إلا أن التحفظات على إمكانية الوصول لصفقة شاملة تعدّ محقة في جوانب كثيرة منها، على رأسها التاريخ السلبي للنظام الإيراني مع دول المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات