مشروع قانون أمريكي قد يغيّر مسار الخطوة بخطوة

مشروع قانون أمريكي قد يغيّر مسار الخطوة بخطوة

لم يكن العرب بحاجة لقانون أمريكي مناهض للتطبيع ليوقف اندفاع غالبيتهم باتجاه نظام بات عارا على البشرية، نظام لم يكتف بقتل نحو مليون شخص من أبناء جلدتهم، وتهجير نصف سكان البلاد وتدمير ثلثيها، بل جعل ما تبقى من السوريين في مناطق سيطرته رهائن بين الخراب ومعامل الكبتاغون، وهم الذين تذرع العرب بهم للتقارب مع النظام من أجل إنقاذهم.

لا تبدو سرعة الدفع بمشروع قانون مناهضة التطبيع ونقله إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه معزولة عن التطورات التي حدثت خلال الشهرين الماضيين، على صعيد فشل العرب في حمل النظام على التقدم خطوة واحدة في الملفات التي طرحت، إذ كانت لجنة الخارجية في مجلس النواب صادقت على مشروع القانون بعد أيام قليلة على قرار جامعة الدول العربية 8914، إعادة النظام لشغل مقعده فيها، والذي صدر في 7 أيار الماضي، وقبل عدة أيام على انعقاد القمة العربية في جدة يوم 19 من ذات الشهر.

ما حدث بعد قمة جدة كان عنوانه ليس فقط خديعة النظام للعرب بل وأيضاً اتهامهم من قبل فيصل المقداد وزير خارجية النظام دون أن يسمّهم صراحة، بدعم الإرهاب والفتنة وتفتيت سوريا، وقال إن النظام سار مئات الخطوات، ولم يلق مقابلها أية خطوة من الأطراف الأخرى، وهذا كان موقف النظام بعد إعادته للجامعة العربية، ويعني أنه لن ينفذ أيّاً من الوعود التي وقّع عليها في بيانَي جدة وعمان وتضمنت التزامه بالتقدم خطوات مقابل خطوات العرب ويدهم الممدودة للحل على أساس القرار 2254.

وكان رد فعل العرب أن أرسلوا وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق لإبلاغ النظام كما يبدو بآخر رسالة وهي أن مبادرتهم ليست بلا نهاية، وبأنهم أعطوا النظام ما كان يريده وهو الشرعية في الجامعة العربية، وبأنه لم يقدم شيئاً في إطار ملفات تهريب الكبتاغون، واللاجئين، والحل السياسي، إذ قال الصفدي بعد لقائه بشار الأسد إن "العودة الفعلية" للنظام ستكون طويلة الأمد ومعقدة وصعبة للغاية، والأهم أنها تحتاج للكثير الكثير من الجهد والعمل” بحكم تعقيدات الواقع الموضوعي، ما يعني عدم التطبيع مع النظام.

باستثناء إشارات الصفدي غير المباشرة، لم يعلن أصحاب المبادرة من العرب صراحة فشل المسار الذي وعدوا بأنه سيكون نجاة للسوريين، إلا أن عدم انعقاد لجنة الاتصال العربية مع النظام " السعودية، مصر، الأردن، العراق، والجامعة العربية" واستمراره بتهريب الكبتاغون، وتصريحات المقداد، يضاف إليها مشروع القانون الأمريكي لمناهضة التطبيع، أعطت دلائل على أن المسار وصل إلى طريق مسدودة.

ومن جهة أخرى قد تكون لخديعة النظام جوانب ذات تأثير، إذا كان هدف العرب من مبادرتهم محسوب بالنسبة إليهم، وبأنهم قدموا له آخر ما يمكن وبنوايا طيبة لإنقاذ السوريين كما كانوا يطرحون، وها هو الآن يرفض تلك المبادرة، ولذلك فإن تلك الخديعة ستكون مبرراً لهم لاتخاذ خطوات كبرى تتسق في حدّها الأدنى مع موقف الغرب وتتناسب مع حراكهم الدبلوماسي الذي سبق القمة العربية وأيضاً مع إمكاناتهم الاقتصادية ومصالحهم الإستراتيجية، وإلا فلا معنى لما قاموا به إزاء نظام جعلهم يتجرعون كأس الغدر والهزيمة.

وقد يكون مشروع القانون الأمريكي نقطة بداية للعرب وضوءاً أخضر للانخراط ضمن الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة بشكل متسارع ضد النظام في هذه المدة مدفوعة بتكثيف الضغوط على روسيا من خلال النظام على خلفية هجوم الغرب المضاد ضد روسيا سياسيا، والمترافق مع هجوم الأوكران ميدانياً، إذ إن سوريا وقضيتها هي الآن كما تدلل التحركات ميدانياً والاصطفافات الدولية هي غاية في الأهمية بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية، ولا سيما الولايات المتحدة والغرب عموماً وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل.   

لا يوجد حتى الآن غطاء سياسي معلن للتحركات الأمريكية في سوريا حتى الآن سوى ما تسرب عن لقاء الرئيس بايدن بنشطاء سوريين بأنه سيعمل على رحيل الأسد، في حين كان الواقع الإعلامي والميداني والقانوني يسير بخطوات متسارعة إذ إنه لا يمكن أن تكون التقارير التي بثتها خلال الأسابيع القليلة الماضية وسائل إعلام غربية وبعض القنوات العربية مثل العرب نيوز والجزيرة حول كبتاغون النظام وقيصر، معزولة عن التوجّه السياسي التصعيدي للدول الغربية.

كما إن الواقع الميداني بدا مختلفاً عمّا كان سابقاً، إذ تستمر الولايات المتحدة وقوات التحالف بتعزيز قواعدها شرق الفرات والتنف مع تدريبات مكثفة تجريها قوات التحالف مع قسد وجيش سوريا الحرة، إضافة إلى إشارات الولايات المتحدة عن تخليها عن اتفاق القدس الذي وقّعه بالإضافة إليها مستشارا الأمن القومي لكل من روسيا وإسرائيل، في العام 2019، وتضمن إبعاد إيران عن الحدود الإسرائيلية، وآلية لمنع الاحتكاك الجوي، والتي أيضاً كانت في صلب ما عرف باتفاق كيري لافروف الذي وقع وزيرا خارجية البلدين بعيد دخول القوات الروسية إلى سوريا.

وما يعطي أيضاً مؤشرات على تحركات غربية قادمة هو البدء بتحضير مشروع قانون أمريكي جديد طرح الخميس الماضي في مجلس النواب ويدعو لإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، وذلك من خلال إنشاء آلية قضائية دولية عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتجنب الفيتو الروسي في مجلس الأمن على غرار قرار سابق استصدرته الولايات المتحدة حول تشكيل لجنة تُعنى بمصير المفقودين في سوريا.

ولكن مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام إذا ما أقره الكونغرس ووقعه الرئيس سيكون من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا، إذ يتضمن بنوداً تفرض عقوبات على المتعاملين مع النظام وحلفائه، ويمنع بشكل قاطع الحكومة الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يقودها بشار الأسد بحسب ما ذكر التحالف الأمريكي من أجل سوريا، وسيكون الثالث بعد قيصر والكبتاغون.

معظم التطورات في سوريا الآن توحي بالعودة إلى أجواء قريبة بعض الشيء من مرحلة ما قبل دخول القوات الروسية إلى سوريا، مع فارق أن النظام الآن يعيش أسوأ حالاته ولا سيما أنه متهم بتزعم منظمة دولية لتهريب الكبتاغون، وتزداد القوانين الأمريكية ضده، بينما السوريون في مناطقه على وشك المجاعة، إذ إنه على الصعيد الإقليمي تركيا عادت للتوجه نحو الغرب وتقاربت أكثر مع الولايات المتحدة، على حساب الروس مع ما يعنيه ذلك من احتمال تفاهمات جديدة بين الجانبين في سوريا، ودولياً من خلال تصعيد الغرب ولا سيما الولايات المتحدة ضد النظام.

في تلك الأجواء رفض النظام مبادرة طرحها العرب للخروج من الأزمة، وقابلها العرب بتجميد عضويته في الجامعة العربية، الآن من غير المعروف ما هي الخطوة المقبلة التي سيتخذها العرب بعد رفض مبادرتهم الجديدة، فهم مدعوون ليس للحاق بالتوجه الغربي فقط بل وأن يكونوا أيضاً حجر الزاوية فيه ومشجعاً للتخلص من النظام، ولكن قبل كل هذا عليهم الإعلان عن وصول مبادرتهم إلى طريق مسدودة، أو على الأقل نشر تصريحات من الدول المعنية أي مجموعة الاتصال تشرح ما حدث، ولا سيما أنه شبه محسوم باتجاه نعي المسار، بعد أن خدعهم النظام، ولكي لا يخدعوا بدورهم السوريين..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات