هل كان بالإمكان أفضل ممّا كان؟

هل كان بالإمكان أفضل ممّا كان؟

ليس الهدف من هذا المقال تعييب الناس على ترك بلدهم، أهلهم بيوتهم وأرزاقهم -إن صحّ أنّ في سوريا بلداً أصلاً- فلكلّ إنسان مقدرة على التحمّل ومهما بلغت درجاته، فكذلك المقدرة على استيعاب أسبابه، لِمَ أتحمّل وفي سبيل ماذا؟، بل الهدف تفسير ناحية ما تتعلّق بما حدث فعلاً، وكيف حدث بيننا نحن السوريين ما حدث، ودون الخوض أبداً بفقرة "لماذا"؟، لأنّ الله وحده يعرف، فلا منطق يجيب عن هذه الفقرة، ولا عقل أمكنه حتّى بعد اندلاع الثورة بيومين اثنين أن يتصوّر لماذا حدث ما حدث في اليوم الثالث!. 

لجأ أكثر من لجأ من السوريين على مختلف فئاتهم وأطيافهم إلى شتّى البلدان المتاحة منذ بداية الثورة، والإحصائيات تتكلّم عن الأعداد والأوقات، كما تتكلّم الإحصائيات حول اللجوء السوري بتركيز أكثر عن السوريين المعارضين بالطبع، فنسبتهم -مهما كان- تبقى هي الأكبر، وللتركيز أكثر فأكثر فإنّ الحديث هو تماماً عن السوريين المعارضين اللاجئين الذين لم يقدّموا بعد سوريتهم ومعارضتهم ولجوئهم سوى خطابات النقد والتحريض والكراهية حتّى، وما استهدفوا من تلك الخطابات شيئاً أكثر من استهدافهم للسوريين الذين آثروا أو أُجبِروا على البقاء في أكثر بقاع كوكب الأرض خطورةً وشقاءً، البقعة التي استأسدت مع التافه أسد كلّ قوى الشرّ والظلام في الكوكب من أجل إقصائهم وإبقائه. 

عن السوريين المعارضين اللاجئين الذين لم يكن لهم قبل مغادرتهم سوريا وما كان لهم بعد ذلك أيّ نشاط أو اتّصال أو عمل ثوري أبداً، لكنّ ثورتهم بدأـت -هكذا سبحان الله- بعدما أُتيحت لهم فُرص النشاط والاتّصال والعمل، لكنّما في أجواء الأمان والهدوء والاستقرار، تصدّروا المشاهد وتسيّدوا المجالس وركبوا الموج والسفينة ودفّتها وشراعها، وشرعوا بكلّ صفاقة ينظّرون على الثورة وعلى أهلها، وانبروا بكلّ شراسة يتشدّقون بالكلام استهزاءً غروراً وسخريةً منها ومنهم، إذ لا هي ثورة على مقاساتهم الجديدة التي لبسوها في المجتمعات الجديدة التي ظنّوا أنّهم أصبحوا جزءاً منها، ولا عقول أهلها على مقاسات عقولهم الموجّهة إلى عوالم الحرّيات والانفتاح وكأنّها عوالمهم الأزلية.  

الثورة ليست حكراً على أحد، بل إنّ من أكثر مشكلاتها إشكالاً أنّها لا يمكن أن تقول لأحد لا!، فليس فيها مديرون تنفيذيون ولا مديرو "موارد بشرية" يقرّرون من يصلحون للتوظيف ومن لا يصلحون، الثورة في أبسط تشخيص حالة غضب ووجع وتفاني، ولا يمكن في الكثير من الأحيان والأحوال تمييز الغاضب أو الموجوع أو المتفاني عمّن يدّعي السخط والغيظ والألم والأسى والبذل والتضحية، ولذلك لم يمكن ولا يمكن لأحد أن يُقصي أحداً عنها أو يستبعده منها، حتّى وفي أشدّ الحالات الواضحة ومع امتلاك أكثر الأسباب إقناعاً، فكلّما كُشفت عن وجوه المتخاذلين والأفّاقين والمتسلّقين الأقنعة، أُسدلت أقنعة أخرى وستائر وأحابيل من المواقف الخلّبية والمآثر الدونكيشوتية والخزعبلات، وإلّا فكيف استمرّ من استمرّ من الكذبة والخونة واستمرأ من استمرأ من القتلة واللصوص؟. 

مَن منع هذه الزمرة من الناس (عن السوريين المعارضين اللاجئين الكَذَبة أتحدّث) من العمل فعلاً في شتّى ملفّات وقضايا الثورة وما أكثرها؟، من منعهم من تشكيل كيان سياسي منظّم وموحّد يهتمّ بهموم السوريين داخل سوريا أو خارجها؟، ما الذي منعهم من تشكيل مكاتب إعلامية هادفة واضحة وموجّهة نحو قضية القضايا الثورة السورية؟، ما منعهم من توحيد جهود الإغاثة والإعانة والمساعدات؟، ما منعهم من العمل بجهد وجدّية على أهمّ وأشقى ملفّات الثورة ملفّ المعتقلين؟، وما الذي منعهم من العمل على تنسيق الجهود العلمية والتربوية في مسائل التعليم لمنع الجهل وتسرّب الأطفال ونشر العلم في صفوف أُسر المعارضين خاصّةً من هم خارج سوريا في تركيا على وجه أخصّ؟، ثمّ من كان وراء تشكيل كلّ هذه الأجسام السياسية الهزيلة التافهة ابتداء من المجلس الوطني مروراً بالائتلاف وغيره من المجالس والهيئات والمنصّات، هل تشكّلت من مواطني كوكب زحل؟، ومن الذي وقف بمواجهة توحيد الجهود للعمل في سياق وطني مستقلّ في المنظّمات التي أديرت برمّتها من الخارج؟، من الذي منع المعارضين السوريين اللاجئين أو الهاربين في الخارج من كلّ ذلك؟، ما منعهم من كلّ أشكال العمل الوطني الحقيقي الفاعل، ودفعهم فقط نحو الكذب والنفاق والخيانة؟.

الدول المتدخّلة أو الداعمة -وتحت هذه الكلمة الكثير من الخطوط- والمنظّمات الدولية والأنظمة العربية والغربية وكلّ الشياطين التي وقفت في وجه الثورة السورية، ما كان لها أبداً أن تستطيع بلوغ ما بلغته ولا نيل أو نول ما نالته من السوريين وقضية قضاياهم بل وقضية قضايا كلّ حرّ في هذا العالم الساقط، لولا كلّ هذا التخاذل الجماعي الرهيب الذي سطّره السوريون الذي يتحدّث عنهم هذا المقال، هؤلاء تحديداً: السوريون المعارضون اللاجئون الكاذبون الذين قضّوا مضاجع الناس بالحديث الثورة وتشجيعهم على الصمود والمواجهة، والأنكى بحثّهم حثّاً ودفعهم دفعاً إلى التسلّح والقتال، كيف لا وقد استتبّ في تركيا وأوروبا وغيرها الأمن والاستقرار ونجت من الموت والوجع النفس والعيال، أفلا نخرج على الفضائيات لنُفهم الناس معنى الثورة وقيمها، وندفعهم إلى الثبات والاستمرار وإلى المقاومة بالدماء والأشلاء؟. 

الذين يعتبرون أنّ السوريين برمّتهم كانوا مطايا أو أدوات لا حول لها ولا قوّة، وأنّ ما حدث عموماً لم يكن بالإمكان وقفه، لأنّ البساط سُحب من تحت أرجل الجميع منذ البداية، وأنّه لم يكن لأحد القدرة على اتّخاذ قرار أو التمسّك باعتبار، بسبب الضعف والوهن وفقدان القدرة والإرادة، وأنّه لا طاقة بهم أو لهم على مواجهة كلّ هذه الشرور التي أحدقت والسفالات التي أطبقت، لسبب بريء أو ظرف رديء أو غرض دنيء، واهمون هؤلاء أو مغيّبون أو سفلة، فلقد كان بالإمكان أفضل بكثير ممّا كان.. . 

التعليقات (3)

    جعفر

    ·منذ 11 شهر 4 أيام
    من منعهم ويمنعهم عن العمل الصحيح المثمر هو الأنانية وحب الظهور

    لاجىء و افتخر

    ·منذ 11 شهر 4 أيام
    ان الذي دفع الناس للخروج بمظاهرات هو الاعتقاد بسهولة و قرب سقوط النظام، و ليس القهر و الظلم الذي اعتادوا عليه لسنوات طويلة دون ان يتجرؤا ليفكروا بمعارضته. كما ان الفكرة الاولى لما اطلق عليه ثورة " الحرية" قد فقدت بريقها بسبب المصالح المتباينة لداعميها المحليين و الدوليين. فالحديث عن التخاذل نجده ليس فقط عند اللاجئين بل ايضا عند اللذين لم يغادروا سوريا. فما الذي منع الذين في الداخل من التوحد و تشكيل هيئات وووو؟ هل كان بالامكان أفضل مما كان لو ان الجميع لم يتخاذل؟ بدون تدخل المجتمع الدولي و المال و القوة لا معنى لأي نشاط و السوريين في الداخل و الخارج اظهروا مواقف بطولية ( مظاهرات مليونية و اعتصامات امام السفارات) و لكنهم لايستطيعون اجبار الدول على تغيير سياساتهم. بالمحصلة نجح النظام بالبقاء و لكن تفكك الشعب إلى فسيفساء و اصبحنا فئات: مؤيدون/معارضون، لاجئون/في الداخل، طائفيا و قوميا…. هل كان ممكن تجنب هذا التفكك؟ نعم لو اننا اتفقنا على انه لدينا هدف واحد وهو الحرية و عدو واحد و هو الظلم بدل من التهجم على بعضنا. ولكن رغبة البعض في التسلط تمنع من تطبيق ذلك. و بالتالي يكتفي بعض اللاجئون بحث الحكومات الغربية على فرض عقوبات باتجاه سوريا و من جهة أخرى يرسلون الاموال كحوالات خارجية لمساعدة أهلهم.

    Hope

    ·منذ 11 شهر 4 أيام
    اجل يا صديقي لقد كان بالامكان افضل مما كان.. لكن لا تنسى ان كل شخص يتصرف حسب فهمه و فكره .. الغالبيه العظمى ممن ترك سوريه بمستوى متوسط او دون الوسط و هؤلاء دخلوا في دوامه لا يعلم الا الله كيف سيخرجون منها.. ولكن الفئه المتعلمه و الجيل الجديد الذي تعلم بدا بالظهور وله كلمه اخرى .. القضيه السوريه و اللاجئ كاليتيم المنبوذ من كل اهل الارض لا يوجد من يسانده لذلك ردة الفعل على ما حصل قد تاخذ بعض الوقت ... السوريين حملو وجعهم معهم فلا تقلل من معاناتهم ..
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات