دور الجيوش العربية في ربيع بلدانها!

دور الجيوش العربية في ربيع بلدانها!
ثمة قاسم مشترك يربط أزمات المنطقة العربية والشرق أوسطية بعضها ببعض، وليس في الأمر غرابة نظراً لوجود حالة من التداخل والتعقيد بين مجتمعات المنطقة وفي قلب منظوماتها الفكرية والسياسية، ونظراً لحالة التشابه الهائلة في نمط إدارة العمليات السياسية في إطار منظومة الوحدات السياسية المكونة لنسيج المنطقة السياسي.

في هذا السياق، ثمة تقديرات لدى دوائر عديدة، بأن الحالة المصرية، وفي حالة نجاحه كتجربة سيجري تعميمه على باقي حالات الشرق الأوسط، التي لا تزال عالقة، ولا تزال مجتمعاتها تعيش مرحلة ما بين الحرب الأهلية والاضطراب، كاليمن وتونس وليبيا، بالإضافة إلى سوريا التي باتت تمثل مأزقاً دولياً لمختلف الأطراف الإقليمية والدولية، فالمشهد المصري اليوم ينطوي على حل توفره آليات النظام نفسه ومؤسساتها، وهو قيام مؤسسة الجيش بقيادة الحل وفرضه على جميع الأطراف بما فيها رأس النظام نفسه. ويتميّز هذا الحل بكونه ينطوي على مزايا كثيرة، كما أنه يطرح إغراءات مهمة لمختلف الأطراف منها:

أنه يوفر على الأطراف الخارجية كلفة التدخل الخارجي، وخاصة وأنها عملية لم تحظ بتوافق دولي من مختلف الأطراف. إضافة إلى كون تلك الأطراف الخارجية أصلاً تعاني مشاكل داخلية تتعلق بعدم قدرتها على إقناع شعوبها بأولوية التدخل الإنساني في الأزمة السورية نتيجة استغراق تلك الشعوب بأزماتها الاقتصادية والمالية واعتكافها مشاكل العالم الخارجي وهمومه.

من جهة ثانية، يضمن هذا الحل المحافظة على مؤسسات الدولة وضمان عدم فرطها وتشتتها، والابتعاد تالياً عن الشبح الصومالي الذي بات يلوح في أفق المشهد السوري. حيث تدرك مختلف الأطراف الدولية المتصارعة الأهمية الجيو إستراتيجية لسورية وحيوية موقعها الجغرافي وارتباطه العضوي والوثيق بمصالح وأمن المجموعة الدولية الفاعلة والمؤثرة.

ومن جهة أخرى، فإن هذا الحل يلقى قبولا من الطرف الروسي، أكثر الأطراف الدولية داعمة للنظام والذي يصر على وجوب أن يكون له كعكة في سوريا المستقبلية، والمعلوم أن الروس لهم علاقات متشعبة داخل المكون العسكري السوري بحكم العلاقات التاريخية بين الطرفين.

وكانت روسيا قد اقترحت، في مرحلة سابقة، تسليم الأمور لمجلس عسكري، على أن يتكون إطاره من مختلف مكونات المجتمع السوري، وترجح فيه كفة الأقليات، وذلك حتى تشعر بمزيد من الاطمئنان على مستقبلها وعدم تعرضها للانتقام من قبل المكون الأكثري، إلا أن تطورات الحدث السوري طوت هذا المقترح. من جهتها، أعلنت أميركا أكثر من مرة رغبتها في الحفاظ على مؤسسة الجيش والأمن في سوريا، فيما يبدو أنه محاولة لعدم تكرار تجربة العراق.

إضافة لذلك، فإن هذا الحل يتوافق مع رغبات إسرائيل في عدم استلام الإسلاميين للسلطة بسبب مخاوفها من غموض مواقفهم المستقبلية تجاه الوضع في الجولان وعملية السلام عموماً، فيما تستطيع إسرائيل التكيف والتنسيق مع مؤسسة الجيش السوري، بعد خبرة عقود من التعاطي بين الطرفين، ناهيك عن كون هذا الطرح يراعي مخاوف الروس من تمدد حكم الإسلاميين في المنطقة.

كيف ستتم ترجمة هذا الأمر على أرض الواقع، خاصة في وجود تماه بين المؤسستين العسكرية والأمنية في سوريأ ورأس النظام نفسه، حيث تصبح عملية الفصل بينهما أعقد مما يتصور الكثير، مما يجعل الحديث عن إمكانية الانقلاب على النظام مجرد حديث نظري لا أسانيد له؟ الجواب على ذلك أن مسار الحدث صار متداخلاً بدرجة معقدة وأن الأطراف الخارجية صارت طرفاً فاعلاً، وأن هذه الأطراف إذا ما توافقت على الترتيبات والتفاصيل، فلديها القدرة على إظهار المخرج المناسب للأزمة. والأهم من كل ذلك أن الأزمة تعقدت بدرجة كبيرة، كما أنها أعيّت مختلف أطرافها وأرهقتهم باستنزافها لرصيدهم المادي والمعنوي وخاصة الأطراف الدولية والإقليمية.

يبقى السؤال عن ماهية الجيش الذي سينفذ هذه الخطوة، وخاصة وأن الجيش السوري النظامي يعتبر طرفاً متورطاً في الأزمة، بمختلف تشكيلاته وقطاعاته. غير أن ذلك لا يعدم إمكانية إيجاد قيادات يمكنها المشاركة بهذه المهمة، كما أن ثمة عملية موازية تجري في الطرف الأخر، تتمثل بخطوة إعادة هيكلة الجيش الحر وتحويله إلى جيش وطني قد يستوعب في أطره تلك القيادات المشار إليها، ويتحول تالياً إلى وريث لمؤسسة الجيش الحالية ويتولى بنفسه عملية التغيير والإشراف على الترتيبات التالية لسقوط النظام.

على عكس ما يحاول رأس النظام السوري تسويقه، عبر السعي لتصوير الحدث المصري بوصف ما يحصل في المنطقة على أنه صراع بين القوى التقدمية والقوى الإسلامية، تبدو الأمور لا تسير في السياق الذي يرغب فيه، فلا الدول العربية ستؤيده وهي ليست في هذا الوارد بالمطلق، ولا العالم يرى الأمور من ذات الزاوية رغم كل الحذر الذي تبديه بعض الدول الغربية تجاه القيام بخطوات حاسمة في الملف السوري. الحل المصري يختمر، والعالم كله يراقب الحدث- النموذج، ليصار إلى تعميمه في دول الإضطراب العربي وسورية من ضمن هذا النسق.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات