هل تفجّر "الحرب على غزة" تغيير خرائط السيطرة في سوريا؟

هل تفجّر "الحرب على غزة" تغيير خرائط السيطرة في سوريا؟

لا يبدو أن نموذجَي درعا ومؤخراً السويداء يغريان المعارضة لاستغلال حالة الرفض الشعبي الكامل ضمن المحافظتين لميليشيا أسد، وما يمكن أن يُدعّم هذه الحالة من تطورات المشهد السياسي والعسكري ضمن المحيط السوري كالعدوان الإسرائيلي على غزة، وارتداداته على ميليشيا أسد من الناحية السياسية والعسكرية، إضافة للاحتقان الشعبي في مناطق سيطرته، والاتهامات الواسعة من الحاضنة الموالية التي تطاله في التخلي عمّا يسمى "محور المقاومة" من جهة، وما تبعها من ملاحظة خطوة ميليشيا حزب الله مؤخراً والذي اضطر لسحب قرابة 1500 عنصر من سوريا إلى الجنوب اللبناني. 

ويمكن الأخذ بعين الاعتبار أن ميليشيا أسد الراغبة بتمدد سيطرتها في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة للمعارضة تراودها أوهام تجربة السيطرة الشكلية في درعا، والتي تعتبر أقل تعقيداً من الناحية الاجتماعية وأقل كثافة سكانية من الشمال السوري.

إذ لا تزال ميليشيا أسد تواجه مقاومة عنيفة وافتقاراً شبه كامل للسيطرة الكاملة، على الرغم من أنها تمكّنت من تأمين بعض الطرقات والأصول الإستراتيجية، والتخلّص من منافسيها، إلا أن مشاعر السخط وحالة الرفض الشعبي لمنظومة الحكم عموماً التي لا تزال سائدة، وما يرافقها من غياب توفير الخدمات إلى السكان المحليين، حال دون التحكم الفعلي على كامل درعا، ومؤخراً السويداء والتي تبدو أنها تسير على نفس خُطا جارتها.

أطول فترة تهدئة

ومنذ آذار 2020  وبموجب اتفاقية تهدئة بين تركيا وروسيا، تشهد الخريطة السورية نوعا من الاستقرار، رغم بعض الخروقات من قبل ميليشيا أسد والتصعيد المتفاوت التركي ضد ميليشيا قسد، إذ حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، في إدلب وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة "الزكف" و"التنف" (المنطقة 55) جنوب شرق البلاد.

في حين تسيطر ميليشيا أسد على (63.38%) من البلاد، تشمل محافظات الساحل والوسط وأجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب، والجنوب الذي يشهد سيطرة ميليشاتية هشة.

 أما ميليشيا (قسد) فتسيطر على (25.64%) من الجغرافيا السورية، وتتضمن أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب.

وفي دراسة تحليلية توقّع مركز "جسور للدراسات" استمرار حالة جمود خارطة السيطرة العسكرية في النصف الأول من عام 2023، بسبب غياب المؤشرات الكافية لتنفيذ عملية عسكرية ضد قسد، أو قدرة ميليشيا أسد على شنّ هجوم جديد ضد مناطق المعارضة.

ومع ذلك فإنّ أي انهيار عسكري محتمل قد يطرأ على الخارطة قد يكون في النصف الثاني من عام 2023، وليس من المُستبعَد أن يطال جبهات الجنوب.  

في حديثه لأورينت، يرى الناشط "عبد الكريم العمر" أنه ورغم التهدئة المزعومة إلا أن المعارضين في الشمال يعيشون في ساحة حرب ولا يوجد وقف إطلاق نار دائم أو هدنة مستدامة، فقد لاحظوا خلال الأيام الماضية وحتى الآن القصف المدفعي والصاروخي من قبل ميليشيا أسد وطيران الاحتلال الروسي على إدلب.

ورغم تلك التطورات الميدانية لا يتوقع "العمر" أي تغير حالي في خرائط السيطرة، فاستمرار القصف لا يعني أبداً أنه من الممكن أن تكون هناك عمليات برية واسعة النطاق لأي طرف كان.

الفاعلون المحليون وفرص التحرك

وسحبت ميليشيا "حزب الله" اللبناني نحو 1500 من عناصرها الموجودة ضمن صفوف ميليشيا أسد، إذ أكدت وكالة الأناضول أن عناصر الحزب انسحبوا من اللواء 46 بريف حلب الغربي ومن مدينة سراقب وقراطين شرق محافظة إدلب، ومن مناطق معرة النعمان وخان شيخون وكفر رومة وكفرنبل وحزارين جنوب إدلب.

وانتقل عناصر الميليشيا أولًا إلى منطقة القصير جنوب غرب محافظة حمص ومنها إلى لبنان، ووفق الأناضول، فإن عناصر من المجموعات الإرهابية المدعومة من إيران ولواءي "فاطميون" و"الباقر" الأفغانيين حلّت في الأماكن التي انسحب منها عناصر "حزب الله".

ويأتي انسحاب عناصر ميليشيا الحزب في إطار التصعيد المتفاوت على الجبهة الجنوبية اللبنانية مع الجيش الإسرائيلي، وخاصة بعد الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على  قطاع غزة.

كما إن ذاك الانسحاب يرافقه عدة عوامل تجعل من الممكن التفكير بفرضية شنّ فصائل المعارضة عمليات متعددة لاستعادة مساحات واسعة من أراضٍ خسرتها خلال السنوات الفائتة، ولا سيما في محافظة إدلب، إذ تنشغل موسكو حليف أسد في غزوها لأوكرانيا، إضافة لحالة التهلهل الذي تعيشه ميليشيا أسد، وحالة السخط الشعبي الذي ينتظر ظرفاً انفجارياً للتخلص من التدهور المعيشي والأمني الذي يسود البلاد منذ سنوات.

وبحسب دراسة تحليلية، فإن قبول روسيا بالحل السياسي ضمن الملف السوري ما هو إلا لقناعتها بأن الحلّ العسكري غير مجدٍ في ظل حالة ميليشيا أسد التي شكّلت تحديات كبيرة أمام إعادة هيكليتها وتأهيلها، والذي تراه روسيا بالغ الصعوبة.

يشير الناشط العمر إلى أن حرب أوكرانيا كانت فرصة ذهبية للمعارضة السورية في التوسع وبسط سيطرتها على مناطق عدة، وكذلك الآن حرب غزة، ولكن عُرف عن المعارضة السورية بكل ما فيها أنها أكثر من يهدر الفرص.

وأضاف العمر أن الوضع المتأزم في غزة يشغل جميع الأطراف الدولية ولا شكّ أن الفاعلين المحليين أو الفصائل العسكرية المعارضة يملكون تأثيراً كبيراً، ولكن في حال توحدت القوى والجهود العسكرية ضمن على الأقل غرفة عمليات واحدة من جرابلس شمال شرق حلب إلى تلة الكبينة بريف اللاذقية الشمالي لتكون معركة حسم.

ويستبعد العمر هذا السيناريو في ظل الواقع الحالي، إذ لا يمكن أن يسمح اللاعبون الدوليون بذلك، لأن الأمر يتعلق بمناطق نفوذ القوى المتداخلة بالموضوع السوري فهناك ارتباطات واسعة في الملفات بين اللاعبين الدوليين ولا سيما تركيا وروسيا.

وللمفارقة فإن ميليشيا أسد برفقة الميليشيات الموالية لها تعدّ الطرف الوحيد القادر على توسيع سيطرته على المناطق السورية، إلا أن مثل هذا التمدّد لا يمكن أن يحدث من دون تفاهم مسبق مع القوى الإقليمية والدولية التي تدعم حلفاءها في الشمال السوري سواء التركي أو الأمريكي.

ولا سيما أن من شأن أي محاولة يُقدِم عليها أسد بشكل أُحادي دونما اتفاق مسبق، أن تتسبب باندلاع صراع لا تحمد عقباه مع تركيا الداعمة للمعارضة أو الولايات المتحدة الراعية لميليشيات قسد شمال شرق سوريا، لذا فهو يقوم باستخدام سياسة الأرض المحروقة كبديل مؤقت عن الاجتياح البري ولا سيما في إدلب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات