هل تشن إسرائيل حرباً في الجنوب السوري؟

هل تشن إسرائيل حرباً في الجنوب السوري؟

مما لا شك فيه أن الكمين الروسي أوقع إسرائيل في مطب سوء التقديرات والتوقعات عندما وثقت بالجانب الروسي ودعم فكرة عودة النظام السوري للجنوب والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف دعمها لفصائل الجيش الحر مقابل إبعاد كل ميليشيات إيران عن حدود الجولان والحدود الأردنية لمسافة 85 كم، في وقت باتت فيه أدوات إيران وحزب الله تتموضع في جباتا الخشب ومواقع أخرى لا تبعد أكثر من عشرات الأمتار عن خط فض الاشتباك المعلن عام 1974 في هضبة الجولان المحتلة عبر الأمم المتحدة، وأن كافة مقرات كتائب وألوية الحيطة باتت مرتعاً لعناصر حزب الله، وأن أقسام الاستطلاع بكل القوات السورية العاملة في نطاق الحيطة باتت أدوات مسخر عملها لصالح حزب الله عبر جمع المعلومات عن تموضعات وتنقلات وتحركات الجيش الإسرائيلي، مما يشكل حالة من الضغط والترقب والإرهاق للجيش الإسرائيلي، وهذا ما دفع أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للقيام بإلقاء المنشورات على مقربة من الوحدات السورية تنقل تهديدات وبالأسماء لقائد الفرقة وقادة الألوية والكتائب من خطورة إيواء عناصر تتبع لإيران وحزب الله في الشريط الجولاني.

مع ما يحصل في جبل العرب من استفزازات أمنية من قبل أجهزة مخابرات الأسد، ومع ارتفاع منسوب المواجهة بعد الحالة التي وصل لها أهل السويداء، وبحكم وجود جزء من الموحدين الدروز في الجولان المحتل، تحدّثت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن احتمال اندلاع صراع مسلح من نوع جديد جنوب سوريا قد تجد إسرائيل نفسها طرفاً فيه في وقت قريب.

أحفاد قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش الذين جنبوا أنفسهم حمل السلاح ضد نظام دمشق لكنهم حملوه لحماية أهلهم في جبل العرب، وجنبوا أولادهم الانخراط بجيش قاتل لشعبه برغم كل الضغوط التي مورست عليهم، لم يسلموا من تعديات النظام التي وصلت لحد التآمر على أهل السويداء عندما قامت استخباراته بنقل الدواعش من منطقة وادي اليرموك إلى قرى درزية تسببت بمقتل وجرح وأسر العشرات في منتصف عام 2018، إضافة لكل العصابات التي شكلها اللواء كفاح ملحم والعميد لؤي العلي في أجهزة مخابرات الأسد والتي حاولت اختراق المجتمع الدرزي، ومحاولة تشويه مواقف أهالي جبل العرب والضغط عليهم لإعادة إرسال عشرات الآلاف من شبابهم الممتنعين عن الالتحاق بجيش النظام.

الطائفة الدرزية تُشكل نقطة ارتكاز قوية لنظام الأسد الذي سعى منذ انطلاق الثورة السورية لطرح راية حماية الأقليات كشعار يتلطى خلفه ويساوم عليه داخلياً وخارجياً على بقائه بالسلطة، واليوم تخرج من يده تلك الورقة وتنفضح أجنداته كما سبق وخرجت منه ورقة المسيحيين، وحتى ورقة الطائفة العلوية مع الواقع الذي وصل إليه أهل الساحل السوري باتت تتفلت منه عبر مواقف لناشطين علويين باتت علنية تفضح كذب وخداع نظام الأسد اتجاه الطائفة، وأنه ورطهم بحرب مع الشعب السوري وقتل شبابهم ومزق النسيج الاجتماعي لطائفتهم كما مزق النسيج الاجتماعي السوري، وما قاله الناشط من مدينة جبلة أمين صقر حسن هو غيض من فيض بات يختلج نفوس العلويين في الساحل الساحلي معقل نظام الأسد.  

وحدة السهل والجبل التي كانت وعادت بين أهالي محافظة السويداء وسهل حوران تقلق نظام الأسد، وتغلغل ميليشيات إيران وحزب الله والفرقة الرابعة أيضاً يقلق أهل الجنوب الذين وجدوا فيه احتلالاً آخر يضاف لاحتلال جيش الأسد في الجنوب السوري، خاصة مع إعلان الحرس الثوري الإيراني نيته إقامة قاعدة عسكرية في محافظة السويداء يجمع فيها شتات ميليشياته على غرار قاعدة الإمام علي في مدينة الميادين بمحافظة دير الزور، وقاعدة حبوبة في محافظة حلب، والمعلومات تؤكد بالفعل وصول القاعدة قوات إيرانية مدججة بأسلحة ثقيلة ومزودة بصواريخ قصيرة المدى، وفي محاولة للتمويه ارتدى عناصر الميليشيات الموالية لإيران ملابس مدنية لإخفاء انتمائهم العسكري.

الصدامات مع نظام الأسد التي وصلت لحد الاشتباك بالسلاح في بعض المواقع داخل مدينة السويداء، ومواقف رجال الكرامة وعموم أهل السويداء، وما حصل أمام مبنى المحافظة ومبنى قيادة الشرطة بالمحافظة أعطت صورة واضحة عن مدى الاحتقان في نفوس الموحدين الدروز، وأن ساعة المواجهة قادمة، وأن تجنيد بعض العصابات من أبناء المحافظة أمثال راجي فلحوط ومن على شاكلته لن يستطيع أن يغير من الهوية الوطنية للدروز، ومن موقفهم الداعم للثورة السورية بدليل الشعارات التي صدحت مؤخراً تطالب بإسقاط نظام الأسد وتغييره وتطالب بخروج كل الميليشيات الإيرانية وميليشيات حزب الله من المحافظة ولجم أعمالهم الإجرامية ووقف تصنيع وتجارة المخدرات بالمحافظة، ولو عدنا بالتاريخ للبدايات لا يمكن أن ننسى المواقف السياسية لكبرى الشخصيات الدرزية أمثال منتهى الأطرش وغيرها كثر، ولا يمكن أن ننسى الملازم أول خلدون زين الدين وكتيبته (كتيبة سلطان باشا الأطرش) التي ضمها للجيش السوري الحر، ولا يمكن أن ننسى موقف أهل الضابط خلدون الذين رفضوا كل ضغوط استخبارات الأسد للخروج ببيان تبرؤ أو استنكار لما أعلنه ابنهم، وحتى ما اقترحته موسكو مؤخراً رفضه أهل السويداء، تقول صحيفة "هاآرتس" العبرية إن موسكو طلبت من الشيخ يحيى الحجار، قائد ما يُسمى قوات الشرف وهي أكبر قوة عسكرية درزية في المنطقة، تجنيد 1500 مقاتل للتعاون في موضوع مواجهة تجارة المخدرات، لكنه رفض عملاً بمبدأ الحياد الذي اعتمده الدروز، لكن هذا الموقف لن يمنع الدروز من مكافحة تهريب المخدرات واعتقال المهربين.

ما تعهدت به روسيا لتل أبيب مقابل وقف ضرباتها لمواقع إيرانية ومقابل دعم عودة النظام للجنوب بإبعاد ميليشيات إيران وحزب الله عن الجنوب السوري وإحلال جيش نظام الأسد بدلاً عنهم لم يطبق لعجز روسي أو لإصرار إيراني على التواجد بالجنوب، ومن خرج بلباس الحرس الثوري في مرحلة ما من الجنوب عاد بلباس الفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق بشار الأسد الذي ينحاز كلياً للتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني أكثر من ارتباطه بالجيش الأسدي الذي يتبع له، وحتى الدوريات الروسية في الجولان السوري باتت لا ترى أو تغض الطرف عن كل التواجد الإيراني وتواجد عناصر حزب الله على حدود الجولان، التواجد الذي بات بعشرات المواقع التي يتمركزون بها وعلى مرأى ومسمع الروس في الجولان وفي محافظتي درعا والسويداء، وهذا ما دفع بالجيش الإسرائيلي ولأكثر من مرة إلى العبور لداخل المنطقة منزوعة السلاح في الجولان للقيام بأعمال تحصين أو تفجير مواقع تتبع لإيران كان آخرها منذ أيام عندما توغلت قوات عسكرية وهندسية إسرائيلية وقامت ببعض الأعمال ثم انسحبت، وبعدها ما حصل مؤخراً في تل خضر ومزرعة ومدجنة قرب بلدة طفس، تلك المواقع مع أنفاق جعلت منها إيران قاعدة لتشغيل وإطلاق طائرات "درون" فدمرتها إسرائيل على الفور وأخفى الأسد وإيران الخبر، وهناك مواقع أخرى مشابهة تم وضعها على قائمة الاستهداف الإسرائيلي.

المخاوف الأمنية الإسرائيلية ومخاوف الأردن من تفشي تجارة المخدرات وجعل أراضيها بلد عبور نحو الخليج هو ما يقلق تلك الأطراف، خاصة مع ازدياد عمليات إنشاء معامل كبس وتصنيع المخدرات على الأراضي السورية، وبعلم نظام بشار الأسد وبتعليمات من طهران والضاحية الجنوبية في بيروت، ومع ازدياد عمليات تهريب المخدرات نحو الأراضي الأردنية التي ترافقت مع زيادة التموضع العسكري لإيران وحزب الله في مقابل الجولان، وإسرائيل تؤكد أن استقرار الوضع على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية بات هشاً وقابلاً للانفجار، وبحسب صحيفة "هاآرتس": (أن إطلاق صاروخ عرضي باتجاه أراضيها أو أي استفزاز من نوع آخر سيكون كافياً لجرها لهذا الصراع وربما حتى تبادل الضربات مع أحد الطرفين).

عودة بنيامين نتنياهو للسلطة الذي يؤمن بنظرية أن إيران لا تفهم إلا بلغة القوة دفعت واشنطن لإرسال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى تل أبيب للتباحث مع رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بشأن برنامج إيران النووي والتهديدات التي تشكلها طهران، هذا ما تم إعلانه كهدف للزيارة لكن ضمنياً هدفت إيصال رسالة أمريكية أنها ضد أي عملية إسرائيلية في الجنوب السوري لأنها ستعيد سيناريو الجنوب اللبناني، لأن واشنطن لا تريد مبرر يتسلق عليه نظام دمشق من خلال شعارات المقاومة التي سيقفز عليها بشار الأسد لتأمين استمراره بالسلطة، لكن مبررات تل أبيب تؤكد أن تفاهمات نتنياهو مع بوتين تنص أنه في حال فشل روسيا بتحجيم الدور الإيراني في سوريا، وبإبعاد ميليشياتها عن حدود الأردن والجولان لمسافة 85 كم، فإن روسيا لا تمانع عملية عسكرية إسرائيلية محدودة في الجنوب السوري لا تتعدى الخطوط الحمراء في دير عدس وعلى حدود خط الدفاع الثاني عن دمشق.

فهل تفعلها تل أبيب؟

التعليقات (1)

    Asyrian

    ·منذ سنة شهرين
    مقال رائع ولكن الصورة معبرة وتشرح كل شيء... نظام الأسد هو الابن المدلل لامه اسرائيل وأبيه اميركا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات