فصام مثقف لاجىء يستبدل جلده

فصام مثقف لاجىء يستبدل جلده

في كل مرة تتجدد فيها الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية يخرج علينا بعض ممن يدعون أنهم دعاة سلام ليهاجموا الشعب الفلسطيني ومقاومته، مباشرةً أو مداورة، فيذكروننا أنهم سيقفون دوماً وبشكل أوتوماتيكي ضد المعتدى عليهم بحجج غريبة عجيبة، رائدهم في ذلك مواقف حكام عرب ومثقفين تابعين لأنظمة اختارت التطبيع مع إسرائيل لأسباب سلطوية بحتة تتعلق بالبقاء في الكرسي ولا تتعلق أبداً بالمصالح الوطنية للبلدان التي يحكمها هؤلاء الحكام ..

من المؤسف جداً أن بعضاً من المثقفين العرب، بعضهم خريجو جامعات، ينظرون للصراع الإسرائيلي الفلسطيني من وجهة نظرة استشراقية بحتة معادية للعرب أولاً ثم معادية للإسلام ثانياً، ولا شك في أن هذه النظرة الاستشراقية التي مازال يغذيها منظرّون كبار في الغرب، أحدهم هو برنارد لويس المنظّر الرسمي للإدارة الأمريكية حتى سنوات قريبة، كان يعلن صراحة أن العرب شعب متخلّف لا يجوز التعامل معه إلا بالعنف أو الخديعة ..

هؤلاء المثقفون العرب -وبعضهم للأسف سوري- سقف ثقافتهم بضعة كتب مترجمة، ما إن وصل أحدهم إلى أوروبا لاجئاً هارباً من الموت، حتى انسلخ من جلد إنسانيته ليرتدي ثوب وحش، فراح يصوّب سهام نقصه ولؤمه إلى اللاجئين السوريين والعرب منتقصاً من انتمائهم القومي أو الديني، مناصراً إسرائيل معادياً الفلسطينيين ... معتقداً أن هذا جزء من الاندماج المطلوب منه في أوروبا مع مجتمعاتها ومع المقولات الأساسية لأنظمتها السياسية والثقافية.

ليس من سبب واضح لهذا التحوّل أو التلازم بين وضعية اللاجىء المظلوم المنتهك وبين وضعية المتنمّر على الضعفاء والمظلومين سوى أن رضّة نفسية عميقة ضربت وجدان هؤلاء، جعلتهم يتفوقون نفاقاً وسطحية على أعتى المعادين للاجئين وأعتى المعادين للشعوب المغتصبة سيادة أو أرضاً-ومنها الشعب الفلسطيني-، وهم في مزاودتهم هذه لا يختلفون عن مطبّلي نظام الأسد من أرباع مثقفين وأنصاف فنانين ..

ولعل خلفية هؤلاء الثلة القليلة جداً من المنبهرين بأوروبا، الناقمين على الشرق الذين بنوا موقفهم غير المنطقي من الشرق ومن بلادهم -ومن فلسطين بالمحصلة- من فكرة ثابتة تبلورت حولها عقولهم، ألا وهي أن كل ما في أوروبا أفضل من كل ما في الشرق .. وهكذا فإن إسرائيل باعتبارها امتداداً أوروبياً لأوروبا في الشرق فهي عند هؤلاء المنبهرين أفضل من فلسطين باعتبارها بلداً عربياً مشرقياً، بل أفضل من كل الشرق!؟

على الضفة المقابلة التي يُفترض بها أنها ضفة العدو التي لا يمكن أن ننتظر منها أي موقف إنساني أو كلمة حق، سنشهد انطلاق أصوات بين فينة وأخرى تنتصر للحقيقة والواقع، فهي أصوات أناس يعيشون في قلب المعركة اليومية بين نظام كولنيالي أوروبي عمره سبعة عقود( إسرائيل) يحتل شعباً أصيلاً عمره مالا يقل عن عشرة آلاف سنة، هو شعب فلسطين ... وهؤلاء المثقفين الإسرائيليين وهم قلة بدورهم، يعلمون علم الحقيقة ماهية إسرائيل الأوروبية هذه وجوهرها الذي هو استمرار وحضور راهن للاستعمارية الأوروبية أو الكولونيالية الغاوروبية في القرون السابقة مضاف إليها بدعة عنصرية مستجدة ألا وهي نظام التمييز العنصري أي نظام التمييز بين البشر على أساس العرق والدين.

تقول مثقفة إسرائيلية اسمها "عميرة هاس" : " لا يخرج الشباب الفلسطيني لقتل اليهود لأنهم يهود، ولكن لأننا محتلوهم ومعذبوهم وسجّانوهم وسارقو أرضهم ومياههم ومشردوهم وهادمو بيوتهم ، لأننا نسد أفقهم...

الشباب الفلسطيني ناقمون ويائسون ومستعدون لفقدان حياتهم والتسبب بألم كبير لعائلاتهم لأن العدو الذي يواجهونه يثبت كل يوم أن حقده ليس له حدود " 

وليست عميرة هاس وحدها من تدافع عن الفلسطينيين وتنتقد النظام الإسرائيلي، بل إن أصواتاً جديدة ارتفعت بعد معركة جنين الأخيرة تنتقد لأول مرة ما يحدث هناك، من بينهم أمنيون إسرائيليون يرفضون اعتداءات المستوطنين، وهو موقف لم يتخذه أي ضابط كبير في نظام بشار.

ويكتب سعيد مضيه: "في 24 حزيران الماضي صدر بيان مشترك لكل من رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشين بيت(المخابرات الداخلية بإسرائيل)، رونين بار، ومفوض البوليس كوهي شبتاي ،أشاروا فيه إلى" الهجمات العنيفة من جانب مواطنين إسرائيليين ضد فلسطينيين أبرياء"، ووصفوا الهجمات بأنها "إرهاب قومي بكل معنى الكلمة".

ويعلق سعيد مضيه بالقول:" إن بياناً كهذا نادراً ما يصدر، خاصة أنه وصف العنف " إرهاباً قومياً"، والإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين " أبرياء". بكل تحديد يصور مسؤلون كبار في حكومة إسرائيل تلك الهجمات انتقاماً لهجمات إرهابية شنها الفلسطينيون". ( نضال مركّز ضد الأبارتهايد يفضي إلى تصفية دولة إسرائيل. سعيد مضيه، موقع الحوار المتمدن. بتاريخ 2023 / 7 / 5 )

فما بال من يدّعي أنه مثقف سوري أو عربي يتجاهل ما يجري في فلسطين؟ ثم يلوم أهالي جنين الذين وقع عليهم الاعتداء والحصار والتهجير؟ بينما يذهب آخر إلى تبرير تدمير ثمانين بالمئة من أبنية مخيم جنين وحصار ثلاثة عشر ألف مواطن فلسطيني، بحجة أن إسرائيل لا تفعل أكثر مما تفعله بعض الأنظمة العربية ...

هل يكون ضابط إسرائيلي في جيش العدو أعقل وأكثر عدالة وإنسانية من مثقف يدّعي أنه لاجىء سوري ويعيش في ألمانيا؟ 

وما بال من يبرر لإسرائيل تدمير جنين وتهجير ثلاثة آلاف من أهلها بحجة الأنظمة العربية القاتلة لشعوبها والمدمرة لبلدانها؟! .

 أليس من الواضح أن إسرائيل تعاملت نسبياً بطريقة أخلاقية مع الشعب الفلسطيني أكثر بكثير من تعامل العصابات العربية الحاكمة التي يسمونها أنظمة عربية؟! .. نعم كلمة حق تقال إن إسرائيل رغم كونها نظام تمييز عنصري، هي أقل عنفاً حتى الآن من نظام الأسد ومن النظام الأمريكي الذي دمّر العراق ... لكن علينا أن نتذكر دوماً أنه لولا وجود إسرائيل ما كان يمكن لنظام الأسد أن يوجد ويستمر لنصف قرن، فمصير الشعبين السوري والفلسطيني واحد، ومصير النظامين الأسدي والإسرائيلي كذلك واحد ...

التعليقات (3)

    الفصام

    ·منذ 9 أشهر 6 أيام
    تشاطرت على اللاجئين…وانت قاعد بخضن امبرطورهم هذا هو الفصام الحقيقي

    رد على الفصام

    ·منذ 9 أشهر 6 أيام
    الكاتب مشكور يهاجم المثقفين اللي يهاجمون اللاجئين ويهاجمو فلسطين وفي نفس الوقت يقفو مع اسراييل

    سمر

    ·منذ 9 أشهر 5 أيام
    كلام صحيح لولا إسرائيل مستحيل كان يحكمنا نظام متل اللي حكمنا
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات