"بريكس" تعلن الحرب على الدولار.. على ماذا تعوّل وما أبرز المعوقات؟

"بريكس" تعلن الحرب على الدولار.. على ماذا تعوّل وما أبرز المعوقات؟

خلعُ الدولار، باعتباره رمزاً للهيمنة الغربية، هدف طموح تسعى لتحقيقه مجموعة "بريكس"، حيث يسعى البعض منهم في المقام الأول إلى الحد من استخدام الدولار في اقتصاداتهم كدرع ضد الاضطرابات المالية الدولية، ويرغب آخرون في الهروب إلى خارج الحدود الإقليمية للقانون الأمريكي، الذي يستخدم الدولار لفرض العقوبات في الخارج، فقد أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا مؤخراً إلى إحياء اهتمام العديد من البلدان الناشئة بـ "التخلص من الدولار".

ما يحيلنا لتوقعات "روبرت كيوساكي" في كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، وقلقه من فقدان الدولار لقيمته، و"أن يصبح ورق تواليت"، ولا سيما بعد أن بلغ رأسمال "بنك التنمية الجديد"، البديل عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خمسين مليار دولار.

ولا يتماشى رأي الأكاديمي والمستشار الاقتصادي، "أسامة القاضي" مع هذا التقدير فيقول: "إذا أردت أن تتعامل بعملة لا يتم التعامل بها عالمياً فعليك باليوان الصيني، والتي لم يتخطّ التعامل بها عالمياً نسبة 3 بالمئة، وهذا على صعيد العملة السائدة والأكثر ترشيحاً من بين عملات دول بريكس، بعد انخفاض قيمة الروبل الروسي والإشكاليات الاقتصادية الكبيرة الاقتصادية للبرازيل وجنوب إفريقيا، خسرت الأولى بموجبها تريليون دولار من ناتج دخلها القومي آخر عشر سنوات، وخسرت الثانية أكثر من 400 مليار دولار، ما أبعد الاستقرار عن عملتيهما".

الولادة والأمل

"B.R.I.C.S"، اختصار لأسماء الدول المشكّلة للمجموعة التي سجّلت وقت تأسيسها أسرع نمو اقتصادي في العالم، تأسست بداية عام 2006، باسم "بريك"، من البرازيل وروسيا والهند والصين، في تحقيق عملي لتقرير "العالم يحتاج إلى دول بريكس أفضل"، الذي أعدّه الرئيس السابق لإدارة الأصول في بنك غولدمان ساكس، جيم أونيل عام 2001، وفي عام 2009، عقدت "بريك" قمتها الأولى في مدينة يكاترينبرج-روسيا، عبّر بيانها الختامي عن رغبة مشتركة لتنسيق المواقف بشأن قضايا التنمية والأمن الدولي، وفي عام 2010، تحول اسمها إلى "بريكس" بعد انضمام جنوب إفريقيا إلى المجموعة.

ومن الأسباب الداعية لتأسيسها، حسب بيانها التأسيسي: خلق قطب جديد يحدث توازناً في النظام الدولي ويحدّ من هيمنة الغرب أو الدول الصناعية السبع، خاصة على صعيد الاقتصاد، وخلال قمتها المنعقدة في نيودلهي عام 2012 وقعّت دول التجمع اتفاقية لإيجاد آلية تعاون بين مصارف دول "بريكس"، بغية توسيع عمليات الإقراض بالعملات المحلية، اعتبرها الخبراء حينها خطوة من خطوات دول "بريكس" لاستبدال الدولار كعملة رئيسية في تجارتهم البينية، كما وقعّت "اتفاقية تسهيل التصديق على خطابات الاعتماد متعددة الأطراف"، التي توفر بموجبها بنوك التنمية المعنية في دول "بريكس" ضمانات الاعتماد بعضها للآخر، وصدّقت دول التجمع على مقترح دراسة إنشاء بنك التنمية لدول "بريكس"، مشكّلة فريق خبراء لهذا الأمر.

هناك وهم اسمه مجموعة دول "بريكس"، حسب "القاضي"، فهذه الدول غير منسجمة فيما بينها، ولا يوجد تبادل تجاري حقيقي فيما بينها، سوى بنسبة ضئيلة جداً، ولا يجمعها سوى كرهها المشترك للولايات المتحدة والغرب، مع حلم إعادة بناء النظام الدولي بعيداً عن الأحادية القطبية والقيم الغربية، دون وجود رابط جامع فيما بين هذه الدول.

وأضاف "القاضي" في حديثه لموقع أورينت نت، أن الأعضاء المدعوين مؤخراً للانضمام إلى "بريكس" ينظرون لوجودهم في "بريكس "على أنه مقاومة "للإمبريالية" الأمريكية أو الغربية، وكأن "الإمبريالية" الصينية أو الروسية مُرحّب بها، فالصين باستخدامها سياسة "الحزام والطريق" وباستخدام "فخ الديون" استولت على 34 ميناء ومطاراً في العالم، ومع إقراره بأن النموذج الأمريكي/الغربي لم يعد الحل المثالي للعالم، أكد أن النموذج الصيني غير مقنع إطلاقاً.

وكانت المجموعة قد اتفقت، في قمتها الأخيرة، في مدينة جوهانسبرغ-جنوب إفريقيا، على دعوة ست دول للانضمام إلى المجموعة بداية عام 2024 (السعودية، مصر، الإمارات، إثيوبيا، إيران والأرجنتين)، وعلى تسريع استخدام عملاتها المحلية في المعاملات التجارية والاستثمارية فيما بينها، مع استمرار تقليل اعتمادها على نظام الدفع والنظام المالي العالمي القائم على الدولار الأمريكي.

وتمثل "بريكس" المكونة من خمسة أعضاء، 25 بالمئة من ثروة العالم، وتضم 42 في المئة من سكان العالم. وتسهم بما يقدّر بنحو 26.3 بالمئة من الناتج الإجمال للاقتصاد العالمي بمبلغ 27.6 ترليون دولار، وفقاً لأرقام 2023، ويُؤمل تجاوز إسهامها في الاقتصاد العالمي مجموعة الدول الصناعية السبع، بعد إضافة الناتج المحلي الإجمالي للدول الستّ الجديدة، ليبلغ قرابة 56 ترليون دولار، فيما تقدم الدول الصناعية السبع 52 ترليون دولار للاقتصاد العالمي، بحسب بيانات البنك الدولي.

الحرب على الدولار

تقود كل من روسيا والصين مبادرة لإزالة الدولار داخل دول "بريكس"، أيدتها الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ومؤخراً اتجهت كل من الصين والهند إلى تنشيط حركة التجارة الدولية مع روسيا باستخدام العملات المحلية الثلاث، خلال قمة بريكس الأخيرة، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمة عبر الفيديو، إلى أن: "إزالة الدولار عملية لا رجعة فيها وتكتسب زخماً"، وكانت روسيا قد عقدت في آذار/مارس الفائت، صفقة لبيع النفط للهند يتم الدفع خلالها بالروبل الروسي، وأعلنت السعودية حينها، عن دراسة موضوع تصدير جزء من نفطها للصين باليوان الصيني.

ويشكّك المستشار الاقتصادي "أسامة القاضي" في ذهاب الإرادة السعودية للتعامل باليوان الصيني، نظراً لاتفاقيات البترو-دولار المعقودة مع الولايات المتحدة سابقاً، مشيراً إلى أن المملكة تبيع 40 بالمئة من إنتاجها إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي ستسعّره بالدولار، إضافة إلى أن الموضوع حقيقة خاضع لحسابات سياسية أكثر منها اقتصادية، وبرأيه، لا تحتاج المملكة أو سواها من الدول الانضمام إلى "بريكس"، فمن خلال الاتفاقيات الثنائية يمكن للدول التوافق على التعامل بالعملات المحلية.

وفي زيارته للصين، في نيسان/إبريل الفائت، أجرى الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أول معاملة تجارية مع الصين باليوان بدلاً من الدولار، وحينها قرر البلدان تطوير علاقاتهما "للتخلص من القواعد غير العادلة وتحقيق تنمية أكثر عدلاً وتوازناً"، على حد تعبير لولا دا سيلفا، وفي خطابه في حفل تنصيب الرئيسة السابقة للبرازيل، ديلما روسيف، كرئيسة لبنك التنمية الجديد (NDB) في بريكس، تساءل الرئيس البرازيلي عن سبب اعتماد اقتصادات العالم على الدولار، قائلاً: "كل ليلة أسأل لماذا يتعين على جميع الدول أن تبني تجارتها على الدولار؟.. لماذا لا يمكننا استخدام عملتنا الخاصة؟ لماذا لا يمكننا الابتكار؟ من قرر أن العملة ستكون الدولار بعد اختفاء معيار الذهب؟".

وكان لولا دا سيلفا قد دعا في وقت سابق إلى إنشاء عملة مشتركة بين دول "بريكس"، قائلاً: "لماذا تحتاج البرازيل إلى الدولار للتجارة مع الصين أو الأرجنتين؟ يمكننا التجارة في عملتنا"، وبدوره تساءل الرئيس الكيني، ويليام روتو، أمام برلمان جيبوتي: "كيف يشكل الدولار الأمريكي جزءاً من التجارة بين كينيا وجيبوتي؟".

الفرص والتحدّيات

مجموعة "بريكس" ليست منظمة دولية، وليس لديها هياكل دائمة، مع عدم تجانس أعضائها، الذين لديهم أنظمة سياسية مختلفة ولا يشتركون في سوق واحدة أو في إنتاج معايير مشتركة، وحتى الآن، لم تلد المجموعة سوى مؤسسة مشتركة واحدة، وهي "بنك التنمية".

و"بريكس" بحسب كولين كوتل، نائبة مدير مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، تجمّع أقرب إلى الرمزية منه على الجوهر، ومخرجاته الملموسة، مثل بنك التنمية الجديد، تم التوصل إليها بشق الأنفس، فالمجموعة متنوعة للغاية، مع نمو غير متكافئ ومصالح متنافسة، ولم تُبدِ نشاطاً ملحوظاً لتحقيق هدف تغيير مشهد الحوكمة العالمية بالطرق التي تأملها المجموعة، ومع إضافة المزيد من الأصوات المتباينة إليها، سيؤدي إلى زيادة التحدي المتمثل في التوصل إلى اتفاق بشأن المجالات الرئيسية التي تأمل "بريكس" إحراز التقدم فيها، مثل الحد من استخدام العملات المحلية في التجارة وتوسيع علاقاتها المصرفية المراسلة.

وحسب "القاضي"، لدى الهند والصين مشاكل حدودية مع مشاكل كبيرة فيما بينها، فالهند لن تقبل في دول "بريكس" أن يكون اليوان الصيني مرجعية، أو أن يكون مقر البنك المركزي في الصين، وبدورها، الصين لن تقبل ببديل عنها، وإضافة إلى ذلك، الهند لديها شراكات هائلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، آخرها نادي الأربعة عشر (المحيطين الهادي والهندي)، الرامي لمحاصرة الصين، و"الشراكة العالمية للاستثمار والتنمية" التي بدأت برأسمال 600 مليار دولار ومعظم مشاريعها باشرتها في الهند، وتعلم الصين أن في ذهن واشنطن دعم الهند لتكون بديلاً عن الصين. 

وإن كان صعباً تحقيق الإجماع المطلوب لقرارات "بريكس" بين خمس دول، فإنه أشد صعوبة بين إحدى عشرة دولة ذات اقتصادات ومناطق جغرافية ومصالح متنوعة، فقد يجتمع الأعضاء على مبادئ، مثل زيادة التجارة بالعملات المحلية، لكن بمجرد الدخول في التفاصيل الدقيقة لمشاريعها، كالخاصة بالعملة المشتركة، ستتباطأ تطلعاتها الأكثر طموحاً، وفقاً لمروغانك بوساري، مساعد مدير في مركز الاقتصاد الجغرافي التابع للمجلس الأطلسي، وحينها ستختار "بريكس"، لضمان تماسكها على المدى الطويل، جني الثمار المتدلّية فقط.

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي في نيسان/أبريل الفائت، بلغت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي العالمي 58.3 بالمئة، يليه اليورو بنسبة 20.4 بالمئة، ومن بعدهما الين الياباني بنسبة 5.5 بالمئة، يليه اليوان الصيني بنسبة 2.6 بالمئة، فيما بلغت حصة الدولار في التسويات المالية أعلى المعدلات، بنسبة 46 بالمئة، يليه اليورو ثم اليوان، حسب وكالة بلومبيرغ.

الوهم المسمى دول "بريكس" إلى الآن هو عبارة عن "فقاعة إعلامية"، حسب "القاضي"، ولا يمكن ترجمته واقعياً، فالبنى الاقتصادية لتلك الدول فيها عدم تجانس وستدور في فلك القطب الصيني، والعملة الصينية نفسها ليست مجالاً لأن تكون عملة احتياطية أو عملة دولية يمكن الاعتداد بها، كما إن بعض دول "بريكس"، كالدول الخليجية، عملاتها مثبتة على أساس الدولار.

وختاماً يمكن القول: إن التحول من عملة إلى أخرى أو سلة من العملات يحتاج العديد من السنوات ولا يحدث بين ليلة وضحاها، لضمان استقرار الهيكل البديل عن الدولار، ومقدرته على تجاوز التحديات التي تواجهه، وبالنظر إلى دول "بريكس"، فإن جانباً كبيراً من احتياطيات هذه الدول بالدولار، واستبداله بعملة أخرى يعرضها لخسارة شديدة ومؤثرة على اقتصاداتها، ويبقى الأمر مرهوناً بالإرادات السياسية لهذه الدول، دولاً وتكتلاً، وقدرتها على تحمل تبعات هذه الخطوة، ومع ذلك، ما دام الأمر قد خرج إلى العلن، وتداولته ألسنة كبار المسؤولين، فإنه ماضٍ مستقبلاً، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. 

التعليقات (1)

    BRIX is USA

    ·منذ 8 أشهر ساعتين
    USA to role economic is in need of 2-3. Currencies , they did the euro and by Russia they make total contrôle with Russian help, this is the cause of Russian expels Europe from Africa , the Asian market also must be controlled with south America , her appear the huge need of USA to Iran to control golf and middle east where is the frontier between golf and Asia to force submission , big Hollywood theater where Putin and Iran are the scarecrow. Turkey is also in the jock. The scare show has also the golden milliard . The scare is the mechanism to role people and take their money , this is the cause of disgusting American ethics that are launched by drivers for control as gage and musk plus Putin Khumaini the Jew that was built as the Persian devil to have .users le misérable créatures to make the crimes more easily for American plans.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات