وماذا لو انسحبت أميركا؟

وماذا لو انسحبت أميركا؟
تمارس بعض الأطراف في المنطقة سياسة ابتزاز حول قضية افتراضية يجري الترويج لها، وهي مسألة انسحاب أميركا من المنطقة، حتى لتبدو أنها تريد ان تقبض ثمن هذا الانسحاب الافتراضي مقدماً من مواقع وأوضاع خصومها.

وفي الواقع ليست هذه سوى محاولة " ذكيّة" لتحقيق مكاسب عن طريق التهويل والتدليس ، ذلك ان الحيثيات تعاند هذه الادعاءات وتكشف تهافتها:

- لا يوجد في الشرق الأوسط قوى يمكنها ضبط وقيادة المنطقة، سواء بقواها الذاتية او بمساعدة قوى حليفة من خارج الإقليم، ذلك أن كل القوى تعرضت في العامين الماضيين إلى حالة من الإنهاك والاستنزاف الشديد بحيث برزت عيوب ومشاكل في داخل كل الكيانات والمكونات تجعلها ضعيفة وتنذر بحدوث تطورات غير متوقعة بداخلها، ولا تنجو أي قوة من هذا المصير الذي بدأ يتشكل، حتى وإن بقيت مؤشراته ملتبسة، إذ تؤكد الخبرة التاريخية أن الحروب عادة ما تكون اخر اشكال الصراع داخل المجموعات، وهي غالباً ما تفضي إلى بروز قوى جديدة تكون قادرة على إدارة المراحل التالية، فهل من قوى لم تنخرط بعد في الحرب الإقليمية؟.

- استتباعا لذلك، تعتبر الحرب نهاية قيادة نخبة وسيطرة مزاج معين، وبالتالي فإن النخب التي مارست عملية الاستنزاف لمجتمعاتها لن تكون قادرة على إصلاح ما خربته، ولن يكون لديها القدرة على التكيف مع المزاج الذي ستفرزه الأحوال اللاحقة، والذي رويدا رويداً سينتج ألياته وبنياته واستجاباته الإسعافية للخروج من هذا الواقع، والأهم إنتاج وتوليد واقع جديد باشتراطات مختلفة، على افتراض ان هذا الواقع سينتج نمطاً من التفكير الواقعي ليمكن تجاوز الأضرار التي خلفتها صراعات الأيديولوجيا وسيادة العقائد اللامنطقية، الغالب تتكشف لا منطقية الحروب بعد نهايتها، حينما ينتهي مفعول أفيون التحريض.

- لم تصل بعد اميركا إلى قرار الخروج النهائي من المنطقة، كل المؤشرات تدل على أنها بصدد هيكلية إستراتيجيتها العالمية، وتبعا لها الإقليمية، وهي استراتيجية تقوم على تعديل قواعد الإشتباك وليس إلغائها، والمقصود بهذا التعديل ان يساعد بترشيد الإنفاق الامريكي، مع إمكانية الحفاظ على المصالح، حتى ان أميركا تنطلق في مقاربتها هذه من لحظة عالمية تعتقد ان الاخصام، وخاصة في المنطقة، منهكين ويمكن في هذا المناخ تحقيق تسويات مؤاتية. فعلى سبيل المثال هناك اكثر من عشر قواعد عسكرية متمركزة حول ايران من كل جانب، وهي منتشرة في سلطنة عمان والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت وتركيا واذربيجان وتركمانستان وباكستان وافغانستان وكلها تتبع قيادة centcom (القيادة الاميركية الوسطى). ولذلك فان رفع حالة الاستنفار او التوجه من حالة اللاحرب الى حالة السلم من شأنه خفض عدد العاملين في هذه القواعد دون التخلي عن القواعد نفسها. ومن هنا فان وجود قوة اصغر تستطيع الحفاظ على مصالح واشنطن في العالم وتوفير ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنوياً.

- إنسحاب أميركا، إن حصل، فهو لن يكون بمصلحة الاطراف المهللة له، لأنه سيعني نهاية شكل من أشكال الأنظمة والكيانات والقوى التي سيطرت على الحياة السياسية والاجتماعية وشكلتها وفق صيغة معينة، صحيح ان بعض هذه الكيانات كانت على درجة معينة من الاشتباك، إلا ان المصالح الامريكية ولعبة التوازنات أفادت بقاء هذه الأشكال وضمنت تطورها واستمرارها حتى اللحظة، وأن الانسحاب الامريكي لو حصل فإنه يعني فتح الباب أما تطورات قد لا تستطيع هذه الأطراف ضبطها والتحكم بها.

لعل المشكلة في المنطقة ان اميركا لم تفكر بالانسحاب، التسويات التي تصممها تؤكد انها باقية، وإنما وفق مصالحها وما يتناسب مع تطورات اللحظة الدولية وظروفها الإقتصادية وتوجهات رأي نخبها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات