ماذا لو سقط بوتين؟

ماذا لو سقط بوتين؟

منذ أيام قليلة راقب العالم بمزيد من الاهتمام عملية الانقلاب الذي لم يكتمل، والذي قاده قائد قوات "فاغنر" "يفغيني بريغوجين"، حيث انقسم العالم بين من ينتظر أن يشاهد نهاية مأساوية لحكم "بوتين"، ومن ينتظر أن يرى "بريغوجين" ومرتزقته يلقون المصير الذي يستحقه كل خائن. لكن ما حصل بعد ساعات قليلة من تسارع الأحداث لم يكن مرضياً لكلا الفئتين؛ فئة المحبين وفئة الكارهين، فبعد توسّط الرئيس البيلاروسي "ألكسندر لوكاشينكو" أعلن "بريغوجين" أنه أوقف عملية التمرد حقناً للدماء.

لم تكن تفاصيل الاتفاق بين "بريغوجين" و"لوكاشينكو" معلومة للجميع، لكن أغلبية المراقبين والمحللين حول العالم أصبحوا يتحدثون عن بداية لحقبة جديدة من تاريخ روسيا البوتينية، وأن ما بعد تمرد "فاغنر" ليس كما قبله، فالسهولة التي استولت فيها قوات "فاغنر" على مقاطعة "روستوف" وسيطرتها على كافة النقاط العسكرية فيها، ومن ثم توجهها إلى مشارف موسكو قاطعة مئات الكيلومترات دونما أية مقاومة تذكر؛ أطاحت بآخر ما تبقى من سمعة للجيش الروسي. ثم جاء موقف الرئيس الروسي بقبول إسقاط التهم عن "بريغوجين" ومنحه الضمانات الأمنية ليصيب هيبة وسمعة الرئيس الروسي في مقتل. وهكذا أصبح النظام الروسي أمام معضلة يصعب تجاوزها.

لكي تتضح بعض جوانب المعضلة لا بد من التذكير أن قوات "فاغنر" شكلت – خلال الأشهر الأخيرة – القوة الضاربة في الجيش الروسي، بل القوة التي دارت – إلى حد ما – سوءة الجيش الروسي، وهي الآن أصبحت خارج المعادلة. من جهة أخرى، ليس "بريغوجين" مجرد شخص عادي أو ضابط مغمور قام بهذه الحركة، فالرجل لديه نفوذ قوي في الأوساط العسكرية، وعلاقات متشعبة مع طبقة "الأوليغارشيا" الروسية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك اهتزاز صورة بوتين – داخلياً وخارجياً – وما له من تداعيات نفسية وسلوكية تكون الصورة أصبحت أكثر وضوحاً.

بالعودة إلى فريقي محبي بوتين وكارهيه، ومن أجل دقة أكثر؛ لم تكن الأمور على هذه الشاكلة تماماً، فهناك فريق آخر كان يتابع مجريات الأحداث بتخوف وحذر شديدين، وهذا الفريق – بالمجمل – من أعداء روسيا البوتينية، إلا أنهم ممن يستطيعون تنحية العواطف جانباً والنظر إلى الأمور بمآلاتها ونتائجها، ويأتي على رأس هؤلاء؛ الساسة في الدول الغربية عموماً، وفي الولايات المتحدة على وجه التحديد؛ إذ لطالما عبر الأمريكيون عن مخاوفهم من السقوط الحر لروسيا أو لنظامها السياسي لما له من تبعات وتداعيات اقتصادية وسياسية وأمنية. 

ومن أجل تفسير الموقف الأمريكي دعونا نتذكر مقالاً بعنوان "ليس لدى بوتين مخرج جيد وهذا يخيفني حقاً" كتبه "توماس فريدمان" جاء فيه: "لا يوجد سوى شيء واحد أسوأ من روسيا القوية تحت حكم بوتين، وهو روسيا الضعيفة والمهينة والمخلة بالنظام والتي يمكن أن تنقسم أو تتعرض لاضطراب قيادة داخلي طويل الأمد، مع فصائل مختلفة تتصارع على السلطة، ووجود رؤوس حربية نووية. إن روسيا بوتين ليست أكبر من أن تفشل. ومع ذلك، فهي أكبر من أن تفشل بطريقة لن تهز بقية العالم".

تلك المقاربة الأمريكية للملف الروسي تشبه – من حيث الشكل – المقاربة الأمريكية للملف السوري، فمن بين الذين تابعوا أخبار تمرد "فاغنر" بشغف شديد هم السوريون، وسرعان ما أصبح سؤال: ماذا لو سقط "بوتين"؟ حاضراً بقوة، فماذا لو سقط "بوتين"؟.

تشير معظم التقديرات الغربية إلى أن النظام الروسي غير مهدد بشكل فعلي حتى الآن، لكنه دخل مرحلة من الضعف والاضطراب الشديدين، ولكن، لنفترض جدلاً أن تداعيات التمرد الذي قاده "بريغوجين" سوف تؤدي لانهيار النظام الروسي خلال الأشهر القادمة، فهل سيكون سقوط نظام أسد بالتبعية تحصيل حاصل لسقوط نظام "بوتين"؟.

أغلب الظن أن الإجابة بالإيجاب سوف تكون متسرعة وتفتقر إلى الموضوعية، فبقاء نظام أسد صامداً حتى الآن هو قرار أمريكي قبل أن يكون قراراً روسيا، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال انحياز الولايات المتحدة للنظام السوري وتآمرها على الشعب، إنما هي مقاربة أمريكية لإغلاق الملف السوري من خلال عملية الانتقال السياسي وفق القرار 2254، ذلك أن الولايات المتحدة كفرت تماماً بفكرة إسقاط الأنظمة على الطريقة العراقية أو الطريقة الليبية. إنها مقاربة ترتكز على سؤال جوهري: ما هي النتائج المترتبة على سقوط النظام السياسي في البلد الفلاني؟

تتفق كل من روسيا وأمريكا بالخطوط العريضة حول الملف السوري، لكنهما تختلفان بالجزئيات؛ تماماً كما هو الخلاف حول تفسير القرار 2254، فروسيا التي تعتبر نفسها الحامي الفعلي للنظام السوري من السقوط تريد أن يكون وضع اللمسات النهائية للحل من اختصاصها، وتريد أن يكون استثمار الحدث من نصيبها، فهي التي أهدرت الموارد في سبيل الحفاظ على النظام، وهي من يجب أن تحصد النتائج. 

بناء على كل ما سبق؛ فسقوط النظام الروسي أو كف يده عن الملف السوري تحت أي ظرف كان؛ سوف تكون نتائجه أن نظام أسد سوف يتعرض لضغوط أكبر لتنفيذ القرار 2254 حسب التفسير الأمريكي لهذا القرار، بينما ستضعف وجهة النظر الروسية بغياب الجهة الداعمة لها. من جهة أخرى؛ ستكون الولايات المتحدة بموقف حرج لأنها سوف تضطر للإفصاح عن موقفها الرافض لسقوط النظام السوري من خلال تفويض جهة أخرى بحمايته والوقوف في وجه أي محاولة للعبث بخارطة السيطرة الحالية إن حصلت.   

التعليقات (1)

    الحاج عمر الالفي

    ·منذ 10 أشهر 3 أيام
    امريكا عاملة الفيلم الدموي ده كله في سوريا عشان تجبر الاسد على التطبيع مع اسراءيل مش عشان تسقطه لان امريكا عارفه ان سقوط الاسد حيتبعه صراع بين جينرالات الجيش السوري واللي الغالبية العظمى منهم من جناح الصقور ومتهوريين واللي حيحكم حيكون تحت ايديه ترسانة اسلحة كيماوية ممكن يستخدمها ضد قواعد امريكا او حلفاء امريكا في المنطقة زي اسراءيل او الاردن او السعودية او قطر او الكويت وده نفس سبب خوف امريكا من سقوط بوتن لان اللي حواليه كلهم صقور حتى بيروجين نفسه متهور وروسيا دولة نووية وعشان كده ميدفيديف ساعة محاولة الانقلاب حذر الغرب من خطورة وجود السلاح النووي تحت تصرف بيروجين اذا الانقلاب نجح لكن امريكا مهتمتش بسقوط العراق لان معندهاش اسلحة دمار شامل وبرضو مهتمتش بسقوط ليبيا لان القذافي الله يرحمه غلط غلطة عمره وسلم كل الاسلحة الكيماوية بتاعته قبل ثورات الربيع العربي . الغرب لا يفهم الا لغة القوة والمصالح فقط اما بقة حوار الديمقراطية والبتنجانية وحموم الانسان والقلل المتحدة فده كله شو اعلامي عالمي للضحك على السذج مش اكتر
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات