لماذا يجب أن نشرح قضيتنا للشعب الأمريكي؟

لماذا يجب أن نشرح قضيتنا للشعب الأمريكي؟
خلال المظاهرة الأخيرة التي شهدتها العاصمة الأمريكية مطلع سبتمبر المنصرم، والتي أقامتها الجالية السورية في الولايات المتحدة أمام مبنى الكونغرس بواشنطن بالتزامن مع بدأ جلسات الأخير لمناقشة الضربة الأمريكية المزمعة في حينه، مرّت ناشطة أمريكية أربعينية وهي تحمل لافتة مناهضة للحرب من أمام المظاهرة الداعمة للضربة، وصرخت بهم:

"يكفينا... لا نريد لبلدنا أن تدخل حرباً جديدة لأجل غرباء" فاستوقفها أحد السوريين بتهذيب، وسألها أين ستذهب، فأشارت إلى مظاهرة أخرى مقابلة مناهضة للحرب كان دعى إليها مؤيدوا الأسد وشبيحته بذات التوقيت، فبادرها بالقول "إذاً أنت يا سيدتي تقولين أنك مناهضة للحرب لكنك فعلياً ذاهبة لترفعي لافتك مع من يؤيدون الحرب وقتل المدنيين والأطفال بالأسلحة المحرمة دولياً".

خلال دقائق من النقاش شرح فيها السوري للناشطة حقيقة الموضوع و كيف أن الضربة هي ضرورة لوقف الحرب لا لاندلاعها، عرفت الأخيرة أنها كانت ذاهبة لتقف على الجانب الخطأ فتراجعت واخفضت لافتتها وعادت إلى منزلها.

تشير هذه الحادثة بسيطة الدلالة إلى أمر قد لا يدرك أهميته وخلفياته الحقيقية سوى السوريون المغتربون الذين يعرفون كيف يبنى الرأي العام في بلدان الاغتراب التي يعيشون فيها، وكيف يؤثر ذلك في سياسات دولها، وكم هو ضروري وملحّ أن يتم توضيح ما نعتقد أنه واضح للعامة (وهو ليس كذلك).

توجد في الولايات المتحدة عشرات المحطات التي تتحدث باسم اثنيات وقوميات وطوائف متنوعة، بعضها تمثل جماعات لا يزيد عدد أفرادها عن ألفي شخص، ويكاد وجودها غير ذي بال و ينحصر في مدينة أو اثنتين، ورغم ذلك تخرج هذه المحطات لتسوّق لتلك الجماعات وتعرّف الأمريكين بهم، وهو ما يساعد على استيعابهم ثقافياً وديموغرافياً، ويؤثر حتى على دائرة اتخاذ القرار لتصدر لهم بعض القوانين الخاصة التي تضمن حقوقهم.

في الوقت عينه، يزيد عدد العرب في الولايات المتحدة عن خمسة ملايين بحسب الويكيبيديا، ويتوزّعون على معظم الولايات الأمريكية وإن كان لهم غلبة في ولايات دون أخرى كميشيغان ونيوجيرسي ونييورك، ثلثا أولئك من بلاد الشام ، و61% منهم من حملة شهادات علمية عليا، ونسبة كبيرة منهم يعملون في مهن عالية كالطب والهندسة والقانون، وبالإضافة إلى وجود رجال أعمال كبار وسياسيين مؤثرين، ويبلغ متوسط دخل الأُسر الأميركية من أصل عربي في عموم الولايات المتحدة حوالي 54 ألف دولار سنوياً، متفوقاً بذلك على مستوى دخل الأسر الأميركية الأخرى والبالغ 43.6 ألف دولار سنوياً.

تخيلو أنه لا يوجد لهذه الجالية الضخمة قناة تلفزيونية احترافية واحدة تمثلهم وتنطق باسمهم و تقدمهم للمجتمع الأمريكي، وتشرح لهم حدثاً كبيراً كالثورات العربية ومنها السورية بطبيعة الحال، لذلك ليس مفاجئاً أن معظم ما يكوّنه الأمريكيون من أفكار وقناعات حول العرب وأخبارهم مستمد مما يبث على القنوات الأمريكية الإخبارية التي لا تنقل بالغالب سوى أخبار الحروب والأزمات في بلدان المنطقة، وبطريقة سطحية وانتقائية غير ذات مصداقية في كثير من الأحيان، فكيف إذا كان الخبر من الأساس يساعد بذاته على تعتيم الصورة، وكيف سينظرون لثورة يركّز الإعلام فيها على صور مقاتلين ذوي ذقون كثّة، ويرفعون أعلاماً سوداء ويلبسون كلابيات أفغانية، ويقاتلون جيشاً نظامياً حليقاً يلبس اللباس العسكري الرسمي ويمثّل حكومة؟

في المقابل كثير من السوريين يقولون "لا يهمنا الرأي العام الأمريكي"، منطلقين من الصورة النموذجية التي كونوها عن الأمريكين والتي تشبه من حيث التكوين النظرة المعاكسة التي كونها الأمريكيون ضدهم، ومعظم السوريين يخلطون بين أمريكا البيت الأبيض ودوائره، وبين أمريكا الرأي العام، ويظنون أن الأول هو نتيجة الثاني بالضرورة، والعارفون بحقيقة الأمر يدركون أن هذا صحيح في كل شيء في الولايات المتحدة إلا السياسة، فآخر ما يعني الأمريكيين عموماً ما يحدث في العالم من حولهم، وهم يهتمون به فقط بمقدار ما يؤثر بشكل مباشر بحياتهم، ودون ذلك يتركونه كاملاً لواشنطن ومؤسساتها لتتصرف به، بالأساس كانت هذا جوهر الاتفاق الفيدرالي بين الولايات حين سُنّ الدستور الأمريكي عام 1787، لذلك عندما لا تستطيع وضع الأمريكيين على تماس حقيقي مع مشكلتك وبالتالي دفعهم للضغط على البيت الأبيض، فإنها قضيتك ستبقى مجرد ورقة سياسية يسهل التلاعب بها بعيداً عن أبعادها الإنسانية والمصيرية، وهنا يلعب الإعلام الدور الرئيس في هذه العملية، وبالتالي فالأجدر في هذه الحالة أنه يجب أن يهمهنا الرأي العام الأمريكي طالما الولايات المتحدة هي الدولة العظمى، وهي محرك السياسات وصاحبة المفاتيح والحلول في العالم، وقد رأينا جميعاً كيف أن كلمة واحدة من أوباما أركعت النظام بين ليلة وضحاها فانطلق يلعق الأرجل ويقبّل الأيادي.

بالمحصلة ربما أخطأت المنظمات السورية العاملة في الولايات المتحدة عندما لم تخصص بعض ملايين الدولارات من بين الثلائمة والخمسين التي جمعتها للثورة، وذلك بغية إنفاقها في الإعلام للتأثير بالرأي العام الأمريكي وحشد التأييد للثورة، وهو ما كان سيؤثر في وقت أبكر بالكونغرس وبالتالي البيت الأبيض ويدفعه للتحرك لوقف الاستنزاف المستمر منذ عامين ونصف، والذي كان من شأنه أن يوفر الكثير من الضحايا والخسائر.

*صحفي وكاتب سوري

التعليقات (1)

    محمد الخطيب

    ·منذ 10 سنوات 7 أشهر
    كلام سليم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات