شروط صعبة تنسف اللقاء الوزاري في موسكو

شروط صعبة تنسف اللقاء الوزاري في موسكو

لا يمكن فصل استدارة بعض الدول العربية والإقليمية نحو دمشق وعمليات إعادة تموضعها السياسي بمعزل عما يحصل في موسكو، وبالتعقيد الذي رافق عقد لقاء رباعي تنسيقي بين دول تقول إنها تبحث عن حل سوري كـ روسيا وتركيا وإيران وسوريا على مستوى نواب وزراء الخارجية، هذا الاجتماع الذي كان مؤملاً منه وضع جدول أولي للقاء يضم وزراء الخارجية ثم يعقبه لقاء قمة يجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.


لكن وبرغم التصريحات الروسية التي طالبت بأن تكون تلك الاجتماعات دون شروط مسبقة، إلا أن روسيا أول من وضعت شروطها على الطاولة عندما أكدت أنها تدعم بعض شروط دمشق الخاصة بمواقيت وطريقة جدولة خروج الجيش التركي من الأراضي السورية، واكتفاء تركيا بتطبيق اتفاق أضنة (المعدل) وفقاً لما تثمر عنه محادثات ستجري بين وزارتي الدفاع السورية والتركية، ولتضيف موسكو شروطاً أخرى من ضمنها ضرورة أن تختتم المحادثات التركية_ السورية بفتح العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأن موسكو لا تُمانع بضمان تطبيق اتفاق أضنة الجديد شرط مشاركة قواتها بنقاط مشتركة مع الجيش التركي على الحدود السورية التركية، لكن أهم شروط موسكو كانت عبر الطلب بمشاركة فاعلة لمؤسساتها بعملية إعادة إعمار سوريا، والاستفادة من المليارات التي سيتم ضخها بهذا الخصوص، وأن تلتزم المؤسسات السورية بحصرية الشراء من السوق الروسية لما تحتاجه في عملية إعادة الإعمار.


نظام دمشق المدرك تماماً لحاجة بقية الأطراف لوجوده في اجتماع موسكو وخاصة الجانب التركي سرّب بعض شروطه لموسكو ولبقية الأطراف بأنه لا يمانع بعملية عسكرية تركية في شمال شرق سوريا ضد قوات سوريا الديموقراطية "قسد" وحليفها حزب العمال الكوردستاني، لكن شرط أن يسبق العملية العسكرية شرق الفرات انسحاب الجيش التركي من شمال غرب سوريا، أو جدولة عملية الانسحاب خلال مدة زمنية لا تتعدى الشهور الأربعة مع شرط اقتصادي يشمل سحب تركيا لمؤسساتها الخدمية من مناطق المعارضة السورية كخدمات البريد والكهرباء وغيرها، ووقف التداول بالليرة التركية وضرورة عودة المعابر الحدودية للسلطات الأسدية وبجهود من أنقرة عبر ممارسة ضغوطها المختلفة على فصائل الجيش الوطني لإجباره على الانسحاب والتسليم.


إيران صاحبة التأثير الأكبر على دمشق أيضاً وضعت شروطها بأنها لا تمانع عملية عسكرية تركية في شرق الفرات ضد قوات "قسد" بل أكدت مشاركتها وطلبت أيضاً المشاركة بأي عملية عسكرية لجيش النظام ضد مناطق إدلب لاستعادتها من سيطرة هيئة تحرير الشام وإعادة معبر باب الهوى لسلطة النظام دون اعتراض تركي، لكن إيران زادت على تلك المطالب بما لم يطلبه نظام دمشق عندما أكدت على ضرورة تسليم تركيا لبعض المعارضين السياسيين والعسكريين الموجودين على أراضيها لسلطات النظام لمحاكمتهم بتهمة الخيانة.


تركيا المثقلة بهموم اقتصادية وانتخابية لقرابة الـ10 ملايين لاجئ ونازح سوري يوجد قسمهم الأكبر في مناطق النفوذ التركي في شمال غرب سوريا والباقي على أراضيها تريد التخلص من هذا العبء الذي أثقل اقتصادها وأوجد ورقة انتخابية ضاغطة بيد خصومها السياسيين بالداخل التركي، وتريد التخلص منها عبر فتح أقنية الاتصال مع دمشق وحرمان المعارضة التركية من تلك الأوراق، وبالتالي وأمام ضرورة التخلص من الأرق "القسدي" في شمال شرق سوريا كضرورة تفرضها موجبات الأمن القومي التركي، وأمام ملف الانتخابات التركية القادمة وأمام الحاجة لدمشق بتلك الملفات لا ضير بأن تتنازل تركيا عن بعض أوراقها في الملف السوري طالما أنها بالنهاية ليست طامحة بضم أراضٍ جديدة لجغرافيتها ولا مصلحة لها باستمرار الواقع الحالي وانتظار الحل الدولي عبر القرار 2254 الذي قد يحتاج لسنوات طويلة لتطبيقه وفق الرؤية الأمريكية، وهذا ما يُقلق أنقرة ويدفعها للتنسيق مع موسكو وطهران والتقرب من دمشق.


موسكو المثقلة بالحرب الأوكرانية وتريد ضمان بقاء الحلفاء حولها تُدرك تماماً أن رفض الأسد للقاء أردوغان كان بإيحاء إيراني، ورغبة مشتركة بين طهران ودمشق لتوظيف الملف السوري في إطار الاتفاق السعودي الإيراني المعلن عنه مؤخراً في العاشر من آذار/ مارس المنصرم، خاصة مع الستين يوماً التي أُعطيت للاتفاق كمرحلة اختبار النوايا لوضعه في إطار التطبيق والتنفيذ، وأن طهران ترغب بالاستفادة من الملف السوري عربياً وبعيداً عن موسكو التي غضت الطرف عن الرفض المحنك لبشار الأسد بلقاء أردوغان تحت ذريعة وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة على أراضيها، وبالتالي توقفت موسكو عن ممارسة ضغوط زائدة على الأسد لتغيير موقفه من لقاء أردوغان.


لكن اللافت بالدعوة للاجتماع الرباعي الذي انعقد في موسكو أن الدول التي دُعيت للاجتماع توجد جميعها في ما يسمى "مسار أستانا" وكان بالإمكان عقد الاجتماع على مستوى أعلى طالما أن الجميع موجود، إلا إذا كان المقصود إبعاد المعارضة السورية الموجودة في أستانا وهو ما تطلبه دمشق التي لا تعترف بأي معارضة سياسية لنظام دمشق، بل تعترف فقط ببعض الأطراف العسكرية المشاركة معها بمفاوضات أستانا كسلطات أمر واقع وليس كطرف معارض، وبهذا الخصوص نُقل عن أطراف سياسية روسية أن التنسيق السوري-التركي وبإشراف روسي يتحدث عن منطقة شمال غرب سوريا كمنطقة حكم ذاتي أو منطقة قيادة تشاركية تكون الحل القادم عبر اتفاق تركي روسي يضمن إدخال مؤسسات النظام السوري الخدمية للمنطقة مع بعض القوى الأمنية للتشارك بإدارة المنطقة مع من يقبل من فصائل المعارضة وبعض أعضاء الحكومة المؤقتة كحل مؤقت، أما من يرفض هذا السيناريو فسيضع نفسه في خانة العداء وتجريده من السلاح، وتتكفل روسيا وتركيا بالتنفيذ والتطبيق، ويعود الجيش التركي لاتفاق أضنة المعدل كواقع جديد على الحدود السورية-التركية.


الحل الذي تبحث عنه موسكو وبموافقة تركية إيرانية قد يخفف بؤر التوتر والصراع على الساحة السورية، لكن تبقى عملية إعادة الإعمار العقدة الشائكة التي لا يمكن التحايل عليها أو تنفيذ مقتضياتها لأن تقديرات الأمم المتحدة تتحدث عن مبالغ مالية تتراوح بين 800 مليار إلى تريليون دولار ككلفة متوقعة لإعادة الإعمار في سوريا، وتلك أرقام تعجز عنها القدرات المالية لـ روسيا وتركيا وإيران حتى مجتمعة عن تأمينها والتكفل بها، أيضاً هناك نقطة أخرى غاية بالأهمية أن شروط الانسحاب التركي من شمال غرب سوريا لصالح دمشق مرتبط تماماً بشرط التخلص من قوات سوريا الديموقراطية والبي كي كي في شرقي الفرات حيث توجد القوات الأمريكية.

وواشنطن ما زالت تؤكد عدم وجود أي نية لديها (حتى الآن) بالانسحاب من سوريا وتأكيدها لأكثر من مرة بالتزامها بحماية حلفائها في شرق الفرات، بل إن هناك تقارير عسكرية تحدثت عن شحنات أسلحة نوعية نقلتها أمريكا لقواتها ولحلفائها في سوريا شملت منظومات صواريخ ودبابات وأنظمة دفاع جوي وصواريخ مضادة للدروع تحمل على الكتف، إضافة لإجراء تدريبات عسكرية عالية المستوى ومكثفة مع قوات "قسد" مع وعود بزيادة العديد البشري الأمريكي من 900 مقاتل إلى 1500 (كما نقل عن رئيس الأركان الأمريكي الامريكي مارك ميل بزيارته الأخيرة لمناطق شرقي الفرات)، وتلك إجراءات تتعدى المهمة القديمة التي كان يقوم بها التحالف الدولي في سوريا لمحارية الإرهاب وتنظيم "داعش" إلى مهام أخرى قد تشمل ضرب الميليشيات الإيرانية في سوريا بعد التحرشات التي طالت قواعدها في الرميلان أو حقل العمر أو معمل كونيكو أو قاعدة التنف.


تأجيل الاجتماع الوزاري الرباعي إلى شهر أيار المقبل يدلل بشكل واضح أن الشروط المسبقة لم تُحل بعد ولم تتزحزح الأطراف عن مواقفها. مما يستدعي التأجيل ومزيد من التشاورات واللقاءات الدبلوماسية خاصة التركية الروسية، ويدلل التأجيل أيضاً أن الآمال المعقودة على لقاء وزراء الخارجية أو قمة أردوغان-الأسد لن تغير من الواقع بشيء ولن تقدم للأطراف ما كانت تحلم به.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات