نقابات سوريا تستعيد تاريخها الوطني وتطلق مبادرة إنقاذ للثورة ومؤسساتها.. هل يسمح لها بالنجاح؟

نقابات سوريا تستعيد تاريخها الوطني وتطلق مبادرة إنقاذ للثورة ومؤسساتها.. هل يسمح لها بالنجاح؟

في الحادي عشر من آب/أغسطس الماضي، أصدرت نقابة المحامين السوريين الأحرار، بياناً شديد اللهجة رداً على تصريحات وزير خارجية تركيا مولود تشاوويش أوغلو، الداعية لاتفاق بين المعارضة والنظام، حيث شكّل البيان بالنسبة للثوار والمعارضين السوريين، لبنة مهمة في التأسيس لمرحلة يمكن أن تقود فيها النقابات العمل الوطني في سوريا من جديد.

 

استعادة التاريخ

وأمام فشل مؤسسات المعارضة الرسمية في لعب هذا الدور، والحضور الهش للقوى والأحزاب السياسية المعارضة مع استثناءات محدودة لم تتمكن صنع الفارق، كان من الطبيعي أن يعول الحراك الثوري الذي استعاد حيويته خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بالتزامن مع التوجهات التركية الجديدة حيال الملف السوري، على النقابات في القيام بأعباء هذه المرحلة، خاصة وأن محامي سوريا الأحرار لعبوا ومنذ اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة في سوريا، دوراً مهماً جداً، حيث كانوا في طليعة المتظاهرين، كما تصدوا لمهمة الدفاع عنهم في المحاكم عندما كان ذلك متاحاً رغم خطورة الأمر.

البيان حظي باهتمام شعبي كبير، وتفاعل معه الثوار السوريون الذين طالبوا بأن تأخذ النقابات الحرة على عاتقها مهمة استعادة الدور التاريخي لها في العمل السياسي، حيث ظلت شوكة في خاصرة النظام، تتحدى سلطة الأسد الأب حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، عندما استغل المواجهة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين من أجل الانقضاض عليها وتفريغها من الشخصيات الوطنية، ومن ثم إلحاقها بحزب البعث الحاكم، لينتهي دورها السياسي مع البيان الذي صدر عنها في مطلع الثمانينيات، والتي أعلنت فيه الخضوع الجماعي لسلطة حافظ أسد.

لكن مع بداية الثورة عام ٢٠١١ انشق المئات من أعضائها، وأسسوا نقابات جديدة شملت مختلف القطاعات العلمية والمهنية، ورغم تفاوت الأدوار التي لعبتها خلال العقد الماضي، إلا أنها تمكنت من حجز مكانة مقبولة لها على الساحة الوطنية.

 

بنود المبادرة

ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يتداعى العديد منها لإصدار بيان جماعي يوم الخميس، طالبوا فيه برفع الوصاية عن الثورة وإصلاح مؤسسات المعارضة لتكون ممثلة حقيقية للثوار.

البيان الذي وقعت عليه نقابة المهندسين الأحرار، ونقابة أطباء حلب، ونقابة الصيادلة الأحرار، ونقابة الأكاديميين السوريين الأحرار، ونقابة الاقتصاديين، ونقابة المعلمين الأحرار، ونقابة الممرضين والفنيين المركزية، ونقابة المقاولين السوريين للإنشاءات، بالإضافة إلى نقابة المحامين الأحرار، ركز على عدة مطالب أساسية هي: وقف كافة أشكال المفاوضات العبثية مع نظام أسد المجرم، ورفض كل أشكال الوصاية على الثورة السورية، مع التأكيد على عمق العلاقات مع كافة الأصدقاء وضرورة توانها، بالإضافة إلى الحق في التظاهر السلمي والعمل على تأسيس إدارة مركزية موحدة للمناطق المحررة يرأس مفاصلها المقيمون في الداخل.

كما طالب البيان بدعم الجيش الوطني وإنهاء حالة الفصائلية، وإصلاح الائتلاف بكافة مؤسساته، وإعادته لحاضنة الثورة من خلال الشرعية الانتخابية، ونقل أعماله للداخل المحرر.

 

إمكانية التطبيق العملي

ورغم تسجيل بعض الملاحظات على البيان، خاصة لجهة عدم الإشارة إلى إصلاح الجيش الوطني، وعدم توضيح الآليات التي يمكن من خلالها إصلاح مؤسسة الائتلاف وما يتفرع عنها، حيث اكتفى البيان ب"الانتخابات" كسبيل لذلك، الأمر الذي يرى البعض أنه غير ممكن في الوقت الحالي، إلا أن دعم ما صدر عن هذه النقابات وتأييده كان محل إجماع الغالبية العظمى من الثوار.

المهندس أحمد باسم نعناع، نقيب المهندسين السوريين الأحرار، تحدث عن ظروف إصدار البيان، مؤكداً أنه جاء ضمن خطة النقابات المهنيّة والعلميّة في تنظيم الصف والحشد والمناصرة لقضايا الثورة السورية، ومواكبة للحراك الشّعبي الأخير الذي طالب النّقابات لأخذ دورها الطّبيعي والرّيادي في قيادة المجتمع وتوجيهه.

وقال في حديث مع "أورينت نت": بعد اجتماعين تحضيريين تم التوصل لاتفاق على سبعة بنود أساسية سيتم العمل عليها تباعاً، حيث كان أولها إصدار هذا البيان الذي يوضح بشكل لا لبس فيه رؤى وتصورات النقابات للسياق الراهن للثورة السورية بشكل عام، والوضع في المناطق المحررة بشكل خاص، والعمل على إيجاد الحلول والآليّات للخروج من الاستعصاء الّذي تعيشه القضية السورية، وصولاً إلى تطبيق بيان جنيف والقرارات الدولية، خاصة القرار  2254 وإسقاط نظام أسد المجرم ومحاسبته.

وحول التصورات العملية لترجمة بنود البيان إلى مبادرة عملية وفي ما إذا كان لدى النقابات التي أصدرته خطة من أجل ذلك، يقول نعناع: 

وجود الخبرات والكفاءات في هذه النقابات يجعل من الممكن رسم خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف، ومزودة بالأدوات والآليات التي يمكن تطبيقها في البناء والإصلاح، وخاصة لجهة القدرة الكبيرة على التدخل الفعال في تقديم الحلول لكافة مؤسسات الثورة بشكل علمي وعملي وفق منهجية ثورية وطنية تحقق آمال وطموحات الثوار.

ويضيف: القوة الكبرى التي تمتلكها هذه المبادرة والتي ستساعد في تطبيقها هي ثقة أغلب الثوار بالنقابات، واعتبارها سفينة النجاة الأخيرة، ومن بين الأدوات التي يمكن تفعيلها لتطبيق هذه المبادرة إعادة التواصل مع الشخصيات الوطنية الفاعلة ومع أصدقاء الشعب السوري لعودة الحشد والمناصرة لقضيتنا من جديد، وسيكون هنالك لجان متابعة لتنفيذ البنود، وما ننتظره هو الدعم الإعلامي واستمرار مناصرة الحراك لمبادرة النقابات هذه.

وحول موقف الفصائل من البيان وإذا ما كان قد جرى أي تواصل مسبق بين النقابات وقيادات الجيش الوطني، أشار نعناع أنه حتى الآن لم يجر تواصل رسمي، ولكن هنالك اتصالات ولقاءات مع بعض الأصدقاء في مؤسسة الجيش الوطني الجاهزين لتطبيق البنود الخاصة بهم وتقديم الدعم والمساندة، مؤكداً أنه بعد طرح المبادرة رسمياً فإن على رأس التصورات التي وضعت، إجراء تواصل واسع بشكل رسمي وعلى أوسع نطاق.

 

مخاوف ومخاطر

لكن اللافت هو غياب أي تعليق من الائتلاف أو الهيئات والمؤسسات التابعة له على بيان النقابات العلمية والمهنية، الأمر الذي يعتبره البعض متوقعاً، بالنظر إلى مجمل التعاطي الذي أبداه الائتلاف وقادته مع التحولات في الملف السوري، وخاصة التصريحات التركية الأخيرة، حيث بدت مؤسسات المعارضة الرسمية متماهية معها إلى حد كبير.

وليس جديداً القول إن الائتلاف، وفي إطار مقاومته للتغيير واستعصائه المفتعل على أي إصلاح من داخله، كما يجمع المراقبون، فإنه سيتعامل بتحفظ كبير مع أي مبادرات من هذا النوع، حيث يؤكد الكثيرون على أن المسيطرين عليه يعتبرون أي مبادرة إصلاحية تستهدف مكاسبهم، ولذلك ليس من المنتظر من هذه المؤسسة أي تعاط إيجابي مع دعوات التغيير التي تتضمنها مبادرة النقابات.

بل إن ياسين النجار، رئيس المكتب السياسي في حركة العمل الوطني، لم يستبعد أن يسعى الائتلاف إلى إفشال هذه المبادرة وممارسة الضغوط من أجل تقويضها.

ويقول في تصريح لـ "أورينت نت": من جملة ما يمكن أن يتعرض له القائمون على مبادرة النقابات هو محاولة شراء ذمم البعض منهم، من خلال عرض بعض المواقع الوهمية أو التعيينات الخلّبية عليهم، وكذلك عبر بث الفتن بينهم، ولذلك فإن المطلوب البدء بالعمل على صياغة البديل الوطني بالتشارك مع القوى السياسية المؤمنة بالأفكار الواردة في البيان، ونشرها على مختلف الصعد في المناطق المحررة، وخاصة في الأوساط الطلابية، مع الحفاظ على وحدة الصف الداخلي للنقابات ومنع أي محاولات لتشتيته.

ويضيف: لطالما كانت النقابات المهنية حصناً هاماً ضد الظلم والاستبداد الذي مارسها النظام، لذلك قام حافظ الأسد بتأميمها وتحويلها لمنظمات خاضعة لحزب البعث، وعليه نعتبر بيان النقابات المهنية نقلة نوعية كبيرة، خاصة أنه يأتي في وقت حساس بالنسبة للثورة السورية، في ظل المتغيرات الدولية ومحاولات البعض تجاهل مطالب السوريين بنظام ديموقراطي حر وفقاً لبيان جنيف ١ والقرارات الأممية ٢١١٨، و ٢٢٥٤ ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه.

يرى البعض أن مبادرة النقابات المهنية تمثل سفينة النجاة التي قد تكون الأخيرة بالنسبة للثورة السورية، لكنهم في الوقت نفسه يبدون تخوفاً من إفشال هذه المبادرة من قبل الأطراف التي تعتبر نفسها متضررة منها، ولذلك يطالب القائمون عليها بتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لهم من أجل الدفع بها قدماً وإلزام مؤسسات وقوى الثورة والمعارضة بتبني ما جاء فيها من أفكار، يقولون إنها قابلة للتطوير بما يخدم أهداف الحراك الثوري ومطالب السوريين الذين خرجوا بمظاهرات واسعة خلال الأسابيع الماضية في الشمال.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات