حالة من البؤس الكردي تجسدت بالنزيف الكردي والصراعات المجانية التي تخدم النظام، وكانت الهجرة والفقر والعوز وغياب الأمن، والأمان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، واتجه المجتمع للعسكرة غير الجامعة والموحدة، تحولات سريعة مضرة بالبنية الكردية الاجتماعية لا تدعو للتفاؤل قطعاً، رغم الهالات التبشيرية المغلفة بالأدلجة التفاؤلية المتورمة والمتضخمة تماماً كما كان البعث يروج لأفكار مماثلة فكانت النتيجة دمار البلاد والعباد ومغادرة البعث إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليه.
ومن موقعي ككاتب وباحث كردي من سوريا، أرى ضرورة تحرك سريع وعاجل لخطوة لا تكون جزئية متعلقة بفئة محددة أو بشريحة معينة أو بقطاع ما من المجتمع الكردي، إنما خطوة شاملة جامعة ململمة للوسط المثقف والإعلامي والمتنور لتشكيل رأي عام كردي كاسح، لكي لا نضيع الفرصة التاريخية ونستجيب للحالة الاستثنائية الكردية.
كنا نقول ولا زلنا أن الأحزاب الكردية لا تستطيع أن تحافظ على المصلحة الكردية أو تحققها من دون العقل الثقافي التنويري، وللأسف هو غائب لا بل مصادر وملغى بقصد قاصد وقدرة قادر ايديولوجي لمصالح ضيقة أنانية، لا تخدم المصلحة الكردية، ولا المصلحة السورية العامة، بالخلاص من الدكتاتورية وبناء منظومة علاقات متقدمة مع الطرف العربي السوري، والخروج من أطر التفكير التعصبي القومي الانغلاقي إلى فسحات التعايش الحضاري المشترك بموجب دستور عصري جديد يلبي طموحات الكرد وكل السوريين بالكرامة والحرية والعيش المشترك.
لذا فإنني أطرح المبادرة الثقافية للمناقشة، وتتلخص بتشكيل إطار جامع كبير ثقافي فكري كردي، يشارك فيه جمع غفير من باحثين ومفكرين وكتاب وإعلاميين ورجال دين متنورين وفنانين وحقوقيين وكل القطاع الفني والثقافي للعمل كخلية نحل نشطة سواء من خلال الإنترنت وبرامجه المتعددة تويتر يوتيوب فيسبوك ومواقع الكترونية والوصول مستقبلاً بعد نجاح الفكرة إلى إنشاء موقع الكتروني ضخم مستقل بمساعدة بعض الميسورين الكرد أو بجهود هؤلاء النشطاء.
وعلى الأرض بالتركيز على الإستقلالية وضرورة تنوير الرأي العام الكردي بجسامة الوقوع في الخطأ الجسيم الذي تقع فيه الأحزاب الكردية، وتجنيب الكرد ويلات الأيام والشهور والسنين القادمة، وتنوير الشعب والتوضيح أن مصائر الشعوب ليست لعبة تجريبية بيد قوى تدعي تمثيلهم وأن التاريخ لن يعود للوراء وأن للكرد من التجارب ما يكفي لأخذ العبرة والدروس الكافية، بعدم التكرار القاتل لتلك الأخطاء.
الحقيقة أتلمس بوضوح وجود رأي عام كردي لكنه مشتت وغير مؤتلف وغير جامع يدعو للتفاؤل، لكنه يحتاج إلى التأطير ولو غير التقليدي.
للأسف لا يدرك المثقف قيمة قيمه وفكره في تشكيل الرأي العام، وللأسف المثقف الكردي في غالبه لم يصل بعد إلى الإدراك أن انتظار الأحزاب والمؤدلجين.
لن يفيد الكرد بشيء، وهذا الإنتظار كمن يركض وراء السراب، وأن كل كتابة ثقافية أو سياسية منفردة لن تصب في عملية تشكيل رأي عام كردي ضاغط، رغم ضرورة وأهمية تلك الكتابة.
المبادرة تدعو المثقف الخروج من أجواء الصدمة إلى مناخات الصحوة واليقظة
نحن أمام مفصل تاريخي حساس فان لم نتحرك ولو على مستوى الوعي فإن قطار الأزمات سيجرفنا إلى الضفة المهملة من التاريخ .
أدعو كل إخوتي وزملائي من جميع القطاعات التي لها دور في الوعي والتنوير إلى التحرك إلى عمل إطار عام غير تقليدي مفتوح وشفاف – بشرط الارتفاع بسوية التخاطب بعيداً عن الحزبية الضيقة أو التجاذب الايديولوجي أو الشتائم والسفاسف الدونية والسوقية الساقطة - يكون وظيفته الأساسية التنوير والوعي ولا ينافس أي جهة حزبية أو مؤسساتية، سيكون هذا الإطار إطاراً فيه فضفاضية كبيرة لصالح الابتعاد عن القوقعة المؤسساتية وهو سيكون بمثابة الجسم الثقافي العام الذي لا يتعلق بفئة محددة مثلا كتاب أو موسيقيين أو فنانين أو محامين أو إعلاميين أو حراك شبابي، سيكون له هامش انفتاحي كبير جداً وهو ضروري لإنقاذ شعبنا الكردي من الخطر القادم.
أرجو من الإخوة المعنيين الأخذ بهذه المبادرة ومناقشتها بجدية تامة، وعدم تركها وبالتالي ترك مصيرهم للجهلة والفاسدين وتجاوز الأزمات والصراعات الأيديولوجية وحتى النزاعات المسلحة، الطاقات موجودة وممكن أن تتلاقى والإطار الجديد لن يكون له أي خلاف مع أي جهة، ما قلنا فقط مهمته جامعة وتنويرية ، ( لنتذكر أن حركة تمرد المصرية انطلقت من خمسة أشخاص في مصر).
عندما نرى الخلافات الكردية ماثلة أمامنا نتفرج ونصمت، هذا التفرج، هو الذي سيتحول إلى وحش كاسر سيهزمنا جميعاً، كلنا مسؤولون وكلنا معنيون وكلنا نتألم ومن حق الكل أن يتحدث، وبخاصة الفئة المتنورة فلماذا الصمت والبلد يحترق ؟!
أنا اقترح اسم لهذا الإطار الجبهة الثقافية لكرد سوريا، وممكن أن يقترح المناقشون أسماء أخرى وممكن أن تتغير المبادرة أو تتوسع، لا يهم، المهم الوصول إلى قناعة بضرورة التحرك الثقافي العام، الكل مطالب به حسب قدراته وطاقاته.
أنا أرى أن إطارا مستقلاً كبيراً غير مؤدلج هو دواء للشعب الكردي، ولذا ولهذا السبب ونتيجة للظروف الاستثنائية الكردية، هناك ضرورة عاجلة لتحرك قطاعات كبيرة من المجتمع الكردي لإنقاذ ه من المخاطر القادمة.
التعليقات (4)