الشمال السوري يتنفس الصعداء

الشمال السوري يتنفس الصعداء

فترة عصيبة مرّت بها جميع مناطق الشمال السوري والذي من المفترض أن يكون واقعاً تحت سيطرة الجيش الوطني ممثلاً بفصائل المعارضة في سوريا؛ هذه الفترة كانت عصيبة بسبب ترقّب نتائج الانتخابات التركية وما ستؤول إليه الأوضاع في أروقة الحكم بالعاصمة التركية أنقرة.

حالة التوتر التي شهدها الشارع التركي هي ذاتها التي شهدها الشمال السوري على الرغم أننا ما نزال نصفه بلفظة (السوري) فهل أصبحت هذه النسبة لفظة جغرافية فقط تفرضها الحالة الدولية التي لا تسمح بتغيير علني الآن؟ أم إنه شعور مبالغ به بالانتماء لحكومة تركيا التي يضمن بقاؤها استمرار الحياة في الشمال السوري على النهج الذي هو عليه الآن؟.

الأسئلة كثيرة، والأجوبة مفتوحة تستمد شرعيتها من حالة الفرح المبالغ به في الشمال السوري عقب إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية في تركيا التي قررت صناديقها تمديد فترة حكم الرئيس رجب طيب أردوغان لخمس سنوات أخيرة.

ورغم عدم الرضا عن طريقة التعبير عن الفرح بإطلاق الرصاص الذي ملأ سماء مدن الشمال السوري إلا أنه يعبّر عن حالة الذعر التي كان يعيشها قادة فصائل الشمال السوري وخوفهم من زوال غطائهم الدولي إن صحّ التعبير؛ ويؤكد دون أدنى شك حالة التواكل التي وصل إليها الحال هناك، وكأنّ لسان الحال يقول: نحن أرض تركية في جغرافيا سورية.

وهذا أمر ليس في صالح كلا الطرفين التركي والسوري المعارض؛ فالمواثيق الدولية كلها تقف دون ذلك، والشارع التركي المعارض يغزل خيوط بقائه معتمداً على الإشارة إلى هذا المعنى، وحكومة العدالة والتنمية ترهقها هذه الحالة إن تحولت إلى حقيقة ملموسة، والنظام الذي يلفظ أنفاسه في دمشق يعتمد على هذا الحال ليستمر في وصف كل الشمال السوري بالـ (مرتزقة).

بقدر ما يحتاج النظام الحاكم في تركيا إلى حماية أمنه القومي من خلال وجوده في الأراضي السورية لمنع تمدد خطر حزب العمال الكردستاني متحملاً كل تبعات هذا الوجود؛ فهو بذات القدر يحتاج إلى شريك حقيقي على ذات الأرض السورية يكون مسانداً له في تحقيق ذلك مقابل المساندة في النضال ضد نظام الأسد لتحقيق مطالب الشعب السوري الذي خرج منادياً بالحرية وليس رغبةً في تبديل التبعية السياسية أو العسكرية.

إن أهم ما يجب أن ينتبه إليه قادة الفصائل في الشمال السوري هو أنّ الحليف التركي يعتمد على مدى تمسكهم بحقوقهم في أرضهم وحكمهم وحريتهم ليستطيع تقديم العون الصحيح لهم والاستمرار في تقديمه، وهذا ما يبعث في نفسه الارتياح إلى كل ما يقوم وسيقوم به مستقبلاً، ويجعله يشعر بالاحترام تجاههم؛ هذا الاحترام الذي يدفعه إلى التعامل مع السوريين بمنطق الشريك الحقيقي الذي يمكن الاعتماد عليه والمراهنة على إصراره في المضي قُدُماً لتحقيق أهداف الثورة التي خرج السوريون لأجلها وما تزال تتآمر عليها كل الأطراف وخصوصاً العربية منها، وهذا ما كان واضحاً في موقفها الأخير المتمثل بإعادة النظام السوري إلى حظيرة ما يُسمى (الجامعة العربية) وما يترتب على ذلك من وأد للآمال والأحلام.

خمس سنوات أخيرة في حكم الرئيس رجب طيب أردوغان يجب على قادة الفصائل في الشمال السوري قراءتها على النحو التالي: 
فرصة ربما تكون أخيرة، ومدتها خمس سنوات لتقرير المصير، وترتيب الأوراق، والخروج بحلول سياسية وعسكرية تضمن تحقيق الأهداف، من خلال إعادة تقييم العلاقات كافة، ومد جسور متينة من العلاقات تجاه جميع الأطراف الدولية لفرض وجودنا ككيان سياسي مدني يكون التخاطب معه والجلوس على موائد الحوار الدولية.

ما يلوح في الأفق يوحي بأنّ الفرصة الآن باتت مواتية أكثر من قبل ليفرض الشمال السوري نفسه كلاعب أساسي في تقرير مصير سوريا دون إهمال له أو تهميش لدوره أو استخفاف بكل ما قدمه سابقاً وما هو مستعد لتقديمه لاحقاً؛ كل ذلك متاح الآن أكثر من أي وقت سبق لكن شريطة أن تكون هناك تحركات جادة لتحقيق ذلك من خلال توحيد الجهود وربما توحيد الأهداف التي من المفترض أن تكون واحدة أساساً.

الحقيقة التي باتت أكيدة أنه على الشارع السوري التأثر بجاره التركي الذي أثبت علناً وأمام مرأى العالم أنه جدير بتقرير المصير، وأنه وحده صاحب الحق في اختياراته التي لا يجوز لأحد أن يفرضها عليه أو أن يصادرها.

بمعنى آخر، على قادة الفصائل في الشمال السوري أن يقوموا -من تلقاء أنفسهم مدفوعين بالوعي والحس الوطني- بإعادة ترتيب الأوراق وفقاً للمعطيات السياسية والدولية الجديدة لخلق حالة من الوحدة السياسية التي نتنج قيادة مدنية قادرة على فرض نفسها كلاعب أساسي في الخريطة السياسية الجديدة لسوريا؛

وإن لم تتهيّأ الظروف لحدوث ذلك فإنّ مسؤولية الدفع نحوه تقع على عاتق الشارع السوري في الشمال ليتحرك بكل مكوناته في سبيل خلق تلك الحالة الموحدة لأنها الخيار الأخير كما يبدو للمراقب في ظل كل ما يحدث؛ وحالة التواكل السياسي التي يعيشها الشمال السوري اليوم إذا استمرت فإنها ستكون عنوان النهاية لأنه وبكل بساطة لا ثوابت في السياسة والسنوات الخمس التي بدأت الآن ستنتهي عمّا قريب. 

التعليقات (1)

    نهى نهى

    ·منذ 11 شهر أسبوع
    يا حرام شو صار بالشعب السوري تسلطت عليه احقر وانجس طائفة بالبشرية النصيريه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات