ماذا يريد النظام السوري؟

ماذا يريد النظام السوري؟

أظهر زلزال السادس من شباط مدى برغماتية النظام السوري على المستوى الداخلي والخارجي، حيث استغل موضوع العقوبات على سوريا بخطابه، الموجه نحو السوريين في مناطقه، والهادف لتبرئة نفسه من فشله في الاستجابة لتداعيات الزلزال، وأظهر نشاطاً دبلوماسياً خارجياً في محاولة منه لفرض قبوله كما هو دون أن يتنازل ولو بكلمة، فما الذي يريده النظام في الوقت الحالي؟

منذ مدة طويلة نسبياً يعاني النظام السوري من أزمة اقتصادية حادة، وزاد من حدتها الزلزال الأخير، إلا أن تداعيات الزلزال أظهرت سؤالاً قديماً-جديداً وهو: هل النظام السوري نظام شرعي؟ وذلك بالنظر لسلوكه عقب الزلزال.

بكل بساطة، النظام السوري غير شرعي، فالشرعية مفهوم نسبي، أي إنه يمكن لأي نظام حكم أن يكون شرعيًا في ظروف معينة وغير شرعي في ظروف أخرى، من جهة أخرى فإن شرعية أي نظام حكم تتعلق بثلاثة مكونات بنيوية، أولها: المكون الدستوري الذي يعني أن النظام الحاكم يكون شرعيًا إذا كان يلتزم بالدستور ويحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويتم تنفيذه بطريقة شفافة وعادلة.

المكون الثاني، التمثيل: وهو متعلق بمدى اقتناع المحكومين بالذين يمثلونهم في السلطة وقبولهم بهم، والأمر المهم هنا هو أن تداعي شبح جبروت النظام في لاوعي السوريين، يجعلهم يظهرون الطاعة له رغم كرههم له، وهذا ما يريده النظام؛ فليكرهوا شريطة أن يطيعوا، كما قال (كاليغولا) الطاغية الروماني.

المكون الثالث، عنصر الإنجاز: وهو متعلق بمدى إنجاز السلطة لما هو منتظر منها من قبل المحكومين، وهنا يطرح السؤال المهم المتعلق بما قدمه النظام لمنكوبي زلزال السادس من شباط، وقد رأينا المنجز الذي أنجزه النظام لمساعدة المنكوبين.

بشكل عام، يعد مفهوم الشرعية من المفاهيم الاجتماعية المستوردة إلى علم السياسة، يرى "ماكس فيبر" وأثناء حديثه عن حكومة فيورباخ، ثلاثة أنواع للشرعية، وهي: الكارزماتية، والتقليدية، والقانونية.

 وفي العام 1972، أدخل مايكل هدسن المفهوم إلى السياسة العربية عندما تحدث عن الشرعية العربية، وقد تحدث عن تقسيمات ماكس فيبر للشرعية، وخاصة التقليدية والكارزماتية، مع غياب الحديث عن الشرعية القانونية/ الدستورية التي لا يمكن أن تتم إلا بانتخابات حرة ونزيهة، فالمفهوم المعاصر للشرعية لا يتم إلا عن طريق الانتخابات.

هنا قد يسأل البعض: بعد السلوك المتناغم مع النظام والذي أظهرته الأمم المتحدة عقب الزلزال، ألا يدل ذلك على شرعية النظام؟ يمكن القول إنه ومنذ الثمانينيات، والأمم المتحدة تتعامل بشكل تقليدي مع فكرة شرعية الأنظمة الحاكمة.

فبما أن النظام السوري يحتل مقعده في الأمم المتحدة؛ فهو يمثل سوريا، وهو نظام شرعي، بغض النظر عن انتهاكاته الجسيمة بحق السوريين، قتل السوريين بكل أنواع الأسلحة، وإغراق الجوار بالمخدرات، لا يساوي شيء في ميزان الأمم المتحدة، طالما أن النظام مازال على مقعده فيها.

من جهة أخرى، النظام يعلم أنه غير شرعي، ويعلم أنه مجرم حرب، ويعلم أنه ليس من الإنسانية في شيء، وبالتالي الحديث عن أن النظام يحاول استعادة شرعيته هو افتراض ليس في محله، وهذا الأمر خارج حسابات النظام.

إن تعقيد القضية السورية يجعلها لا تشبه أي حالة أخرى، فمثلاً عندما أرادت الولايات المتحدة إسقاط نظام صدام حسين، لم تلقِ بالاً للأمم المتحدة، وعمليات حلف شمال الأطلسي في ليبيا قد تمت بسرعة، ولم تخضع لحسابات الدول الأطراف في الأزمة الليبية، والأمثلة كثيرة لمثل هذه الحالات.

بينما في الحالة السورية فالأمر مختلف جداً، لأن تعقيد المسألة السورية نابع من عدة أمور، منها: المجتمع السوري بحد ذاته شديد التعقيد والتركيب، والنظام يقوم على نمط قاس من القمع الأمني، وعلى "تداخل الأمن والسياسة والاقتصاد، بالإضافة إلى أن تأثير العوامل الإقليمية والدولية يزداد كلما طال عمر الثورة، و"النظام يعتمد على تلك العوامل اعتماداً شبه كامل".

نتيجة لما سبق، فالنظام لا يبحث عن شرعيته، إذاً ماذا يريد؟ نظام من نوع النظام السوري يكره التنازلات، والملاحظ من سلوك النظام منذ العام 2011 أنه لم يقدم تنازلاً ولو بكلمة، ولن يقدم أي تنازل لكل من يحاول التطبيع معه.

ومن جهة أخرى، النظام ليس معنياً بالعداء لأي دولة متدخلة في الشأن السوري أو لأي دولة عربية، بل يظهر برغماتية قصوى في التعامل مع نفوذ كل دولة متدخلة في القضية السورية، لكن ما يريده النظام أن يقبله الجميع كما هو، وأن يتم إشراكه في أي مخطط سياسي أو اقتصادي، أي أن يتم اعتباره جزءاً مهماً وضرورياً لأي تسوية قادمة.

يتهرب النظام من أي حل سياسي، ويعرقله، ويميع أي مبادرة للحل، ويمكن القول: إن النظام في هذه الحالة يفكر بعقلية البديل، أي إنه يستفيد من الجواب على سؤال: من البديل؟ وهنا نسأل: هل المعارضة السورية اليوم تمتلك الرؤية والقدرة على أن تكون البديل عن النظام السوري؟ هل الجيش الوطني لديه القدرة على أن يملأ الفراغ الذي سيتركه النظام؟ هل الحكومة المؤقتة قادرة على إدارة المؤسسات السورية داخلياً وخارجياً؟ الواقع يقول: لا، فليس لديهم أي رؤية مستقبلية لحكم/لإدارة سوريا في حال سقوط النظام.

هنا يقول النظام للعالم، أنا الأفضل، وأنا الأجدر برعاية مصالحكم في سوريا، وعليكم قبولي كما أنا، وليس لدي شيء لأقدمه لكم.

أخيراً، من أكثر الأمور التي نحتاج للكتابة فيها، ودراستها، وتفكيكها؛ هي عقلية النظام السوري، ما زلنا نجهل داخلية هذا النظام، وكيف يفكر، فهل نحن بحاجة لثورة جديدة تخلخل هذه المنظومة أكثر من ذلك؟ أم ننتظر الحسم الدولي؟ أم نحتاج فقط لتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية فقط؟

التعليقات (3)

    نهى نهى

    ·منذ سنة شهر
    المؤكد بستطيع الجيش الوطني السوري ملأ الفراغ في حال سقوط جيش بشار المجرم الطائفي هم ابناء سوريا والشعب السوري هو وحده يقرر من يحكمه عن طريق الانتخابات ديمقراطية تحت اشراف دولي

    محب بلاد الشام

    ·منذ سنة شهر
    النظام السوري مدعوم من الدولة العميقة في العالم ، وهم يدعمون إيران في فعل كل ما تريده في سوريا ، ويريدون إحداث انقسام أكبر في قضية السنة والشيعة. إسرائيل ، إيران ، روسيا ، أمريكا ، بالإضافة إلى النظام السوري ، كلهم سعداء بالوضع

    أحمد محمد عليوي

    ·منذ سنة شهر
    السلام عليكم أستاذ عيسى نحتاج ثورة على المعارضة أكثر ما نحتاجه بثورة جديدة على النظام السوري
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات