اللغة ليست السبب الأساسي.. لماذا يعزف السوريون عن المشافي الحكومية في تركيا؟

اللغة ليست السبب الأساسي.. لماذا يعزف السوريون عن المشافي الحكومية في تركيا؟

يتميّز القطاع الصحي في تركيا بتطوره وبإمكانياته الكبيرة، حيث يضم أحدث الأجهزة الطبية والمعدّات التقنية، وتتميّز تركيا أيضاً بوجود المئات من المستشفيات الجديدة والحديثة بمعايير دولية، والتي تفوق قدراتها الاستيعابية والفنية قدرات مثيلاتها من الدول الأوروبية، حيث إنها مقصد آلاف السياح من الخارج، زيادة عن خدمتها لملايين المواطنين والآف المقيمين على أراضيها. 

لكن رغم هذا التطوّر الكبير في هذه القطاع إلا أن هناك شريحة واسعة من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا باتوا يعانون من صعوبات عديدة في الحصول على الرعاية الصحية، وذلك لجملة من العوامل والظروف، التي حوّلت مقصد هذه الفئة إلى "العيادات البديلة"، والتي تفتقر في كثير من حالاتها إلى إجراءات السلامة الوقائية، فضلاً عن الأدوات والأجهزة القديمة في بعض الأحيان، والتي لا تقارن بحال من الأحوال بإمكانات المشافي العامة، ناهيك عن غيابها عن أعين الجهات الرقابيّة المختصة لافتقادها إلى التراخيص اللازمة لاعتبارات قانونية عديدة.

عنصرية ومعاملة سيئة

نارين سيدة سوريّة لاجئة تحت الحماية المؤقتة، تعيش في ولاية بورصة (شمال غرب تركيا)، تقول لأورينت نت: " أنا امرأة مريضة، وهناك نوع من الحقن، لابد أن أقوم بأخذها عن طريق المستشفى، وفي موعد الحقنة لم أجد طبيبي المتابع لحالتي، ومن شدة الألم طلبت من الممرضة أن تساعدني، فأرسلتني إلى طبيب آخر في الغرفة المجاورة، أملاً أن يعطيني إياها بدلاً عن طبيبي". 

ذهبت نارين إليه وتحدثت معه، وكان برفقتها ابنها (17 عاماً) يقوم بالترجمة ويشرح للطبيب ما تعثّرت والدته بشرحه، تقول نارين: "لمجرد أننّي كررت طلبي على الطبيب، صرخ علينا قائلاً غادروا حالاً، ثم بدأ يتمتم بأشياء لا نعلم ما الذي دعاه لقولها".

تختم نارين بتأثّرٍ بادٍ عليها: "قام الطبيب بالمبادرة بالشكوى علينا لمجرد أنّ ابني ذكّره بأننا بشر ولسنا حيوانات، ثم تطوّر الأمر بوتيرة سريعة حتى وصل القضاء، وبعد تبرئتنا من قبل القضاء، قامت إدارة الهجرة باحتجاز ابني لديها تمهيداً لترحيله".

خديجة لاجئة سورية أخرى تقيم في ولاية "شانلي أورفا" تحدّثت لأورينت نت واصفةً لنا كمية الألم والإحساس بالانزعاج، عندما توجّهت لإحدى المستشفيات الحكومية المتخصصة بعلاج الأسنان، كان لديها ألم لا يطاق في الفك السفلي، وقامت بحجز موعد لدى مشفى الأسنان الحكومي، وأُعطيت موعداً بعد أسبوع من تاريخ الحجز بسبب الازدحام وامتلاء المواعيد. 

تقول: "رغم أنّ الألم لا يحتمل، لكنّي كنت مجبرة على الانتظار إلى تاريخ الموعد، وقمت بتسكين الوجع مؤقتاً، لكن هذا الخيار ليس بحل وكان يستنفد طاقاتي، واحتملت كثيراً حتى أبلغ الموعد المحدد".

مع بلوغ الموعد المحدد ودخولها للطبيبة، تفاجأت باكتفاء الطبيبة وإعطائها علاجاً في وصفة طبية بدون أي تدابير أخرى، فيما لم تستغرب أنّ يكون العلاج مضاداً حيوياً ومسكّناً ليس أكثر، بحسب خديجة.

تكررت عمليات الحجز والمراجعة مدّة شهر، وكل مرّة تتحجّج الطبيبة بسبب وبلا سبب واضح، تارة لأني لم أحجزاً موعد، وتارة بأن هناك التهاباً، وتكرّر صرف دواء المضادات والمسكنات، وفي آخر مرة تم إلغاء الموعد بدون معرفة السبب.

تنهي السيدة حديثها لنا بقولها "ومع عدم توفر الإمكانية المادية لكني اضطررت أنا وزوجي للذهاب إلى عيادة طبيب سوري خاص، (وهي شقة سكنية مجهّزة بشكل بسيط لتكون عيادة سنّية، وعادةً ما تكون غير مرخّصة لمزاولة المهنة بسبب الصعوبات في نظام تعديل الشهادات للأجانب في تركيا وأسباب أخرى) لإنهاء معاناتي مع الألم، وأنهيت العلاج في جلسة واحدة".

دلال سيّدة سورية، مقيمة في إحدى الولايات التركية، وكغيرها من السيدات الحوامل، توجهت مع زوجها في ساعات الولادة الأخيرة لمشفى حكومي عام، لم تتوقع دلال أنّ مراجعتها للمستشفى هي بداية ساعات الولادة، فلم تحظّر مستلزمات الطفل وغيرها من المستلزمات الخاصة بالولادة، تقول: "تم التعامل معي بطريقة سيئة من بعض طاقم القسم، في حين أنّي مرتعدة وخائفة من الولادة"، حيث إن دلال تعيش في هذه الولاية بدون قريبات من النساء ليكنّ معها في هذه الساعات العصيبة، ويقمن بالتخفيف من قلقها في ولادتها الأولى.

تضيف دلال "مرّت عليّ ساعات عدّة في صالة كبيرة باردة مع عدد من النساء اللواتي ينتظرنّ دورهنّ؛ حتى كسر هذا الانتظار صراخ إحدى القابلات عليّ بعبارة " Suriyeli misiniz " والتي تعني (هل أنت سورية؟) عبارة لم أفهم معناها بادئ الأمر لأني لاجئة جديدة ولا أعرف اللغة التركية".

وتكمل حديثها واصفة ساعة الولادة، حيث بدأ الصراخ من الكادر الذي يشرف على أكثر من خمس ولادات بنفس الوقت، وقطع هذا الصراخ عبارة "Suriyeli sus" (تعني يا سورية اصمتي)، حين أبديت القليل من الألم، مع ضرب على الساقين (بزعمهم خوفهم على الجنين)، وتكرّرت هذه الصرخات حتى لحظات ما بعد الولادة مع نظرات حادة، تشبّهها دلال بأنها عبارات منطوقة بلسان الحال "ما الذي جاء بكم إلى بلدنا لتلدوا هنا؟".

حسد وصعوبة الحصول على موعد

الدكتور سعيد (اسم مستعار)، طبيب سوري حاصل على الجنسية التركية، ومتعاقد مع مديرية الصحة في إحدى الولايات جنوب البلاد، يصف جانباً من معاناة اللاجئين لكون أنّ طبيعة عمله في نفس ميدان تقريرنا، يقول لأورينت نت: "يقوم بعض الأطباء بإعطاء المرضى اللاجئين وصفات ورقية دون وضع الكود اللازم (رمز يُكتب على الوصفة ليتم صرف الدواء مجاناً)، وذلك كي يضطر المريض أن يصرفها بعد دفع ثمنها، لأن الكثير منهم يتجنب الوقوع بإشكاليات مع أحد". 

ويضيف لنا أنهم يفعلون هذا الفعل من باب "الحسد والعنصرية"، ويؤكّد على أنّ مايشاهده من سلوكيّات خاطئة يقوم بها بعض الأطباء الأتراك تنبع من جهل واعتقاد بأن الدولة التركية والشعب التركي هو من يقوم بتسديد فاتورة المرضى اللاجئين. 

اطّلعت أورينت نت على قصّة حدثت في مركز صحي لللاجئين يتبع لوزارة الصحة التركية، بطلها أبو أحمد وهو لاجئ سوري يقيم في ولاية "غازي عنتاب"، يؤكد فيها على أنه مرَّ بساعات عدّة لكنها كانت سنين طويلة، بسبب تشخيص خاطئ بل "استهتار بمشاعر الناس" على حد وصفه، حين قام بمراجعة روتينية لمرضه بنزلة برد والتهاب في الحلق، لكن الطبيب السوري الموظف في المركز كان له رأيٌ مختلف، حيث شخّص أعراض المرض البادية على الشاب بأنها سرطان، أو ربما مرض السل، كون أنّ الشاب تحدّث عن وجود أثر للدم مع السّعال. 

هذه الفترة كانت كفيلة بقلب حياة الشاب رأساً على عقب، لم يستطع الشاب معها مقاومة فكرة وجود مرض قد يسبّب له الموت، فقام بمراجعة المستشفى القريبة فوراً لعله يجد من يطمئنه، لكن لسوء حظّه كان كادر الأطباء في حالة إضراب عن العمل لأسباب تتعلق بالرواتب وساعات العمل، فُطلب منه العودة لكون حالته حالة غير إسعافية وليس لديه موعد مسبق. 

يؤكد أبو أحمد لنا "لولا مساعدة مترجم سوري وتأثره بقصتي لكنت أنا في حال لايعلمه إلا الله"، حيث ساعده بدون أخذ موعد من أجل التصوير الطبقي المحوري لمنطقة الحنجرة والصدر وعرضها على طبيب مختص في قسم الإسعاف وقام بنفي أي مشكلة تتعلق بالسرطان أوغيره، وكتب له وصفة دواء مكوّنة من مضادات حيوية ومسكنات فقط. 

في حين قام موقع أورينت نت بزيارة عدّة مراكز"العيادات البديلة"، إمّا مرخّصة بتراخيص ومسميات لا تتعلق بنوعية الخدمات الطبية المقدمة فيها، أو أنها سرّية وغير مرخّصة بالمرّة وتعمل خارج ساعات الدوام الرسمي لفرق الرّقابة الصحّية، يُداوم فيها أطباء سوريون من اختصاصات متعّددة وعليها إقبال كبير من اللاجئين السوريين.

أجرينا لقاءات مع عدد من المرضى في هذه المراكز، وتم سؤالهم عن سبب عزوفهم عن الذهاب إلى المشافي العامّة المجّانية، واللجوء إلى مراكز تقدم خدمات مأجورة ولا تملك الحد الأدنى للمعايير المطلوبة، فكانت أبرز الإجابات هي صعوبات التواصل لعدم إتقان اللغة التركية، وعدم اختيار مترجمين مناسبين وتعامل قسم منهم بشكل سيّئ مع المرضى اللاجئين.

إضافة للازدحام على عدد من الأقسام الرئيسية كالداخليّة والعظمية والعصبّية والنساء والأطفال من المواطنين الأتراك، وعدم توفر المواعيد القريبة.

ناهيك عن سوء معاملة بعض عناصر الكادر الطبّي من ممرّضين وأطبّاء وخاصّة في بداية الأسبوع، وتفضيل بعض الأطباء الأتراك البدء بعلاج المواطنين أولاً على حساب غيرهم من المرضى كما لوحظ تحديداً - بحسب وصفهم - في فترات وباء كورونا.

أيضاً قناعة بعض المرضى السوريين بعدم مهارة بعض الأطباء الأتراك، واعتمادهم في التشخيص على السيستم بدلاً من التشخيص السريري التقليدي.

"سيستم يوك"

"سيستم يوك"، وهي العبارة الأكثر شهرة بين جمهور اللاجئين، وتستخدم بحسب وصفهم في الأوقات التي يتهرب فيها الكادر من ضغوط العمل، لأخذ فرصة للراحة، أو بسبب الاستهتار بالمرضى وعدم المبالاة وهذا ما أكده أكثر من واحد من المرضى لأورينت نت.

عدم تجرؤ بعض الأطباء السوريين في"المراكز الصحية الأولية" على كتابة وصفات دوائية ذات فاعلية وجرعات بعيار ملائم للمرض بسبب خوفهم أن تحسب عليهم سوء استخدام المنصب الوظيفي، بحسب زعم العيّنة التي تحدثت إلينا، وهناك أسباب فردية أخرى لاتعبّر عن حالة عامّة ولا تعتبر رأياً عاماً، وإنما هي حالات استثنائية لم نتطرّق لها في هذا التقرير.

جدير بالذكر أنّ هناك فئة جيّدة ممن التقينا بهم عبّروا عن عدم استيائهم الكامل، لكون أنّ بعض المرّات تكون الاستجابة لهم أفضل، إمّا لتغيّر الكوادر وإمّا لعدم وجود ضغوطات على الأقسام، أو بسبب إتقان اللغة التركية من قبل المراجعين، أو بسبب المزاج العام في البلاد والذي يتأثر بتصريحات السياسيّين التي تطلّ برأسها بين فينة وأخرى.

التعليقات (2)

    رامي خوكاز

    ·منذ سنة 3 أشهر
    بلادي بلادي بلادي... لك حبي وفؤادي

    سوري موجوع

    ·منذ سنة 3 أشهر
    اسوء معاملة على الاطلاق من الاطباء عامة ولكي ازيد قائلا السوريين يخافون من الذهاب الى المشافي التركي في الامراض البسيطة والامراض الصعبة خوفا من قتلهم بوصفة خاطئىة او اعطائم تشخيص او دواء يتسبب بتدهور حالتهم اشتكي من نزيف بالثة من 5 سنوات ولا اجد الحل زوجتي لديها فقر دم منذ 7 اعوام نذهب ويعطونها فيتامين فتركنا المشافي والدواء واصبحنا نكتم الالم بداخنا خوفنا على حياتنا وحفاظا على كرامتنا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات