تحقيق يكشف أسرار صيدنايا: إحصائية مرعبة للضحايا وأبرز مسؤولي الإجرام وطرق القتل والتعذيب

تحقيق يكشف أسرار صيدنايا: إحصائية مرعبة للضحايا وأبرز مسؤولي الإجرام وطرق القتل والتعذيب

كشفت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا (ADMSP)، الهرمية العسكرية والتفاصيل الدقيقة لعمليات التعذيب والإعدامات الميدانية داخل أسوأ السجون العسكرية لدى ميليشيا أسد، والتي كانت وما زالت معسكراً للموت البطيء لعشرات آلاف السوريين.

ويركز التحقيق المؤلف من (60) صفحة على الهرمية العسكرية وتسلسل القيادة والأوامر والضباط المسؤولين عن أساليب التعذيب والموت داخل سجن صيدنايا العسكري، في أول بحث مطوّل يوضّح تفاصيل الإجرام الأكبر، جرى إعداده بناءً على 31 مقابلة مع أشخاص عملوا داخل السجن أو معتقلين سابقين بأوقات متفرقة، وضباط منشقين عن ميليشيا أسد كانوا من المسؤولين عن حمايته، إضافة لستة عناصر وضباط سابقين ممن شغلوا مناصب بارزة في سجن صيدنايا.

يستعرض التحقيق المفارز والثكنات العسكرية المسؤولة عن حراسة السجن من الداخل والخارج، ويقول إن حماية السجن تتم على 3 مستويات أمنية مع مئات الحراس المتمركزين في مواقع مختلفة عبر السجن، حيث إن الجدران الخارجية للسجن يحميها عناصر سجن الشرطة العسكرية المعروفين باسم (الشركة الخارجية والفرقة الثالثة للجيش السوري). وهم يشكلون خط الدفاع الأول للحماية من التهديدات الخارجية ومنع الهرب من السجون. "يقوم حوالي 40-50 فردًا من اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة بتأمين محيط السجن بين الجدران الداخلية والخارجية، وتتولى وحدات منفصلة مسؤولية تأمين الجزء الداخلي من السجن وكذلك مراقبة وتأديب المحتجزين".

وبحسب التقرير، فإن هناك 3 مستويات لحراسة السجن، أولها يتعلق بحمايته من الخارج ضد التهديدات الخارجية ومنعا لأي عملية فرار للسجناء، ويرتبط المستوى الثاني للحماية بالمستوى الأول، بينما يركز المستوى الثالث على حماية أبنية السجن الداخلية ومراقبة تحركات السجناء وتأمين وجودهم وانضباطهم داخل الأجنحة والمنفردات، وتختلف مستويات الحماية الثلاثة وفقاً للجهة الأمنية أو العسكرية المسؤولة عنها "الجيش أو الشرطة العسكرية أو شعبة الاستخبارات العسكرية".

كما أن سجن صيدنايا محاط بحقلي ألغام أحدهما داخلي يتكون من ألغام مضادة للأفراد والآخر حقل خارجي يتكون من ألغام مضادة للدبابات، إضافة لوجود وحدة مهمتها مراقبة جميع الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة والصادرة إلى السجن والمنطقة المحيطة به.

ويقدّر معدو التقرير أن أكثر من 30 ألف معتقل، إما أُعدموا أو قضوا تحت التعذيب، أو بسبب نقص الرعاية الطبية أو الجوع في سجن صيدنايا بين عامي 2011 و2018، إضافة لتقديرات تتحدث عن إعدام ميليشيا أسد لأكثر من 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021، وفقًا لشهادات ناجين وثقتهم الرابطة.

وقال أحد مؤسسي الرابطة والمعتقل السابق في سجن صيدنايا، دياب سريّة: "لقد أراد النظام أن يكون هذا المكان ثقبًا أسود يبتلع كل من يقترب إليه ولا معلومات تخرج منه مع إفلات تام من العقاب وعدم وجود عدالة تلوح في الأفق، يهدف بحثنا إلى القول بأنه معسكر موت فيه تسلسل واضح للقيادة والأوامر والأعمال الداخلية. على مدى سنوات، وقعت جرائم مروّعة، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب المنهجي والقتل داخل هذا السجن الذي أصبح رمزًا لواحدة من أكثر الفترات الدموية في تاريخ البلاد، نأمل أن تقدم المعلومات في هذا التقرير صورة أوضح عن القادة والمسؤولين عن إصدار الأوامر لهذه الجرائم وكذلك توضيح علاقة السجن بباقي أجهزة ومؤسسات (الدولة)”.

بدوره، يقول مدير برامج في الرابطة وأحد الناجين من سجن صيدنايا، شادي هارون: إن "سجن صيدنايا هو معسكر للموت شهد على جرائم بشعة ضد الإنسانية بما في ذلك القتل الجماعي للمعتقلين والتعذيب وغيره من المعاملات القاسية واللاإنسانية. بالنسبة للمعتقلين، كان كل يوم في حياتهم يوم معاناة وعذاب – من التعذيب على أيدي الحراس الساديين إلى التجويع، وتجريدهم من ملابسهم، والحرمان من الرعاية الصحية. كانوا يتوقعون الموت في أي لحظة. هذا التقرير لا يحفظ فقط ذكرى معاناتهم، ولكن يمكن أن يلعب أيضًا دورًا في ضمان المساءلة عن هذه الجرائم”.

معسكر الموت

يقع سجن صيدنايا المعروف بـ "المسلخ البشري" على تلة مرتفعة في محيط بلدة صيدنايا بمنطقة القلمون الغربي بريف دمشق، ويتألف من بنائين رئيسين، الرئيسي القديم (البناء الأحمر)، والبناء الجديد المعروف باسم البناء الأبيض، وتُقدر مساحته بـ 1.4 كيلو متر مربع، ما يعادل "8 أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية في سوريا مجتمعة".

ويختلف سجن صيدنايا عن باقي السجون التابعة لميليشيات أسد من حيث التبعية والقوانين المطبقة فيه، ويتبع بشكل مباشر لوزارة (الدفاع)، ولا تتمتع وزارة العدل بأي سلطة عليه وفق التقرير الذي يضيف: "لا يستطيع أحد دخوله أو زيارة أي معتقل، من دون إذن الشرطة العسكرية، بعد الحصول على موافقة مسبقة من شعبة الاستخبارات العسكرية".

يتبع السجن لجهتين قضائيتين منفصلتين، أولها القضاء العسكري المختص بالنظر في الجنايات والجنح الذي يرتكبها العسكريون، و(محكمة الميدان العسكري) المسؤولة بشكل مباشر عن الإعدامات الميدانية، ويعتمد ارتباط سجن صيدنايا من الخارج مع باقي مؤسسات النظام وأجهزته الأمنية على العلاقات الشخصية المبنية على المحسوبيات والقرب من مراكز القوة في النظام وكبار مسؤوليه.  

وبحسب معدّي التحقيق، فإن ميليشيا أسد تُصنّف معتقلي سجن صيدنايا إلى فئتين، الفئة الأولى "الأمنيون" وهم معتقلون عسكريون أو مدنيون، جرى اعتقالهم بناء على نشاطهم السياسي أو انتمائهم لمنظمات (إرهابية)، أو حسب "التهم الجاهزة من جانب النظام السوري"، بينما تتمثل الفئة الثانية بالموقوفين القضائيين وهم العسكريون الموقوفون بسبب ارتكاب جرائم جنائية (قتل، سرقة، فساد، اختلاس أموال، فرار من الخدمة الإلزامية).

عمليات الإعدام والمقابر الجماعية

وتجري عمليات الإعدام المباشر بشكل دوري "يومين في الأسبوع"، ويقول التقرير إن "المعتقلين لا يتم إبلاغهم بقرار الإعدام، بل يُنقلون مساءً ليُنفذ بهم الحكم في اليوم نفسه أو في اليوم التالي"، ويحضر الإعدام رئيس القلم الأمني ومدير السجن، والنائب العام العسكري في المحكمة الميدانية، واللواء قائد المنطقة الجنوبية، وضابط من شعبة المخابرات، ورئيس فرع التحقيق (248) وأحد أطباء السجن، وأحيانا "رجل دين"، فضلاً عن رئيس المحكمة الميدانية العسكرية، المسؤولة عن إصدار الحكم.

ويحتوي السجن (معسكر الموت) على غرفتي إعدام، الأولى تقع في البناء الأحمر (القديم) والثانية في البناء الأبيض (الحديث)، حيث تتم عملية الإعدام شنقاً، وهناك منصات مخصصة لذلك في كلا الغرفتين.

كما يسلط التحقيق الضوء على عملية نقل الجثث وطريقة دفنها "البشعة" بعد عمليات الإعدام الدورية في متاهات السجن، حيث تعمل ميليشيا أسد على تجميع الجثث ونقلها بشكل تدريجي إلى (مشفى تشرين العسكري) بواسطة إدارة الخدمات العامة، ليتم دفنها في مقابر جماعية في منطقة نجها بريف دمشق الجنوبي، أو بمنطقة قطنا بالقرب من مقرات ميليشيات (الفرقة العاشرة والحرس الجمهوري)، أو بمنطقة القطيفة غرب (حقل الرمي) التابع لميليشيا "الفرقة الثالثة" المسؤولة عن حماية السجن.

من غرف الملح إلى مشفى تشرين

وفيما يخص جثث الضحايا وطرق التعامل معها، يشير التحقيق إلى أن "الجثث الناتجة عن الإعدام تُنقل مباشرة إلى المقابر المذكورة بواسطة سيارات عسكرية يُطلق عليها اسم سيارة اللحمة، أو في سيارات بيك أب"، بينما الجثث الناتجة عن سقوط الضحايا جراء التعذيب أو بسبب سوء الرعاية الطبية، فيتم تجميعها ووضعها في غرفة أنشأت بعد عام 2011، وتسمى (غرفة الملح)، حيث يتم وضع الجثث فيها لمدة لا تتجاوز 48 ساعة ريثما يتم نقلها إلى المقابر الجماعية خارج السجن.

وفي غرفة "الملح" توضع تلك الجثث وتُرش بالملح لمنع تحللها أو تفشي الأمراض وصدور الروائح منها، وبعد ذلك تنقل بواسطة سيارة مخصصة لنقل المعتقلين إلى مشفى (تشرين العسكري) المسؤول عن معاينة الجثث وإصدار شهادة وفاة لها، ثم تنقل إلى فرع السجون في ميليشيا الشرطة العسكرية.

وبناء على شهادات معتقلين وموظفين سابقين في السجن، تعتقد رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن أول "غرفة ملح" وُجدت في النصف الثاني من العام 2013، مع اشتداد التعذيب وتردّي الأوضاع في السجن، ويقول الشريك المؤسس في الرابطة دياب سرية: "تمكّنا من تحديد غرفتي ملح على الأقل، وكل منهما استُخدمتا لتجميع جثث الأشخاص الذين قضوا تحت التعذيب أو تُوفّوا جراء الأمراض أو عمليات التجويع".

ويضيف أنه كان يتمّ الإبقاء على الجثث بين يومين و5 أيام داخل المهاجع إلى جانب المعتقلين كأحد أساليب العقاب، قبل نقلها إلى غرف الملح لـ"تأخير تحلّلها". ثم تُترك الجثث يومين داخل "غرف الملح" في انتظار تجميعها قبل نقلها إلى مستشفى عسكري لتوثيق الوفاة ثم إلى مقابر جماعية.

ويوضح سرية: "برأينا، الهدف من الملح هو حفظ الجثث، إذ إن الملح يمتص السوائل والإفرازات، ويحول دون أن تفوح رائحتها، وذلك لحماية السجانين وإدارة السجن من البكتيريا والأمراض".

10 مديرين منذ تأسيسه

إلى ذلك، كشف التحقيق الأول من نوعه، أسماء الضباط الذين تعاقبوا على إدارة سجن صيدنايا العسكري (المسلخ البشري) منذ تأسيسه في فترة عام 1987، مروراً بحادثة الاستعصاء عام 2008، والذي قُتل خلالها عشرات المعتقلين، وصولاً إلى ما بعد انطلاق الثورة السورية التي مضى عليها 11 عاماً.

أول الضباط الذين تولوا إدارة السجن كان (بركات العش) من عام 1987 حتى 1991، وينحدر من ريف اللاذقية وارتكب جرائم وانهاكات واسعة تجاه المعتقلين خلال ولايته، وخَلفه (محيي الدين محمد) منذ عام 1991 وحتى 2003، وينحدر من ريف جبلة، وهو "أحد أبناء رجال الدين المهمين في الطائفة العلوية"، وأعقبه على المنصب (لؤي يوسف) حتى عام 2006، وينحدر من قرية بحمرة بريف اللاذقية، وهو من المقربين من غازي كنعان وزير الداخلية والرئيس السابق لجهاز المخابرات في لبنان.

وبعد يوسف، تولى (علي خير بيك) إدارة السجن من عام 2006 حتى 2008، وينحدر من القرداحة معقل بشار أسد، وبحسب التحقيق، أقيل خير بيك بعد عملية اقتحام فاشلة من الشرطة العسكرية للسجن وأسفرت عن وقوع 1200 معتقل منهم بيد المعتقلين.

في عام 2008، تولى (طلعت محفوض) إدارة سجن صيدنايا خلفاً لخير بيك، وينحدر من قرية البريخة بمنطقة دريكيش بريف طرطوس، وبحسب التقرير يُعدّ محفوض "مهندس تصفيح السجن وحمايته، وأحد المسؤولين عن مجزرة 2008 التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 125 معتقلا".

وقُتل محفوض بكمين لفصائل الجيش السوري الحر ببلدة تل منين بمنطقة القلمون في أيار عام 2013، وخلفه (إبراهيم سليمان) في المنصب، وينحدر من قرية فجليت بمنطقة دريكيش وبقى في المنصب عاما واحد، ليخلفه (أديب اسمندر) بين 2013 و2014، وينحدر اسمندر من قرية القلايع بمنطقة جبلة، "وفي عهده تنوعت أساليب التعذيب والتنكيل بحق المعقتلين".

وخلف اسمندر (محمود معتوق) بإدارة السجن منذ 2014 وحتى 2018، وينحدر من قرية فيديو بريف اللاذقية وبحسب التحقيق، واصل معتوق "ارتكاب التعذيب وطوّر الوسائل"، حتى إقالته من المنصب لصالح (وسيم حسن)، والذي تولى إدارة السجن بين عامي 2018 و2020، وشهد إعدام 500 شخص ممن اعتُقلوا في "مناطق التسوية والمصالحات".

في حين يتولى العميد (أسامة محمد العلي) إدارة السجن في الوقت الراهن والذي تولى المنصب خلفاً لحسن في آذار 2020، وقال التحقيق إن العلي "حافظ على العقوبات وعمليات الإعدام"، ومازال على رأس عمله.

 

 

التعليقات (1)

    اللهم عليك بالظالمين

    ·منذ سنة 7 أشهر
    وجود نظام يعتقل الناس ويتفنن في تعذيبهم ومن ثم يقتلهم عار على بني البشر والمجتمع الدولي يرى ويسكت
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات