قرار تعسفي.. تخفيض رواتب معلمي شمال حلب بدلاً من زيادتها يدفعهم لتقديم استقالات جماعية

قرار تعسفي.. تخفيض رواتب معلمي شمال حلب بدلاً من زيادتها يدفعهم لتقديم استقالات جماعية

بعد محاولات عديدة بُغية تحسين الواقع التعليمي شمال حلب، وبعد تأسيس نقابة للمعلمين ووعود من قبل المسؤولين على الملف التعليمي الذين نقلوا بدورهم الرسائل للجانب التركي لعدة مرات، تمّ إيقاف الاعتصامات والاحتجاجات على أمل دعم المعلمين واتخاذ خطوات إيجابية في سبيل تحسين الواقع التعليمي.

إلا أن الرياح جاءت على عكس ما تشتهي سفن المعلمين، وبخطوة وُصفت بالمفاجئة من قبل الجانب التركي المسؤول على الملف التعليمي، تم خصم من رواتب المعلمين والإداريين في شمال حلب، كإجراء وُصف بالعقابي، رداً على الاحتجاجات الأخيرة، ما زاد من حدة الاحتجاجات وحدوث استقالات جماعية لدى المعلمين.

فوضى وغياب التنظيم

وعن التطورات الأخيرة التي يشهدها قطاع التعليم شمال حلب، قال نقيب "نقابة المعلمين السوريين الأحرار" محمد حميدي لـ "أورينت نت"، إن "السبب الحقيقي فيما يجري حالياً شمال حلب هو الفوضى وغياب المرجعية الواضحة للتعليم، إضافة إلى عدم وجود نظام داخلي يحكم العلاقة بين المعلم وبين السلطات التعليمية".

وأضاف أن "أيّ إجراء تعسفي بحق المعلم، هو إجراء غير قانوني لأنه لا يستند إلى نظام داخلي، والجهة التي خصمت على المعلمين هي جهة مجهولة، ولم يتبنَّ المجلس المحلي في إعزاز قرار الخصم.

وتابع حميدي: "الخصم الذي تعرّض له المعلمون والذي تراوح بين 130 و280 ليرة تركية كان خصماً عشوائياً لم يبنّ على معايير محددة، ونحن كنا قد نفذنا إضراباً سابقاً وقمنا باحتجاجات بُغية تحسين وضع المعلم بزيادة الراتب وجعله شهرياً وليس على شكل منحة غير ثابتة وتحسين واقع التعليم ككُل".

وذكر أن المعلمين عادوا للمدارس والاستمرار بالعملية التعليمية بعد مفاوضات مع المجالس وتوقيع اتفاق يقضي بعدم اتخاذ أي عقوبة إدارية أو مادية بحقهم، إضافة إلى إنشاء صندوق دعم المعلمين، وأيضاً اعتبار نقابة المعلمين هي الممثل الشرعي لهم، وكان الاتفاق برعاية اللجنة الوطنية المنبثقة عن المؤتمر الوطني الأول للتعليم.

وأشار حميدي إلى أن نقابة المعلمين تم تأسيسها في 19 شباط/ فبراير 2022 عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، ووفق النظام الداخلي للنقابة فإن عملها هو الدفاع عن حقوق المعلمين ونصرة قضاياهم العامة والخاصة، ومحاولة تقديم بعض الخدمات التي تخفف من معاناة المعلم، وإقامة ورش عمل تناقش المشاكل التي تعترض المعلم والتعليم والطلاب مثل الامتحانات والمناهج.

سببت هذه التطورات غضباً لدى الأوساط الشعبية وأعلنوا تضامنهم مع المعلمين بتحقيق مطالبهم، كما شهدت مدينة إعزاز عودة الاحتجاجات والدعوة لإضراب وإيقاف العملية التعليمية رداً على القرارات الأخيرة، وسط استقالات جماعية من المعلمين، حيث كانت نسبة الخصم مرتفعة وشملت عدداً أكبر من معلمي مدارس مدينة إعزاز، على عكس مدن أخترين وصوران والباب.

المجالس تتنصل من المسؤولية

يشرف على المدارس في ريف حلب الشمالي مديريات تربية تابعة للمجلس المحلي في كل مدينة والتي تتبع بدورها للولاية التركية القريبة (إعزاز والباب تتبع لولاية كلّس، جرابلس تتبع لولاية غازي عنتاب، عفرين تتبع لولاية هاتاي)، حيث لم تتبنَ مديريات التربية قرار الخصم الأخير وتنصلت من مسؤوليتها 

وفي تعليق على هذا القرار، أوضح نقيب المعلمين محمد حميدي، أن الجهة المسؤولة عن الخصم من الرواتب مجهولة إلى الآن، وأن المجلس تهرّب من المسؤولية وادّعى أن مديرية التربية التركية خلف هذا الإجراء، والتي تصرّح عادة بأن دورها استشاري، وليس تشريعياً تنفيذياً.

وعن خطط النقابة مستقبلاً وحلولها البديلة في حال تردّي الواقع التعليمي قال حميدي: "نحن نعتمد نظام الشورى والاستبيان بين المعلمين، وأي إجراء تتخذه النقابة يكون صادراً عن إجماع المعلمين وموافقاً لتطلعاتهم وطلباتهم".

من جانبه، أكد مسؤول مجمّع المخيمات في منطقة إعزاز وأحد مؤسسي نقابة المعلمين، عمر ليلى، أن المعلمين مستمرين في تحقيق مطالبهم بغية تحسين وضع المعلم والعملية التعليمية ككل.

وبيّن ليلى لـ أورينت نت"، أن سبب توقف الإضراب السابق الذي استمرّ لمدة 40 يوماً، هو "الوعود التي تلقيناها من المجلس المحلي لإعزاز بعد عقد اتفاق يقضي بالاعتراف لنقابة المعلمين كممثل شرعي وتأسيس صندوق لدعم التعليم، ولكن المجالس تنصلت من هذا الاتفاق ولم تقدم شيئاً للمعلم رغم مُضي أكثر من شهر على الاتفاق، بل على العكس قامت بخصم من رواتب المعلمين بدلاً من تحسين الواقع التعليمي".

بدوره، أكد تميم حميد (أحد معلمي شمال حلب) لـ "أورينت نت"، أن مديري المدارس هم وراء عملية الخصم من رواتب المعلمين، الذين رفعوا غياباً لكل معلم أو إداري أضرب عن التعليم. ووفق ما قال حميد، تراوحت نسبة الخصم من منطقة لأخرى بحسب تعامل كل مدير مدرسة مع معلميه، ففي بعض المدارس لم يتم خصم من الراتب لأي معلم، لأن مدير المدرسة لم يرفع غيابهم، رغم أنهم شاركوا بالإضراب الأخير.

استقالات جماعية للمعلمين 

وعن نتائج وانعكاسات هذا القرار، قال عمر ليلى: "حتماً ستتراجع العملية التعليمية، بسبب ضعف دخل المعلم وعدم القيام بخطوات جدية لإصلاح العملية التعليمية".

واستقال عدد كبير من المعلمين المختصين (خصوصاً في المرحلة الإعدادية والثانوية) ولجؤوا الى أعمال أخرى تحقق لهم دخلاً لتأمين متطلبات معيشتهم في ظل تردّي الوضع الاقتصادي في الشمال السوري، ما استدعى المجالس بالاعتماد على معلمين أقل كفاءة لسد الحاجة، إضافة لعدم وجود حل لملف الامتحان إلى الآن، حيث يوجد مجالس محلية تقوم بامتحانات منعزلة عن المدارس التابعة للحكومة السورية المؤقتة، بحسب ليلى.

وطالب الجهات التي نصّبت نفسها مسؤولة عن الملف التعليمي وتقديم الخدمات من مجالس محلية وحكومة سورية مؤقتة، أن "تتبنى سياسة تعليمية صحية بعيداً عن إفشال محاولات إصلاح العمل التعليمي، وفي حال عدم وجودة إمكانية لإدارة هذا الملف أن تسلّمه لنقابة المعلمين، ففيها كفاءات وخبرات جيدة وقادرة على إدارة ملف التعليم في المنطقة وفق أسس صحيحة ومعايير إدارية ناجحة."

وبحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، يبلغ عدد الأطفال خارج مقاعد الدراسة في سوريا نحو 2.4 مليون طفل، بينهم 40% من الفتيات، بينما وصل عدم صلاحية المدارس، إلى مدرسة من بين كل 3 مدارس، نتيجة تدمير المدارس أو استخدامها لأغراض سياسية أو مراكز إيواء للنازحين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات