محكمة دولية خاصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الكيماوية في سوريا.. هل ينجح هذا الخيار؟

محكمة دولية خاصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الكيماوية في سوريا.. هل ينجح هذا الخيار؟

رغم مرور أكثر من عقد على استخدام ميليشيا أسد السلاح الكيماوي ضد مدنيين في سوريا، ما زال العجز واضحاً لمحاسبة كل من ثبت استخدامه للهجمات للكيماوية محاسبة فعلية أكثر من مجرد إدانة، وفي خطوة من شأنها أن تحدث فارقاً في المضي قدماً بخصوص هذا الملف الشائك حسب مراقبين، دعت مؤسسات حقوقية وإنسانية ومدنية سورية ومجموعات الضحايا وذويهم وناجون من الهجمات الكيماوية في سوريا لإنشاء "محكمة جنائية استثنائية" تتيح معاقبة مستخدمي الأسلحة الكيميائية في سوريا.

إذ قالت "رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية" في سوريا عبر بيان لها، إن "هناك أدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق غير مسبوق في سوريا والعالم، وإن استخدامها يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب".

ووفق البيان، فإنه "يمكن للمحكمة الاستثنائية المقترحة النظر في جميع قضايا استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وكافة القضايا الأخرى التي تُمنع المحكمة الجنائية الدولية حالياً من التعامل معها بسبب الجمود السياسي".

وستتم هيكلة المحكمة الاستثنائية بحيث تكون مكملة للمؤسسات الدولية القائمة وخاصة الجنائية الدولية، وقادرة على العمل عند عرقلة سلطة المحكمة الجنائية الدولية.

من جهتها نقلت وكالة رويترز عن المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، دابو أكاندي، قوله، "إن إنشاء المحكمة سيكون "مبتكراً بشكل خاص في هذا الشأن المحكمة، وإنها ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون في الأساس مخصصة للقضايا التي تكون فيها المحكمة الجنائية الدولية غير قادرة على ممارسة اختصاصها القضائي".

جرائم واسعة وقرارات بلا فائدة

وثقت نتائج "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية" في سوريا استخدام الأسلحة الكيميائية (لأغراض عدائية)  في أكثر من ٢٦٢ موقع، ومن خلال التحقيقات الدولية المكلفة من مجلس الأمن الدولي أشار محققون في عدة مناسبات إلى مسؤولية تنظيم داعش ووحدات سلاح الجو التابعة للأسد، وفي أحد التقارير تم الإشارة إلى مسؤولية بشار الأسد فيما يتعلق بعهدة سلسلة إعطاء الأوامر والتنفيذ لاستخدام الأسلحة المحرمة ضد الشعب  السوري.

وثبتت إدانة الأسد وعدد من ضباطه وتورطهم  باستخدام السلاح الكيميائي عبر عدة آليات للتحقيق والتقصي، كالتحقيق المشتركة، وتحديد الهوية، في ثمانية مواقع، وهي: الغوطة الشرقية 2013، سرمين، قميناس، تلمنس 2015، سراقب 2016، خان شيخون 2017، دوما 2018، وثلاث هجمات في قرية اللطامنة بريف حماة 2017.

بالمقابل، قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير لها، إن هجمات النظام بالسلاح الكيميائي تسببت في مقتل ما لا يقل عن 1514 مواطناً سورياً خنقاً، بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، إضافةً إلى 12 ألف مُصابٍ ينتظرون محاسبة النظام.

وحمَّل التقرير مسؤولية تحريك الأسلحة الكيميائية واستخدامها إلى رأس النظام بشار الأسد، الذي يتولى قيادة الجيش والقوات المسلحة، وأكد أنه لا يمكن القيام بمهام أقل من ذلك بكثير دون علمه وموافقته، بسبب أن النظام نظام شديد المركزية فالقرار مركزي وهو سياسة مدروسة لديه، تورطت فيه ما يسمى مؤسسة الجيش والأمن، بشكل رئيس قيادة شعبة المخابرات العسكرية العامة، وقيادة شعبة المخابرات الجوية، ومكتب الأمن القومي، إضافةً إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية، بشكل رئيس المعهد 1000 والفرع 450.

وتشير قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى تورط ما لا يقل عن 387 شخصاً من أبرز ضباط الجيش وأجهزة الأمن والعاملين المدنيين والعسكريين، يجب وضعهم جميعاً على قوائم العقوبات الأمريكية والأوروبية.

وكخطوة اعتبرها مراقبون "إيجابية"، كانت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية قد صوتت مؤخرًا لصالح قرار يحد من صادرات المواد الكيماوية إلى سوريا، "بسبب خرق التزاماتها الدولية المتمثلة في الإفصاح عن الذخيرة السامة المحظورة وتسليمها".

وقالت المنظمة، إن أغلب الدول الأعضاء في مؤتمر الدول الأطراف، وهو الكيان الحاكم للمنظمة، تبنت القرار في تصويت بواقع 69 صوتاً مؤيداً مقابل عشرة أصوات معارضة وامتناع 45 عن التصويت.

وأضافت أن "استمرار استحواذ الجمهورية العربية السورية على أسلحة كيميائية واستخدامها، وتقاعسها عن تقديم إفصاح دقيق وتام وإتلاف جميع أسلحتها الكيميائية ومنشآت الإنتاج غير المعلنة، يلحقان أضراراً جسيمة بهدف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وغايتها".

قرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قوبل برفض  وزارة الخارجية التابعة لميليشيا أسد والذي اعتبرته الخارجية "خروجًا عن إطار الاتفاقية الناظمة لعمل المنظمة، علاوة على الإجراءات المخالفة لنصوص وأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما أنه يمثل المواقف الانعزالية للدول الغربية فقط دون غيرها، وتحقيق ما لم تتمكن تلك الدول من الوصول إليه عبر الاعتداءات، والحملات السياسية الفاشلة على سوريا، وفبركة حوادث استخدام أسلحة كيميائية لا وجود لها"، حسب مزاعمها.

فرضية بعيدة ومآلات غامضة

لدى الاطلاع على مبادرة المنظمات والمؤسسات التي دعت لتشكيل هذه المحكمة يلاحظ أنها تقوم على افتراض قيام ثمان دول بالمبادرة لتشكيل هذه المحكمة ووضع ميثاقها ودعوة أكبر عدد من الدول للانضمام والتصديق على الميثاق، وبالتالي هي ليست أكثر من وجهة نظر مبنيّة على آراء بعض القانونيّين الدوليّين. وعليه ربما لن تعترف الأمم المتحدة بأي محكمة جنائيّة بعد المحكمة الجنائيّة الدوليّة التي أنشأت بموجب ميثاق روما الأساسي لتكون هي المرجع القضائي الجنائي الدولي الوحيد بموازاة المرجع القضائي الأعلى المتمثل بمحكمة العدل الدوليّة.

في حديثه لأورينت، يشير المحامي السوري "عبد الناصر حوشان"، إلى أن تشكيل أي محكمة جنائيّة خاصّة كالتي تسعى إليها المنظمات يتعارض مع مبدأ تشكيل محكمة الجنائية الدولية كون محكمة الجنائية الدولية ذات صلاحية واسعة للنظر بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة ومنها "جريمة استخدام الأسلحة الكيميائيّة"، ما يعني تشكّيل عقبة قانونيّة يمكن للدول التذرّع بها لرفض الفكرة .

ويضيف حوشان، أنه بعد تشكيل المحكمة الجنائيّة الدوليّة لم تشكّل أي محكمة جنائيّة خاصة بجرائم الحرب إلا تلك المحاكم التي كانت بطلب من حكومات الدول من الأمم المتحدة مثل المحكمة الخاصّة بلبنان وهذا النموذج لا يمكن تطبيقه على الحالة السوريّة باعتبار أنه يحتاج إلى طلب من النظام وهذا من المستحيلات، أما على صعيد إلزاميّة قرارات هذه المحكمة فيما إذا شكلت، فلن تكون إلا بين الدول التي قد تصادق على الميثاق وغير ملزم لغيرها من الدول، مما يفقد الموضوع مضمونه باعتبار أن الهدف من تشكيلها هو منع الإفلات من العقاب .

ورغم وجود عدد من التقارير التي تدين استخدام النظام الأسلحة الكيماوية، إلا أن دعوات الضحايا والمجتمع الدولي إلى المساءلة دون إجابة هي ما يؤرق المؤسسات الحقوقية والمنظمات الفاعلة وذوي الضحايا، لا سيما أنه تعذّر اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية في سوريا، للنظر في مثل هذه الجرائم، بسبب استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2014.

ولدى سؤالنا المحامي حوشان عن الحل الأنجع والأكثر ديناميكية للمضي قدمًا في محاكمة النظام وأزلامه في ملف استخدام السلاح الكيماوي، أجاب حوشان، بأن الحل موجود وهو قيام الدول الأوروبية الموقعة على ميثاق روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة وباعتبارها دول أعضاء الطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فتح تحقيق بهذه الجرائم استنادًا للمادة 13 و 14 من ميثاق روما للمحكمة ، وبالنهاية هناك مبادئ وقواعد العلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية فهي المرجع في تحديد قانونية وشرعية التشكيلات الإقليمية والدولية، وهذا الأمر يقوم على المبادئ الواردة في المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وهو احترام سيادة الدول واحترام الاستقلال السياسي والاحتكام إلى الطرق السلمية في حل النزاع، وبالتالي فان طرح فكرة تشكيل المحكمة سيحولها إلى نزاع قانوني قد لا ينتهي.

ويختم حوشان حديثه بالقول، إنه يمكن إنشاء المحكمة مع مجموعة من 6-8 دول متنوعة جغرافيا جادة ومتوافقة بشأن الأسلحة الكيميائية والمساءلة. وبمجرد إنشائها، يمكن للمحكمة أن تفتح عضويتها على نطاق أوسع، على أساس أن التمثيل الجغرافي العادل أمر أساسي، لتعكس عالمية القاعدة. واستنادا إلى بحث مكثف في لوائح الاتهام الصادرة عن المحاكم والهيئات القضائية السابقة والتشاور مع الخبراء، يقدّر أن الأمر سيستغرق حوالي عام واحد لإنشائها، وسنة واحدة لإصدار لائحة الاتهام الأولى، بالنظر إلى كمية الأدلة التي تم جمعها إلى اليوم، و"هذا كله كاف لنعرف العقبات ومآلات الفكرة"، حسب وصف المحامي حوشان.

التعليقات (3)

    3

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات