كركوك تعود للواجهة.. بوادر تفكّك حكومة السوداني وإشعال فتيل فتنة قومية

كركوك تعود للواجهة.. بوادر تفكّك حكومة السوداني وإشعال فتيل فتنة قومية

أوقفت المحكمة الاتحادية العراقية  مؤخراً قرار رئيس حكومة بغداد، محمد شياع السوداني، القاضي بتسليم مقرات حكومية في كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني، يوم الأحد الفائت، ووفقاً للبيان الصادر عن المحكمة، تمّ "إيقاف قرار رئيس الوزراء المتعلق بإخلاء مقر قوات العمليات المشتركة في كركوك، ويُعتبر قرار المحكمة نهائياً ومُلزماً لجميع المسؤولين".

وكان قرار السوداني قد أدى لاشتباكات شهدتها المدينة، سقط خلالها عدد من الضحايا، إذ أقدم محتجّون على القرار على قطع طريق أربيل-كركوك السريع، قابلهم متظاهرون مطالبون بفتح الطريق، مؤدياً لصدامات واشتباكات راحت نتيجتها ثلاثة قتلى على الأقل وإصابة نحو ستة عشر شخصاً.

وبعد إخلائها عام 2014، إثر سيطرة تنظيم داعش، عادت القوات العراقية إلى كركوك في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، مخرجةً قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق منها، إثر تنظيم حكومة الإقليم استفتاء على انفصاله عن العراق في 25 أيلول/سبتمبر 2017، متضمناً كركوك. وبعد دخوله كركوك، حوّل الجيش العراقي مبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقر لقيادة العمليات المشتركة في كركوك. 

"قدس الكرد"

تقطن محافظة كركوك قوميات وطوائف مختلفة منذ القدم، عربية وكردية وتركمانية وآشورية، ومسيحيون ومسلمون، شيعة وسنّة، وعليه، تُعتبر أكثر عرضة للأزمات السياسية العراقية منذ عام 2003، وبناء عراق ما بعد صدّام، القائم على المحاصصة الطائفية. وعليه، تعتبر كركوك من ضمن "الأراضي المتنازع عليها"، الخاضعة لنص المادة 140 من الدستور العراقي المعتمد عام 2005، والتي تقضي بتولي السلطة التنفيذية عملية التطبيع المعالج للتغييرات الديمغرافية في عهد نظام صدام وبعده، والإحصاء السكاني لهذه المناطق، واستبيان إرادة سكانها، من خلال إجراء استفتاء في مدة أقصاها 31 كانون الأول 2007.

ومع غناها بالنفط، يزداد الأمر تعقيداً في كركوك، القابعة ضمن "الأراضي المتنازع عليها"، والمتنوعة دينياً ومذهبياً وعرقياً، مع موقعها الجغرافي المميز لعمليات التهريب بين إقليم شمال العراق والمحافظات الواقعة جنوبه، أو لخطوط إمدادات الطاقة المحلية والإقليمية.

 فبحسب المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره لندن، نقلاً عن إندبندنت عربية، تعتبر كركوك نقطة التقاء لمشروع خط الغاز الإيراني المراد توصيله إلى سوريا وخطها الواصل بين حقل "بارس الجنوبي" وتركيا، إلى جانب أهمية كركوك لإيصال النفط الإيراني إلى البحر المتوسط، عبر تفعيل خط كركوك-بانياس. مضيفاً أنه نظراً لمخاوف طهران من ملف الطاقة العراقي اعتبرته جزءاً من أمنها القومي، وأوكلت إلى مكتب العمليات الخارجية في "الحرس الثوري" مهمة الإشراف عليه وعلى ملف المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وفي مقدمتها كركوك وسنجار، مع إعلان حكومة إقليم كردستان نيتها لتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية، بدأ المكتب المذكور تنفيذ خطة لعزل كركوك عن الإقليم، تهدف لدعم المعارضة السياسية لأربيل ونثر بذار الشك وعدم الثقة بين الأحزاب الكردية، مع قطع مصادر التمويل وتصعيد الخلاف مع بغداد. وعليه، لم تسلم حكومة السوداني من الضغوط السياسية، من خلال استخدام رجال إيران العراقيين ملف الموازنة الاتحادية لنسف الاتفاق السياسي مع الكرد، الذي وُلدت منه حكومة السوداني.

الأزمة السياسية التي كانت وراء أحداث كركوك، لن تمر مرور الكرام، حسب الباحث في الشأن السياسي، غانم العابد، وسيكون لها تداعيات، قد تصل لانسحاب "البيت الكردي" من حكومة السوداني، ما يؤدي لإسقاط هذه الحكومة.

مضيفاً خلال حديثه لموقع أورينت: "تشكّل الحكومات العراقية عادةً وفق اتفاقات دون النظر لقانونية أم غير قانونية هذه الاتفاقات، المهم أن تؤدي لنصاب كامل لتمرير الحكومة، وهذا ما حصل مع حكومة السيد السوداني، بعد اتفاق "تحالف إدارة الدولة"، الذي أعطى بموجبه تعهدات "للبيت السني" ولم يتحقق منها شيء حتى الآن، وأعطى تعهدات "للبيت الكردي"، منها، عودة مقر العمليات المشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما فجّر أزمة كركوك مؤخراً بين المكون الكردي والإطار التنسيقي".

فبعد مرور عام على إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق وعدم تشكيل حكومة، وبعد استقالة نواب التيار الصدري، أصبح الإطار التنسيقي الكتلة الأكبر في البرلمان، ونظراً لعدم وجود الوقت الكافي لديه، دخل في تفاهمات مع "البيت الكردي" و"البيت السنّي"، سعى خلالها لشراء الوقت من أجل تمرير الحكومة، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

ووفقاً لمصدر وصفه رصيف22 بالمطّلع على مفاوضات الطرفين الاتحادي والكردي، جاءت أول الاعتصامات على قرار السوداني من بعض أحزاب الإطار التنسيقي، والتي حشّدت شعبياً وإعلامياً في كركوك، لإيقاف تسليم مقر العمليات المشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني، قابلتها حكومة الإقليم بحشد التظاهرات لتسريع عملية تسليم المقر للحزب. وبحسب موقع أمواج ميديا، ينشط اللواءان التركمانيان 16 و52 التابعان لوحدات الحشد الشعبي، والقريبان من "منظمة بدر"، في كركوك والمناطق المحيطة بها، بالإضافة لقوات "درع كركوك" الخاضعة لنفوذ "قوات الحشد الشعبي". 

وكان الرئيس العراقي الأسبق، ومؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني، قد أطلق تسمية "القدس الكردية" على كركوك، ضمن جهوده لتسليط الضوء على الرمزية والأهمية الاستراتيجية للمحافظة، والتي تشير التقديرات لإنتاجها 40 بالمئة من إجمالي نفط العراق، و70بالمئة من الغاز الطبيعي. 

هواجس التغيير الديمغرافي

مقولة طالباني جعلت من منزله رمزاً لاجتماع ضمن كبار ساسة "ائتلاف إدارة الدولة" خريف عام2022، للبحث في المادة الدستورية 140، لكن الاجتماع لم يضم ممثل التركمان، حيث ينظر رئيس الجبهة التركمانية العراقية، حسن توران، إلى أن تنفيذ المادة المذكورة من شأنه أن يشعل حرباً أهلية في المنطقة، فقد نما المجتمع الكردي في كركوك منذ عام 2003 تدريجياً، وبالتالي، فإن أي استفتاء قد يؤدي لإلحاق كركوك بإقليم كردستان، ما يضاعف هواجس إعادة الهندسة السكانية فيها،  ويأتي القلق الكبير للسياسيين التركمان في العراق، من نظرتهم لحكومة السوداني على أنها مؤيدة للكرد إلى حد كبير، بالإضافة لعدم تمثيلهم فيها.

الفوضى أصبحت رغبة خارجية، حسب العابد، معتقداً أن عدم قيام الحكومة المركزية بتنفيذ بنود تشكيل حكومة السيد السوداني، ستنحجب عوامل الثقة بين الطرفين، ما يولّد ارتدادات، فإذا ما اهتزت الثقة بين الطرفين، سينعكس ذلك على الوضع السياسي بشكل عام. لذا، التهدئة مطلوبة، ويجب معالجة المشكلة بحكمة وبهدوء، وعدم السماح للأصوات الطائفية، والاستفزازية، والمثيرة للفتنة، بمحاولة تأجيج الشارع على هذه المشكلة. 

وبرأيه، العراق غير بعيد عما يجري في سوريا، والأحداث الأخيرة في شرق سوريا على حدودها مع العراق، أو بالصراع الأمريكي-الإيراني، والصراع الإسرائيلي-الإيراني، بالتالي تصدير الأزمة من سوريا إلى العراق، أو من إيران باتجاه العراق، أمور غير مستبعدة، ومؤشر كبير على أن هناك تدخلات إقليمية ترغب في جعل العراق وسوريا ساحات صراع لها.

وكان قرار السوداني، قد مثّل ضربة لعرب وتركمان كركوك، وتمهيداً لفصلها عن حكومة بغداد الاتحادية وضمها إلى حكومة إقليم كردستان، وفي المقابل، حمل قرار السوداني البشرى لكرد كركوك، المتهمين من قبل البعض، بإحداث تغيير ديمغرافي في المحافظة، بغية إلحاقها بإقليم كردستان. فوفقاً، لرئيس الجبهة التركمانية والنائب عن المحافظة، أرشد الصالحي، تعمل سلطات الإقليم على تغيير التركيبة السكانية في المحافظة، البالغ عددهم 850000 نسمة قبل عام 2003، وأصبحوا الآن 1650000 نسمة، نتيجة لزيادة في "المكون الكردي".

وبحسب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كركوك "موطن التركمان ومكان تتعايش فيه الثقافات المختلفة بسلام منذ قرون"، وبلاده "لن نسمح بأفعال من شأنها الإضرار بسلام وسلامة هذه المنطقة"، موجّهاً وزير الخارجية، حقان فيدان ورئيس جهاز المخابرات الوطنية، إبراهيم قالن، لمتابعة التطورات فيها عن كثب. وكان قالن قد أشار عندما كان الناطق باسم الرئاسة التركية، إلى الصبغة التركمانية في كركوك بقوله: "نعم فيها الأكراد وفيها العرب أيضاً إلا أن الهوية الأساسية لكركوك أنها مدينة تركمانية".

فيما أصدرت وزارة النقل والمواصلات في حكومة إقليم كردستان طابعاً بريدياً رسمياً محتوياً صورة لتمثال أحد "البيشمركة" الحامل لعلم إقليم كوردستان في كركوك، مكتوباً تحتها "كركوك هي كوردستان".

كركوك خزان الطاقة العراقية

في كركوك، تم اكتشاف حقل "بابا كركر" عام 1927، ويعتبر الحقل المذكور، ثاني أكبر حقل عالمي لإنتاج النفط، والخامس عالمياً باحتياطي يفوق 10 مليارات برميل، هذا بالإضافة لكون المحافظة محطة لتصدير النفط العراقي إلى ميناء "جيهان" التركي منذ عام 1934. 

قبل عام 2017، كانت سيطرة حكومة بغداد على كركوك رمزية، والسيطرة الفعلية لحكومة أربيل، التي أقنعت حكومة أنقرة بمنحها امتيازات لتصدير نفطها الخاص عبر أنابيب التصدير الاتحادية في المحافظة، وهو ما يخالف اتفاق 1973 الموقع بين بغداد وأنقرة وتعديلاته، ومع فشل جهود بغداد الدبلوماسية لمنع تصدير النفط عبر حكومة أربيل، لجأت إلى المحكمة الدولية، التي أصدرت حكمها في آذار/مارس الماضي، بإلزام تركيا بدفع قرابة مبلغ مليار ونصف دولار، تعويضاً للحكومة العراقية عن انتهاك أنقرة لاتفاق 1973.

وبحسب العابد، هناك قرارات صدرت من المحاكم الدولية بخصوص قيام إقليم كردستان بتصدير النفط، وافق عليها الإقليم، بمعنى أن يكون يتم تنفيذ اتفاق تصدير النفط باتجاه ميناء جيهان من قبل الحكومة المركزية، والمشكلة الآن مع تركيا، التي ألزمتها المحكمة الدولية بدفع تعويض يقل قليلاً عن مليار ونصف مليار دولار، وما بعد الزلزال، بدأت أنقرة تتذرع بأن ميناء "جيهان" قد تضرر جراء الزلزال، وهي حجة غير مقنعة للشارع العراقي. لكنه بدأ يسبب خسائر كبيرة للعراق بشكل عام ولإقليم كردستان بصورة خاصة، أثّر سلباً على قوت المواطن ومعيشته. ما يفسر باعتباره عملية ابتزاز تركي للعراق، في تناسٍ من تركيا لحجم تجارتها البينية مع العراق، والبالغة قرابة 15 مليار دولار، مع قرابة 33 مليار دولار تحققها تركيا من مقاولات البناء والإنشاء والإعمار في العراق.

وكانت المحكمة الاتحادية العراقية قد قضت في شباط/فبراير الماضي بإلغاء قانون النفط والغاز لعام 2007 الصادر عن إقليم كردستان، نظراً لتعارضه مع الدستور العراقي الاتحادي، مع قضائها بتسليم الإنتاج النفطي للحكومة الاتحادية، وبالتالي، تحويل العقود التي وقعتها حكومة أربيل إلى الحكومة المركزية في بغداد.

التعليقات (1)

    السوداني طرطور ايران

    ·منذ 7 أشهر أسبوع
    العراق أنتهى بعد صدام بسبب الخليج والمشروع الصهيوني في المنطقة لبناء دولة عزراءيل واستخدموا إيران بشخصية الخميني اليهودية والغباء الخليجي المخزي دائما يضحكوا عليهم، إيران هي الوجه المشروع الصهيوني الغربي وللأسف الشعوب العربية صغر كما ضحك عليهم الشريف الاهبل وباع فلسطين اليهود الذين اصلا انو من تركيا واوكرانية وارمينيا أي ان لديهم بلد سوف يعبر تركيا ليصل مصر وهذا سبب دعم السيسي اليهودي
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات