الكلمة والصورة في الحرب النفسية على الثورة السورية

الكلمة والصورة في الحرب النفسية على الثورة السورية
واجهت الثورة السورية حرباً نفسية شرسة على مستويين ، المستوى الأول هو الحرب التي قادها النظام ضد الثورة والمستوى الثاني ، وكان أكثر خطورة ، هو حرب نفسية دولية قادها معظم الزعماء والقادة في الدول الكبرى وحتى الدول الإقليمية .

وفي مواجهة هذا وذاك وبعفوية اتسمت بالإبداع والإصرار خاضت الثورة السورية حربها النفسية واستطاعت إثبات قدرتها على مواجهة هذه الحرب وكان رد فعل الثوار على الأرض ينضج باستمرار ويستجيب لكل المتغيرات التي كانت تعترض طريقه نحو الحرية ، وتطورت لغة الحرب النفسية لتتناسب مع كل مرحلة من مراحل الصراع مع النظام من جهة ومع الحرب التي قادها قادة العالم من جهة أخرى ، فمن ثورة سلمية توظف الكلمة والصورة إلى ثورة ترفع راية الدفاع عن النفس بالسلاح لكنها تدرك في الوقت نفسه قيمة الكلمة والصورة في التأثير على الخصم .

 الحرب النفسية التي قادها النظام

منذ انطلاق الثورة ركز النظام على دعاية مضادة للثورة كان الهدف الرئيسي منها هو تشويه الحراك الثوري وقلب الحقائق على الأرض وتكذيب القنوات الإعلامية وقد اعتمد النظام على الجوانب التالية :

1. القول بوجود مؤامرة كونية ضده مستندة إلى الفكرة الأسطورية «قلعة المقاومة والممانعة».

2. إلصاق التهم المتنوعة بالثائرين على الأرض مستخدماً كماً من المفردات مثل ( مندسين ـ سلفيين ـ مسلحين ..الخ )..

3. التحريض ضد المتظاهرين من خلال مفاهيم طائفية وعرقية وإيديولوجية .

4. زرع الخوف والرعب في قلوب الناس من جراء المشاركة في دعم الثورة وأقلها التعاطف مع الحراك الثوري .

5. شن حملة على كافة وسائل الإعلام التي لا تكرر أقواله والتي وصفها بأنها مغرضة .

وقد استخدم النظام وسائل متعددة في حربه النفسية منها:

1. بث الشائعات بين الناس حيث أن الشائعة تنتشر انتشاراً واسعاً وتعتمد على مشاعر الخوف والقلق وهي من جهة أخرى تكون مجهولة المصدر ويتم تناقلها وتطويرها من قبل الناس وعادة ما ينقلها الجهلة من الناس ( كالقول بأن انقطاع التيار الكهربائي هو بسبب الأعمال التخريبية للمسلحين )

2. التكذيب والنفي اعتماداً على صورة مكونة من أجزاء غير مترابطة ( كالقول بأن القذائف التي تسقط من الطائرات هي متفجرات زرعها المسلحين ).

3. تكوين علاقات غير منطقية بين المقدمات والنتائج ( كالقول بأن الدول الغربية وإسرائيل تدعم الثورة ضد بشار الأسد بسبب تبنيه للمقاومة والممانعة ).

وقد فشل النظام وإعلامه في حربه النفسية فهو لم يستطع إقناع إلا المؤيدين له في الداخل والذين لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من الشارع السوري وهذا مرتبط إلى حد كبير بالخلفية الطائفية والإيديولوجية لهؤلاء ، والسبب وراء فشل هذه الحرب النفسية هو الاستخفاف بعقول السوريين والنظر إليهم على أنهم غير قادرين على قراءة المشهد .

 الحرب النفسية الدولية

حاول المجتمع الدولي أن يخوض حرباً نفسية كانت أكثر خطورة على تقدم الثورة السورية ، اعتمدت على مجموعة من التصريحات والاجتماعات والوعود الفارغة . ومن أمثلة هذه الحرب التصريحات التي أطلقها الكثير من الزعماء عن فقد النظام لشرعيته وأن أيامه معدودة وعن التلميحات حول استعداد الدول لتسليح المعارضة وفرض مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة , وقامت هذه الحرب الكلامية على مبدأ خلق جو من التفاؤل والأمل الوهمي وصولاً إلى الإحباط واليأس ، وربط قدرة السوريين على إسقاط النظام بقرارات من المجتمع الدولي والتخويف من نتائج سقوط النظام الكارثي ، وكان المبدأ الرئيسي في هذا هو أن تكرار حالات الإحباط لدى الشارع الثائر سيؤدي إلى حالة من الاستسلام والقبول بتسوية تفرض بقاء الأسد ، وكان من الممكن فعلاً لهذه الحرب الضروس أن تفقد السوريين جذوة الحماس والإصرار ، إلا أنها لم تنجح وأدت إلى مفعول عكسي دفع السوريين إلى سياسة الاعتماد الكامل على قدراتهم الذاتية التي أذهلت العالم بالفعل.

 حرب الثوار النفسية والتفوق المذهل

استطاع الثوار إدارة حربهم النفسية مع النظام بذكاء باهر معتمدين على وسائل وأدوات بسيطة واعتمدوا في حربهم النفسية على شعارات ذات أثر كبير ، اعتماد مبدأ الصورة الواضحة البسيطة في نقل الحدث مع وجود قاعدة كبيرة من الإعلاميين الهواة ، وكانت البداية من المظاهرات السلمية التي رفعت شعارات مكتوبة وأخرى كانت تتردد على ألسنة المتظاهرين ، ناهيك عن التسميات التي كانوا يطلقونها على أيام الجمعة وما لها من تأثير في الرد على الحرب النفسية المضادة ، وقد ساعدهم في ذلك قنوات التواصل الاجتماعية بالإضافة إلى القنوات التلفزيونية المستقلة التي ناصرت الثورة ، ، وقد تركزت حرب الثوار النفسية على المحاور التالية :

1. شرعية الحراك الثوري بشقّيه السلمي والمسلّح.

2. تقويض ادعاءات النظام حول حقيقة ما يجري على الأرض ونفي التهم الموجهة للثورة.

3. الرد على كل المحاولات الدولية التي حاولت إحباط الثورة .

4. التأكيد على أن النصر سيكون حليف الثورة .

واستطاع الثوار التعامل مع المواقف المستجدة بذكاء وحنكة وطوروا لغة الحرب النفسية ومن الأمثلة الهامة في هذه السياق هو شعار « إرحل » الذي كان أحد العناوين الرئيسية في المراحل الأولى للثورة ومع تقدم الثوار عسكرياً على الأرض وامتناع المجتمع الدولي مع مناصرة الثورة وتمسك النظام برواياته وحله العسكري تحول هذا الشعار إلى شعار أكثر قوة وفيه الكثير من التحدي والسخرية في الوقت نفسه وهو شعار ( لا ترحل جايينك ) وهو يعكس مقدار القوة التي تمتعت بها الثورة في المراحل الأخيرة بتحويل المطلب بالرحيل إلى مطلب بالبقاء حتى يصلوا إليه في قصره .

ومع اقتراب العمليات العسكرية من قلب العاصمة ستصبح الحرب النفسية ذات دور أكثر أهمية في التأثير على مليشيات النظام ، لذلك فإنها ستحتاج إلى غرفة عمليات خاصة تقودها وتنظمها لتسير جنباً إلى جنب مع تقدم سير العمليات القتالية للجيش الحر وهذا ما نتمناه أن يحدث ويؤتي ثماره عما قريب .

* دبلوم الدراسات العليا بعلم النفس العسكري

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات