هل تنزلق تركيا واليونان إلى حرب واسعة؟ وما علاقة الغرب وروسيا بالتوتر الأخير؟

هل تنزلق تركيا واليونان إلى حرب واسعة؟ وما علاقة الغرب وروسيا بالتوتر الأخير؟

لم تكن تركة حقبة الاستعمار الغربي ثقيلة على المنطقة العربية وإفريقيا فحسب، بل شملت دولاً أوروبية ورثت مشكلات حدودية مزمنة منذ انتهاء تلك الحقبة في النصف الأول من القرن الماضي حتى اليوم، ومنها على سبيل المثال، النزاع الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا، والجزر اليونانية المحاذية لشواطئ تركيا.

فإذا ما وصلت إلى شواطئ تركيا الغربية على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، فستكون على بعد دقائق فقط من عشرات الجزر اليونانية التي لا يفصل بينها وبين البر الآسيوي التركي سوى مسافات قصيرة. بعضها لا يتجاوز كيلو متراً واحداً، الأمر الذي لا يبدو منطقياً من حيث الجغرافيا، لكن اتفاقية لوزان ١٩٢٣ وملحقاتها، أقرّت تبعية هذه الجزر لليونان بناء على ما قالت إنها معطيات التاريخ والثقل الديموغرافي.

أمر ظل بمثابة القنبلة المؤقتة في العلاقة بين البلدين الجارين، ورغم أن المعاهدات تنص على جعل هذه الجزر منزوعة السلاح، إلا أن اليونان ومن حين لآخر كانت تستغل بعض الظروف للتجاوز على هذه الفقرة، لكن الأخطر على الإطلاق هو ما حصل أخيراً عندما سمحت أثينا للولايات المتحدة بإقامة أكثر من عشر قواعد عسكرية في بعض هذه الجزر تحت غطاء حلف الناتو، الأمر الذي أزعج أنقرة بطبيعة الحال، وأعاد التوتر بين الجانبين إلى ذروته خلال الأيام الأخيرة الماضية.

تهدئة ولكن

ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدا أكثر ميلاً للتهدئة يوم الثلاثاء، حين أشار من "سراييفو" عاصمة البوسنة إلى أن "أثينا بدأت تضبط نفسها بعد أن أدركت ذلك"، إلا أنه جدّد التهديد الذي وجّهه لها يوم الأحد، حين أكد أن بلاده "ستقوم بما يلزم عندما يحين الوقت"، مضيفاً: “يمكننا أن نأتي على حين غرّة ذات ليلة”.

الكلام ذاته كان أردوغان قد صرّح به قبل يومين من ذلك، خلال افتتاحه معرض تكنولوجيا الطيران في مدينة سامسون على شواطئ البحر الأسود، حيث كرر عدم اعتراف تركيا بـ"احتلال اليونان للجزر" المتنازَع عليها، مذكّراً أثينا بطرد قواتها من مدينة إزمير عام ١٩٢٢، وقال: “يمكن أن نأتي ذات ليلة على حين غرّة، فاحتلالكم للجزر لا يغيّر من الأمر شيئاً”.

التصعيد الذي عبّر عنه الرئيس التركي تسبّب به اعتراض الدفاعات الجوية اليونانية طائرات تركية كانت تحلّق فوق بحر إيجة، الأمر الذي وصفته أنقرة بالتحرّشات غير المقبولة، ملوّحة بردّ قوي، كما زاد من التوتر اعتراض الحكومة اليونانية على التهنئة التي نشرها حلف الناتو في ذكرى تحرير الجيش التركي إزمير من الاحتلال اليوناني.

تحريش غربي

تهدئة بعد تصعيد، يراها الكاتب والمحلل السياسي التركي “يوسف كاتب أوغلو” أنها منطقية بعد أن وصلت الرسالة التركية للجارة اللدود التي يرى أن من يدفعها للتحرش بتركيا هو الغرب، كما فعل مع أوكرانيا وروسيا، مؤكداً أن اليونان تدرك أنها لا يمكن أن تتحمل عواقب المواجهة مع تركيا.

ويقول أيضاً في تصريح لـ"أورينت نت": اليونان التي تُعتبر الطفل المدلّل لأوربا وأمريكا تقوم بخروقات تجاه تركيا بدفع من الغرب، الذي يريد التغرير بها في مواجهة مع تركيا، حيث نقضت اتفاقيتي لوزان ١٩٢٣ وباريس ١٩٤٥ التي تنص المادتان الأولى والثالثة منها على جعل الجزر المحاذية للشواطئ التركية منزوعة السلاح، لكنها للأسف سمحت مؤخراً للولايات المتحدة بإنشاء ١٢ قاعدة عسكرية فيها بهدف استفزاز أنقرة".

ويضيف: "للأسف نفس المخطط الذي جرى في أوكرانيا يبدو أن الغرب يريد تكراره بيننا وبين اليونان من أجل استنزاف تركيا عسكرياً وسياسياً، لكن الشعب التركي وحكومته واعون لهذا المخطط ولن ينجرّوا له، وشنّ حرب خيار غير وارد بالنسبة لتركيا. لكنها في الوقت نفسه لن تتردد في الردّ على أي استفزازات أو تهديد لأمنها القومي.

لعبة التاريخ والجغرافيا

لكن التوتر الأخير بين الدولتين ليس الأول ولن يكون الأخير مؤكداً، بالنظر إلى تاريخ طويل من العداء يجمع بينهما، ومع استمرار أسباب هذا العداء قائمة، فإن المشاكل لن تنتهي في وقت قريب، بل إن وجودهما معاً في حلف الناتو لم يجعل أنقرة وأثينا تتجاوزان هذا الواقع.

ويشرح الكاتب والمحلل السياسي السوري "باسل معراوي" أسباب هذا العداء بالتذكير بأن له جذوراً تاريخية ودينية تعود للقرن الخامس عشر تاريخ فتح القسطنطينية، "أما في التاريخ الحديث فقد تمكنت اليونان عند هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى من احتلال الثلث الغربي الجنوبي من تركيا، ثم استطاع كمال أتاتورك في حربه الوطنية العظمى لتحرير تركيا الحديثة، من طرد اليونانيين من البر التركي بمعركة فاصلة بإزمير عام 1922، لكنه لم يتمكن من استعادة الجزر العديدة والمتناثرة في بحر إيجة، والتي بقيت تحت سيطرة اليونانيين، وأغلبها جزر صخرية وغير مأهولة، لكنها لا تبعد عن البر التركي كثيراً، وإحداها تبعد 1500 متر فقط، فيما تبعد عن البر اليوناني أكثر من 500 كيلو متر.

ويضيف خلال حديث مع "أورينت نت": “المشكلة بين اليونان وتركيا تنقسم إلى جزء يتعلق بشرق المتوسط، ومنها الخلاف حول جزيرة قبرص والحدود البحرية التي تكتنز كميات هائلة من الغاز تحتها، أما مشاكل بحر إيجة فتتجلى بحرمان تركيا من جرفها البحري ومجالها الجوي، إذ بالمحصلة تملك تركيا أطول شواطئ على البحر المتوسط وأقل مياه إقليمية”.

 ويتابع: “رغم فترات من التعاون بين الجارتين، حيث وافقت تركيا على انضمام اليونان لحلف الناتو، ودعمت اليونان انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلا أنه في السنوات القليلة الماضية حاولت اليونان عزل تركيا عن غاز شرق المتوسط وساعدها بذلك سوء علاقة جوار تركيا بها، حيث كان مقترحاً أن يتم إنشاء أنبوب ضخم ينقل الغاز الإسرائيلي إلى قبرص اليونانية ثم اليونان وصولاً لأوروبا دون أن تتم دعوة تركيا إلى منصة غاز شرق المتوسط، وكان يزداد التوتر عندما تقوم سفن الاستكشاف التركية  بأعمال التنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها”.

ويقول أيضاً: “في العامين الأخيرين زادت الولايات المتحدة من عدد جنودها ومعدّاتها في اليونان، ومنها في جزر بحر إيجة حتى وصل عديد القوات الأمريكية لنحو عشرة آلاف جندي من مشاة البحرية الأمريكية هناك، واعتبرت تركيا أن هذا الوجود العسكري الأمريكي الضخم هو محاباة أو نصرة لليونان عليها، فيما يراه أغلب المراقبين أنه لمنع نفوذ روسي كان محتملاً في الدولة الأرثذوكسية، أما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا فقد ساءت العلاقات اليونانية الروسية بسبب موقف أثينا الرسمي الداعم لكييف، فيما توطدت أكثر علاقة موسكو بأنقرة، وكان التصعيد الأخير مردُّه تفعيل منظومة الصواريخ اليونانية S300 الروسية الصنع، والتي أخذتها اليونان من قبرص وتعهدت بعدم تفعيلها، ولكنها نصبتها بجزيرة كريت واستخدمتها مؤخراً ضد مقاتلات تركية دون أن تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء عقابي تجاه أثينا، فيما أنزلت عقوبات قاسية على تركيا لشرائها منظومة s400 من روسيا”.

وحول توقعاته فيما إذا كان البلدان قد ينجرّان إلى مواجهة عسكرية، يقول معراوي: “أعتقد أنه لن ينجم عن هذا التصعيد أي اشتباك مسلح لعدم رغبة البلدين بخوضه، ولوجودهما معاً ضمن حلف شمال الأطلسي، مع وجود مظلة أمريكية تظللهما، لكن التصعيد الحالي يخدم الرئيس التركي الذي يعاني اقتصاد بلاده من مصاعب جمة من خلال استنهاض الروح القومية التركية، كما يخدم الحكومة اليونانية اليمينية التي تواجه استحقاقها الانتخابي أيضاً العام المقبل بتجييش الشارع اليوناني، مع حرص اليونانيين على عدم فوز حزب الشعب الجمهوري في تركيا المعروف بعدائيته لليونان بالانتخابات القادمة”.

"تصعيد موظّف" إذاً، ولن يتجاوز حدود التوتر الاعتيادي بين البلدين في ظل الأوضاع الداخلية لكل منهما، وبسبب الوضع الدولي المأزوم من ناحية أخرى، لكن هذا لا يمنع من احتمالية أن تنزلق الأمور إلى نقطة خطرة في حال استمر الاستقطاب الحاد بين الغرب وتركيا، والذي قد يتسبب بحرب جديدة في القارة العجوز، لا يبدو أن أنقرة وأثينا تريدانها بأي حال.

التعليقات (1)

    اردوغان مع روسيا

    ·منذ سنة 8 أشهر
    لك انتو مو فهمانين اللعبة ، هالشي متل ما كان ع دور الحرب العالمية ، دول الحلفاء متل اميركا و الغرب مع اوكرانيا و اليونان ، ضد دول المحور يلي هيي روسيا و الصين وكوريا الشمالية، والظاهر انو اردوغان (تركيا) اخد صف المحور و روسيا، بقى كرمال هيك بلش التوتر ... وكرمال هيك اردوغان بلش يتقرب من بشار (يلي هو دنب لروسيا كمان)...
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات