الحركات الإسلامية المقاتلة في سوريا وعجلة التهويل الإعلامي!

الحركات الإسلامية المقاتلة في سوريا وعجلة التهويل الإعلامي!

"بعد سقوط بشار نريد العودة إلى بيوتنا لنكمل حياتنا لأننا نريد العيش دون ظلم أو مصادرة للحقوق "..

بهذه الكلمات عبر أبو يوسف أمير جبهة النصرة في إحدى المناطق السورية عن رأيه بالجبهة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

إلا أن وسائل الإعلام أثارت ومازالت تثير ضجة كبيرة وتهويلاً إعلامياً مبالغاً فيه منذ دخول الحركات الإسلامية وإعلانها القتال ضد النظام السوري بسبب إهمال المجتمع الدولي والعالم لما يرتكب من جرائم ضد المدنيين في سوريا، ومازالت ترسم وتصدر صورة عكس التي يراها أبو يوسف لنفسه.

وسائل الإعلام تعزز باستمرار أن الحركات الإسلامية مسيطرة على المشهد العسكري والمدني في سوريا وأنها أكبر قوة عسكرية على الأرض وتعمل على إقامة دولة إسلامية متطرفة، غير أن أبو يوسف يرى أن هذه الحركات هي جزء من الحراك العسكري والثور على الأرض وليس هي المسيطرة على المشهد في أرض الواقع.

وسائل الاعلام التي نقل الصورة بهذه الطريقة خدمت النظام السوري الذي عمل على إفساح المجال لهذه الحركات بالظهور إعلاميا وركز عليه لأنها مرفوضة من الغرب ومن جميع دول ومجتمعات العالم، وقدمت مادة لوزير خارجية النظام الذي تحدث عن خطر هذه الحركات في الأمم المتحدة ومعزوفة مكررة أيضا لمندوب النظام لدى مجلس الأمن لايكل ولا يمل عن الحديث نفسه .

كما روجت وسائل الإعلام لفكرة أن هذه الحركات أكثر تنظيما وقوة وتدريباً من الجيش الحر والحقيقة ليست كذلك، فالفرق الوحيد بين هذه الحركات والجيش الحر هو أن عناصرها ملتزمون بأمر القائد أو الأمير التزاماً تاماً مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب والأوامر، وأنهم يتحلون بالصبر لدرجة كبيرة ويصبرون على أشد الظروف قسوة.

أما عناصر الجيش الحر الذين قد يكونون أكثر قوة وشجاعة من بعض عناصر الحركات الإسلامية إلا أنهم أقل صبرا والتزاما بأوامر القادة من نظرائهم عناصر الحركات الإسلامية .

من ناحية التدريب، فتدريبات المقاتلين الإسلاميين تشابه تدريبات الجيش الحر إلى حد كبير فمنهم ينضم إليهم بالتزكية من قبل شخصين يشهدون له بأنه شخص جيد، ومعسكرات التدريب التي يديرونها تقيم دورات تدريب منها ما قد يستمر أسبوعا وبعضها شهراً وهي من هذا الجانب لا تختلف عن معسكرات الجيش الحر .

يقول أبو عبيدة الجزراوي أحد قادة كتيبة المهاجرين "رأيت مقاتل من الجيش الحر عندما حررنا اللواء 80 في ريف حلب الشرقي، لم أرَ في حياتي بشجاعته علما أنني قاتلت في دول كثيرة."

وتشارك الحركات الإسلامية الجيش الحر في أعمال قتالية ومدنية كثيرة، كما تشاركه في تكتلات عسكرية أشهرها جبهة تحرير سوريا الإسلامية، وأهم هذه الحركات التي تعمل وتنشط في سوريا: حركة أحرار الشام الإسلامية، وجبهة النصرة، وجيش المهاجرين والأنصار، وجيش محمد في بلاد الشام، ودولة الإسلام في العراق والشام، وكتيبة المهاجرين.

الحركات الإسلامية لم تكن بمعزل عن الشأن المدني والخدمي فقد شاركت جبهة النصرة وحركة أحرار الشام ألوية الجيش الحر في اللجنة الرباعية الأمنية للهيئة الشرعية بحلب.

إلا أن الصورة ليست دائما توافق وانسجام بين العناصر الثائرة المقاتلة وهناك جو بادٍ للعيان بأن كثيراً من قادة الجيش الحر ومن المدنيين لا يناسبهم فكر أو تصرفات هذه الحركات والتنظيمات في بعض المواقف، لكن لايعني أن هذه الحركات مسيطرة على الأرض أن تصادما يلوح في الأفق والمدى القريب.

أبو البراء سوري من قادة حركة أحرار الشام عندما ذهب وعناصره لجلب أحد المطلوبين للهيئة الشرعية ودارت اشتباكات مع كتائب غرباء الشام ألقى سلاحه أرضا، وقال "نحن لن نرفع سلاحنا في وجهة اخوتنا."

وهناك عدة جوانب يدور حولها لغط كبير في وسائل الإعلام:

أولاً، أن غالبية المنضمين لهذه الجبهات هم سوريون، أما المهاجرون "الأجانب الذين يقاتلون في هذه الحركات" فعددهم لايتجاوز 10الى 15 بالمئة من مجمل عدد المقاتلين داخل الحركات الإسلامية كما أن أغلب قادة هذه الحركات هم سوريون.في حين أن مجموع عدد المقاتلين بالحركات الإسلامية يتراوح بين 20 الى 25 بالمئة من مجمل عدد مقاتلي الجيش الحر.

وثانياً، أن عمل هذه الحركات في المجال الإداري لايعني أنها تسيطر على الحياة المدنية لأن غياب الدولة وحالة الفوضى تتيح لأي مجموعة أن تسد الفراغ الذي خلفه سقوط النظام في تلك المناطق ولاتعني في الوقت نفسه أن عناصر هذه الحركات يعملون لإقامة دولة تناسب فكرهم فالدولة دستور ومؤسسات.

وثالثاً، أن عدم اعترافهم بالجيش الحر أو بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية لايعني أنهم يحاربونه. أبو المغيرة قائد جبهة النصرة في ريف حلب الشمالي لايتعامل مع الائتلاف ولايعترف به ولكنه ينسق ويتعاون مع قادة عسكريين من الجيش الحر وهو على علم بارتباطهم بالائتلاف. ويقر أبو أدهم قيادي في جبهة النصرة وأحد القضاة في الهيئة الشرعية بحلب بأن هناك اجتماعات جرت بين الهيئة والائتلاف باسطنبول لتوحيد جميع الكتل القضائية العاملة على الأرض وأن المشاورات والمبحاثات جارية في استمرار بين الجانبين.

وأخيرً، لاننسى أن معظم الألوية والكتائب العسكرية التابعة للجيش الحر في ريف دمشق هي إسلامية والفرق الوحيد بينها وبين الحركات الإسلامية الأخرى هو تبعيتها للجيش الحر وموافقتها على قيام دولة مدنية يحكمها أشخاص منتخبون .

الناشطة الميدانية رشا اللاذقاني تقول "إن الجيش الحر يدير أيضا مناطق كثير وليس الإسلاميين وحدهم، وإذا طبقت الشريعة على كل السوريين لامانع لدي من ارتداء الحجاب" وترى أن إعلان الولاء للقاعدة أضعف من شعبيتهم لأن الشعب السوري بأغلبيته معتدل ويكره التطرف.

يقول الناشط الإعلامي أحمد أبو محمود إن "تصرفات الحركات الإسلامية تعكس سعيهم لإقامة دولة على طريقتهم، فهم لايريدون العمل العسكري فقط، وهذه الحركات لها قوتها على الأرض ولكن ليس كما يتم تصويره ونقله إعلاميا، فهم ينشرون أفكارهم عن طريق الدعوة تارة وتارة أخرى عن طريق العنف لأنهم أقوياء وشعبيتهم مرتبطة بقوتهم. أما إعلامهم فهو غبي للغاية، قد يتبنون أحياناً عمليات من صنع النظام السوري ظناً منهم أنهم يرعبون أعوان النظام وشبيحته."..

ويمكن القول إن حرب الإبادة والتطهير والتركيع التي يشنها النظام السوري وأعوانه في كل من روسيا وإيران ولبنان والضوء الأخضر من المجتمع الدولي الذي يبارك جرائمه وفرت بيئة وحاضنة أو فراغ شغلته هذه الحركات الإسلامية التي تحظى بوجود مؤثر على مجرى الأحداث في سوريا إلا أنها ليست مسيطرة كما يتم عبر وسائل الاعلام، وهي ليست خطراً يهدد سوريا كخطر استمرار جرائم بشار الأسد بحق السوريين، إذاً حلم السوريين ومعاناتهم وتشابك قضيتهم يجب ألا تكون مادة أولية لصحفي يلوي عنق الحقيقة ويزور الوقائع ويهول الأحداث من أجل إرضاء رغبات مؤسسات إعلامية تبحث دائما عن الإثارة والصراع والخلاف.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات