قطار المعارضة.. والخروج عن سكة الحوار

قطار المعارضة.. والخروج عن سكة الحوار
بدأ مسار الثورة السورية وفق خطين متوازيين تماماً، هناك من اتخذ من تاريخ مظاهرة يوم الثلاثاء 15/3/2011 "يوم غضب سوري"، تلك المظاهرة التي خرجت من أمام الجامع الأموي باتجاه سوق الحميدية، "ولم يتجاوز عدد المتظاهرين فيها الـ 15 شخصاً. ثمّ توسعت قليلاً لتمتد على مدى 10 دقائق أخرى"، حسب شهادة أحد المتظاهرين، وبعدها جاء اعتصام الداخلية والاعتقالات التي حدثت خلال المظاهرة والاعتصام، وامتدادات هذين الحدثين، واللذين يعدان الأبرز في بدايات الثورة، حيث تمكنت دعوات فيسبوكية من حشد هذا العدد المتواضع، بعد أن اجتاحت عاصفة "الربيع العربي" المنطقة العربية، وبدأت طبول التغيير تقرع، سواء من هروب "زين العابدين بن علي" إلى تنحي "مبارك"، واشتعال نيرانها في ليبيا ضد "القذافي".. ، وهذا التاريخ هو ما اصطلح عليه فيما بعد "مظاهرة العلمانيين".

أما البداية الأخرى للثورة، فكانت في 18/3/2011 أو ما سمّي بـ"جمعة الكرامة" في مدينة درعا، عندما خرجت المظاهرة تنديداً بالممارسات الإجرامية للعميد "عاطف نجيب" ابن خالة بشار الأسد، والذي كان رئيساً لفرع الأمن السياسي في درعا – طبعاً لأن درعا تعتبرمنفذاً حدودياً – من اعتقال الأطفال إلى إهانة رجالات المدينة، فكان الاحتجاج عبر مظاهرة قتل فيها رجال الأمن 4 من أهالي درعا، ذنبهم الدفاع عن أطفالهم!

أياً يكن تاريخ بداية الثورة، سواء أكان في 15 آذار أو 18 آذار، فإن الثورة بدأت فعلاً، وبدأ النظام الأمني والمخابراتي يشعر بالخوف من انهيار بيت العنكبوت الذي نسجه على مدى أربعة عقود وفصّل دستورا،ً وقوانين، ومراسيم تثبّت حكمه إلى مئات السنين. خصوصاً أنه وضع قيادات الجيش من طائفته ليضمن الولاء المطلق لبقائه، على اعتبار خروجه من الحكم هو نهايتهم، بعد أن أدخلهم الأسد الأب في جرائم ضد الشعب السوري، واستطاع أن يكسب نقمة معظم الشعب على هؤلاء الفاسدين، الذين هم بالمقابل مصدر قوته، وسيحاربون إلى آخر نفس من أجل حمايته، التي هي حمايتهم بشكل طبيعي.

التلويح بالعصا المقدادية

أوفد بشار الأسد في 20/3/2011 "تامر الحجة"، وزير الإدارة المحلية آنذاك، لتحقيق مطالب أهالي درعا، و"فيصل المقداد"، ابن قرية "غصم" الدرعاوية لتقديم واجب العزاء باسم رئيس الدولة، بسبب الأحداث المؤسفة التي وقعت في مدينة "درعا" يوم "جمعة الكرامة"، بداية الثورة السورية التي قتل فيها أربعة شهداء سلميين، إلا أن الحكومة السورية عبر إعلامها قالت أن اثنين فقط هما من قتلا! (الرئيس الأسد يكلف "الحجة" و"المقداد" بتقديم التعازي لأسرتي الشهيدين اللذين توفيا خلال الأحداث المؤسفة في محافظة درعا).

ولعل اختيار "فيصل المقداد" لهذه المهمة، لأنه ابن محافظة درعا ذات التركيبة العشائرية، وعلى اعتبار أن عشيرة "المقدادية" من كبرى العشائر، فكان لابد من إيفاده لإقناع أهل مدينة "درعا" بالكف عن المشاغبات، ولإيجاد قنوات حوار بين الحكومة و كبار وجهاء المدينة بغية إنهاء التمرد بالوعود بمحاسبة من قام بإهانة الأعيان، فكانت زيارة الترغيب والترهيب التي باءت بالفشل، واستمرت المظاهرات طوال الأسبوع استنكاراً لما حدث في "جمعة الكرامة"، والتي راح ضحيتها بين 100 – 150 شهيداً، لتكون الجمعة الثانية هي "جمعة العزة".

القائد والرعية .. حوار الذئب والغنم

خرج "بشار الأسد" على السوريين في 31/3/2011 ليلقي خطابه من منبر مجلس الشعب السوري، ويفنّد المؤامرة الدنيئة التي حبكتها الصهيونية العالمية لضرب محور المقاومة والممانعة، واعتبار ما يحدث إنما هو مؤامرة كونية على سورية المقاومة (سورية اليوم تتعرض لمؤامرة كبيرة، خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة، ولها بعض الخيوط داخل الوطن. تعتمد هذه المؤامرة في توقيتها، لا في شكلها، على ما يحصل في الدول العربية. هناك صرعة جديدة اليوم هي ثورات بالنسبة لهم، ونحن لا نسميها كذلك) وأضاف: (المتآمرون قاموا بالخلط بين ثلاثة عناصر: الفتنة، والإصلاح، والحاجات اليومية ). وقد اعترف أنه تأخر في إلقاء هذه الكلمة أسبوعاً كاملاً لتتضح الرؤية، إلا أنه في اليوم الذي ألقى فيه الكلمة، كانت قد امتدت المظاهرات إلى عدد من المدن والبلدات، وبدأ بالحديث عن الإصلاحات التي قال أنها مطالب الشعب، أي أنها تمّت رغماً عن أنف السلطة، من تغيير حكومي، إلى تجنيس الأكراد لجلبهم إلى طرفه.

جاء إطلاق سراح المعتقلين في 14 نيسان 2011 كبادرة حسن نية، تزامناً مع استقبال "الأسد" لوفد من درعا، بناءً على مطالب قدّمها أهل درعا لنائب رئيس الجمهورية "فاروق الشرع"، إلا أن المظاهرات تمددت بشكل أكبر، حتى وصل بالقوات الأمنية لقتل ما يقارب من 200 شخص في ما يسمى مجزرة "اعتصام الساعة" في مدينة حمص، وأكثر من 100 شخص في مظاهرات ما سميّ بـ"الجمعة العظيمة" في 22 /4/2011، ونتيجة هذا الحوار كانت دخول الجيش إلى درعا، وحمص، ودوما، والمعضمية. واستمر "الأسد" في استقبال الوفود من المحافظات للاطلاع على مطالبهم، بغية بناء الحوار بين القائد والرعية، حيث أكد في 3/5/2011، وأثناء استقبال وفود "دير الزور" و"البوكمال" و"الميادين" أن الجيش سينهي مهمته بنجاح في درعا، يشار إلى أنها كانت المرة الثانية التي يستخدم فيها "بشار الأسد" أسلوب "الترغيب والترهيب" مع الرعية، أو أن الذئب يطمئن الغنم بأنكم سيكون دوركم هو التالي لا محالة، فيما لو ارتكبتم حماقة درعا!

مؤتمر أنطاليا والحوار الوطني

في الأول من حزيران عقد أول مؤتمر للمعارضة السورية في مدينة أنطاليا التركية، تحت اسم "المؤتمر السوري للتغيير"، حضرته 300 شخصية معارضة سورية، وقد غابت عن المؤتمر أطياف أخرى، وحضر بصفة مراقب كل من "إعلان دمشق في المنفى" و"الإخوان المسلمون في سورية".

كان من أهم مقرراته المطالبة باستقالة الرئيس، وتسلّم "فاروق الشرع" للسلطة مؤقتاً، بينما ينتخب مجلس جديد للشعب، وأعلن عن ولادة "ائتلاف القوى العلمانية السورية" التي دعت لفصل الكامل للدين عن الدولة، جعل الدستور المرجعية الأعلى للحكم، اعتماد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والتشديد على ديموقراطية نظام الحكم على أساس المحاسبة والمراقبة. إلا أن خلافاً نشب على فكرة فصل الدين عن الدولة، وتأسيس "ائتلاف العشائر السورية". ورفع في مؤتمر أنطاليا لأول مرة علم الاستقلال، الذي كان معمولاً به بعد اتفاقية 1936، وانتهى العمل به في 1958 إبان "الوحدة بين سورية ومصر"، وليكون قد قطع شعرة معاوية مع نظام الإجرام، وحاول بعض مؤيدي الأسد التهجم على المؤتمرين، إلا أن الشرطة التركية تدخلت، ومنذ ذاك التاريخ ظهر مفهوم المعارضة والموالاة.

بالتزامن مع مؤتمر أنطاليا، أصدر الأسد قرار العفو العام في 31/5/ 2011، بما فيهم الإخوان المسلمون، ونصف الأحكام الجنائية، وأعلنت "سانا" أنه بتاريخ 2/6/2011 سيتم تحديد موعد للحوار الوطني الشامل، وسيبدأ في غضون أسبوع، وقد رفض معظم المعارضين في الداخل الدخول في الحوار، على اعتبار أنه من المفترض وقف القتل قبل الدخول في الحوار الوطني.

النظام يستجدي الحوار عبر الشرع

في 10/7/2011 عقد اللقاء التشاوري في مجمع "صحارى" الذي دعا إليه النظام السوري من أجل التأسيس للحوار الوطني الشامل، وكلّف بشار الأسد نائبه "فاروق الشرع" بقيادة هذا الحوار الذي بدا على أنه ذرٌّ للرماد في العيون، فقد حضر اللقاء شخصيات حزبية، ورجال أعمال، و فنانون محسوبون على النظام للتحاور مع أركان النظام، بمعنى آخر "حوار النظام مع نفسه"، غير أن المستشارة الإعلامية رفضت أن يكون هذا اللقاء من لون واحد؛ أكّد "فاروق الشرع" من خلال كلمته في افتتاح اللقاء (نائب رئيس الجمهورية العربية السورية "فاروق الشرع" يؤكد أن الحوار ليس منة من أحد على أحد، وليس تنازلاً من الحكومة إلى الشعب، وإنما هو واجب).

ولعل تشديد نائب رئيس الجمهورية "فاروق الشرع" على فكرة أن هذا اللقاء ليس تنازلاً من الحكومة للشعب، يؤكد مفهوم العنجهية التي تكلم بها "بشار الأسد" في خطابه الأول الذي تحدث فيه عن المؤامرة، وهذا ما أكدت عليه المستشارة الإعلامية للرئاسة "بثينة شعبان": (اللقاء يخاطب الشارع، ويحاول خلق مناخ مريح للشارع.. لا أعتقد أن في الشارع مطالب أعلى مما يطرح في هذا اللقاء).

الطريق الثالث .. مرآة النظام

في 8 حزيران 2011 أعلن عن البيان التأسيسي لتيار الطريق الثالث، الذي أعلنه نحو أربعين مثقفاً ورجل سياسة في ضواحي دمشق. الهدف منه هو الإسهام في جهود المصالحة والحوار، ووقف نزيف الدم، حيث جاء في وثيقة البيان: ( انطلاقاً من حرصنا البالغ على سورية وسيادتها واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً، وشعورنا بالمخاطر الكبيرة التي تتهددها، نعلن نحن مجموعة من المثقفين والكتاب والصحفيين والمواطنين السوريين، عن تأسيس تيار وطني جديد يسعى ليكون معبراً عن "الغالبية الصامتة" في البلاد تحت اسم: "التيار الثالث من أجل سورية ").

وكان السعي إلى تشكيل مجلس الحكماء، الذي يقوم بالدعوة إلى حوارات ومصالحات بين المعارضة والنظام، إلا أنها، وفي بيان على صفحة التيار شككت بالمظاهرات الشعبية وأهدافها: (مع التأكيد على النوايا السليمة لمعظم المتظاهرين، فإن لدينا تحفظات كثيرة على تظاهراتهم.. وعموماً، نحن نرى أن المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة.. ولا نعتقد أن استمرار التظاهرات وخاصة تلك العنيفة والدموية منه يصب في مصلحة سورية وشعبه ). وعقد التيار اجتماعه الأول في فندق "سميرأميس" في قلب العاصمة دمشق بتاريخ 27/6/2011 تحت شعار: " سورية للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية"، أما اللقاء الثاني الذي عقده التيار في ذات الفندق بتاريخ 4/7/2011 كان تحت شعار "المبادرة الوطنية من أجل مستقبل سورية"، وقد حضره أكثر من 150 شخصية، حيث عرّف "محمد حبش"، أحد المنظمين هذا الاجتماع بقوله: (نحن طريق ثالث بين تحالف السلطة مع الجبهة الوطنية التقدمية، وبين تحالف المعارضة. نحن هنا نتحدث باسم الأكثرية الصامتة التي تمثل جسراً بين الدولة وبين الناس، نحن هنا لأننا نؤمن بالحوار وبالسلم الاجتماعي، نحن ضد كل عنف، ولن ندافع عن قاتل، أياً كان هذا القاتل، نحن هنا من أجل دعم جيشنا الوطني ليقوم بمهامه الحقيقة في الدفاع عن أرض الوطن، وعندما يكون هناك تمرد مسلح فنحن مع بلدنا في مواجهة التمرد المسلح ).

إلا أن هذا الاجتماع انتهى بالعراك بالأيدي، وضرب أحد منظمي الاجتماع وهو "ماجد صالحة"، عندما قال: ( الشرعية يعطيها الشارع، والشرعية يعطيها الشهداء الذين سقطوا في الشارع، ونحن إذ نقول إننا نتبنى الشارع فإننا نتبنى كل ما ينادي به الشارع، وأولها إسقاط النظام )، فما كان من شبيحة النظام من الحاضرين إلا أن انهالوا عليه بالضرب بالأيدي، ومزقوا ثيابه على وقع هتاف ( الله.. سوريا.. بشار وبس )، وفي نهاية الاجتماع تم حذف فقرتين من البيان الختامي، تتعلقان بسحب الجيش وتشكيل حكومة انتقالية، وتعديل فقرتين تتعلقان بوسائل الإعلام وتعديل الدستور.

أقيم بتاريخ 3/10/2011 مؤتمر صحفي رداً على تشكيل "المجلس الوطني" في اسطنبول، حيث دعا البيان إلى وضع بديل لإسقاط النظام، وجاء في البيان الذي تلاه علي محفوض: ( التغيير السلمي في سوريا للانتقال إلى شرعية دستورية جديدة، ليكون بديلاً لشعار إسقاط النظام، لأن الحوار هو الحل، والاعتراف المتبادل بين مختلف قوى المصالحة الداخلية هو الطريق للتوازن في العلاقات الإقليمية والدولية )، وقد ذهب التيار في محاباة النظام إلى حد تحميل المعارضة الكثير من الأخطاء، وعلى رأسها الشعارات الاستفزازية التي يطلقها المتظاهرون في المظاهرات، وأهمها "الشعب يريد إسقاط النظام"..

المجلس الوطني ..تشكيلاً معارضاً

في خطوة لتوحيد جهود المعارضة السورية في مواجهة النظام المجرم، أعلن من "اسطنبول" التركية بتاريخ 2/10/2011 عن تشكيل "المجلس الوطني السوري" برئاسة الأكاديمي "برهان غليون"، والذي تضمّن عدداً من التيارات السورية، حيث اعتبر "غليون" أن "المجلس الوطني" هو إطار موحد للمعارضة: (يشكل المجلس الوطني إطاراً موحداً لقوى المعارضة في مواجهة المجازر اليومية التي يرتكبها النظام بحق المدنيين العزل) وأضاف مؤكّداً: (يرفض المجلس أي تدخل خارجي يمس السيادة الوطنية، ويدين سياسات التجييش الطائفي الذي يدفع بالبلاد نحو الحرب الأهلية والتدخل الخارجي ).

حصل "المجلس الوطني السوري"على الاعتراف الدولي خلال فترات متفاوتة، وكان أول من اعترف به، "المجلس الانتقالي الليبي" في 10/10/2011، و"التحالف الديموقراطي من أجل مصر" الذي اعترف بالمجلس في 11/10/2011.

وفي 2/11/2011 طرحت الجامعة العربية مبادرتها لحل الأزمة السورية، والتي رفضتها الحكومة السورية في البداية، واعتبرتها تدخلاً سافراً في شوؤن الدول الأعضاء، إلا أنها الحكومة السورية وافقت عليها نتيجة ضغوط دولية، وتنص المبادرة على سحب الجيش من المدن، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإجراء حوار مع قادة المعارضة خلال 15 يوم، غير أن المجلس شكّك في نوايا النظام في الحوار، واعتبرها مهلة جديدة للقتل والتنكيل، وطالب "الجامعة العربية" بتجميد عضوية النظام في الجامعة كرد طبيعي على أعمال القتل والإجرام، وانتهت المهلة، ولم ينفّذ النظام السوري تعهداته. تمددت هذه المهلة إلى 25 /11/2011، ولم ينفذ النظام أياً من تعهداته، و في 27/11/2011 فرضت "الجامعة العربية" عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية.

في أواخر شهر كانون الثاني 2012 تمّ العمل على إنهاء المبادرة الأولى، ليكون هناك مبادرة ثانية تقضي بتنحي "بشار الأسد" على غرار المبادرة الخليجية في اليمن، وقد رحّب المجلس الوطني بالمبادرة التي تسعى إلى انتقال سلمي للسلطة، دون الدخول في حوار مباشر مع النظام، كما رحبت بها عدة دول، ورفضتها روسيا..

هيئة التنسيق الوطنية .. الرد على الاتهام

فيما يبدو رداً على تشكيل "المجلس الوطني السوري المعارض"، اجتمعت أحزاب وشخصيات مستقلة في الداخل السوري والخارج في منطقة "حلبون" في ريف دمشق في 6/10/2011 لإعلان تأسيس "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي"، أو كما أصبحت تعرف بـ"هيئة التنسيق الوطنية"، وتختلف استراتيجية "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي" عن معظم فصائل المعارضة السورية، من حيث معارضتها الشديدة لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي والتأكيد على سلمية الاحتجاجات، وتعتبر أن إسقاط النظام بكل رموزه، وبناء نظام ديمقراطي، وتعزيز الوحدة الوطنية. وتفترض بأن التأكيد على سلميّة الاحتجاجات هو أهم متطلبات المرحلة القادمة، إلا أن الشارع السوري هاجم هيئة التنسيق واتهمها بالمراوغة وبمهادنة النظام السوري، خصوصاً أنها لم تؤيد "المجلس الوطني" الذي أّيده الشارع السوري المعارض، مما حدا بالمنسق العام، المحامي "حسن عبد العظيم" إلى عقد مؤتمر صحفي للإجابة عن تساؤلات الشارع: ( لا يوجد مناخ حقيقي، ولا بيئة مناسبة لأي حوار وطني يهدف إلى توفير آليات انتقال السلطة، وما طرحته السلطة لم يكن سوى محاولات لكسب الوقت وتغطية للحلول الأمنية والعسكرية، وتوجيه رسائل للقوى الدولية بأن السلطة تحاور المعارضة، لا بد أن يبدأ بالاعتراف بقوى المعارضة الوطنية وبدورها الأساسي في حل الأزمة، وأن يعترف بالأزمة بدلاً من التعامل معها كمؤامرة وعصابات سلفية مسلحة، ومن دون الاستجابة لمطالب الشعب. لا معنى للحديث ولا التفكير في حوار في ظل القتل وتجاهل الشعب والمعارضة وكل الحقوق المشروعة ).

غير أن الهيئة بالمقابل رفضت أي شكل من أشكال التدخل الخارجي الذي يوصل البلد إلى الاحتلال المباشر: ( الحماية الدولية عنوان عريض يبدأ من التنديد والعقوبات الاقتصادية، وقرار من مجلس الأمن، ويمتد إلى إرسال مراقبين وممثلين للمنظمات الحقوقية، ويتجاوز ذلك إلى إقامة مناطق عازلة وحظر جوي، ويصل إلى ضربات جوية محددة، ليصل إلى التدخل العسكري المباشر ).

الائتلاف والاختلاف..ضرورة بحتة

بعد الأداء السيئ للمجلس الوطني السوري، والاستقالات التي حطمت تماسكه أمام أنظار المجتمع الدولي والدول الداعمة لحراك الثورة السورية، وفقدان الثقة بالمجلس من قبل الثوار على الأرض، ورفعهم لافتات يتضمن فحواها رفع الشرعية عنه، في وقتٍ كانت قد سمّيت إحدى أيام الجمعة (وهو التقليد الذي دأبت الثورة السورية منذ اندلاعها على تبنيه)بـ "المجلس الوطني يمثلني"، وبدأ الجميع بالانفضاض عن هذا الكيان، وتشكيل أجسام معارضة جديدة، من هيئاتٍ إلى تياراتٍ، وغير ذلك.

لكن الاعتراف الدولي الذي حصل عليه "المجلس االوطني السوري" يجب ألا يذهب أدراج الرياح، فكانت المبادرة القطرية بدعوة معظم اطراف المعارضة السورية للحوار، وتوحيد جهود المعارضة الوطنية السورية في الدوحة من 8 – 11 تشرين الثاني 2012 ، الذي خلص إلى إيجاد جسم جديد للقوى الثورية والمعارضة السورية، تحت اسم الائتلاف الوطني، على اعتبار أنه تحالف بين معظم الأطياف المعارضة السورية، بما فيها المعارضة الداخلية التي تعمل على الأرض، أو ما تسمى "الهيئة العامة للثورة السورية"، والتي انسحبت من الائتلاف فيما بعد.

وضع أعضاء الائتلاف عدة أهداف وثوابت من أجل العمل عليها في إطار هذا الجسم التنفيذي الجديد، ومن بين الأهداف: توحيد دعم القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية والجيش الحر، إنشاء صندوق دعم الشعب السوري بتنسيق دولي، إنشاء اللجنة القانونية الوطنية السورية، تشكيل حكومة انتقالية بعد الحصول على الاعتراف الدولي.

أما الثوابت التي يجب الالتزام بها، وعدم الحياد عنها، فهي الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني السوري، فضلاً عن الحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري وعلى وحدة الشعب السوري، أضف إلى ذلك العمل على إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، وتفكيك أجهزة الأمنية بمحاسبة من تورط في جرائم ضد السوريين، وبالنتيجة عدم الدخول بأي حوار أو مفاوضات مع النظام، والتأكيد على قيام سوريا المدنية التعددية الديمقراطية، و قد حصل الائتلاف على الاعتراف الدولي من معظم دول العالم، كان أولها "مجلس التعاون الخليجي" و "الجامعة العربية"، بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي وأمريكا.

مبادرتا الخطيب.. هباء منثور

أطلق الشيخ "أحمد معاذ الخطيب الحسني" مبادرتان: أولهما كانت وهو ما يزال رئيساً رسمياً للائتلاف، و كانت عبارة عن مبادرة حوار لوقف العنف في سورية، واقتصرت على شرطين لا غيرهما، وهما إطلاق سراح 160 ألف معتقل في سجون النظام، وتجديد صلاحيات جوازات السفر للسوريين. في الحقيقة أن الشرطين باهتان، إلا أنهما يشكلان أرضية لإحراج النظام ولوضعه في مأزق مع المجتمع الدولي، الذي يحث الأطراف جميعها على الحوار، إلا أن المبادرة رفضت من قبل النظام، علماً أن إيران كانت موافقة على هكذا مبادرة تؤدي إلى الحوار مع النظام، غير أن الهجوم الكاسح الذي تلقاه من قبل أعضاء الائتلاف، و بيان "المجلس الوطني" الذي يشكّل المكوّن الأكبر في الائتلاف، والذي اعتبر أن الحوار مع النظام هو ضربٌ لأحد أهم الثوابت التي توافقت عليها الكتل السياسية في تشكيل الائتلاف: (ما سمي بمبادرة الحوار مع النظام، إنما هي قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات "الائتلاف الوطني"، ولم يجر التشاور بشأنه، ولا يعبّر عن مواقفِ والتزامات القوى المؤسسة له، وتلك المبادرة تتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف، والتي تنصّ على أن هدف الائتلاف هو إسقاط النظام القائم برموزه، وحل أجهزته الأمنية، والعمل على محاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري، وعدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم ).

أما المبادرة الثانية التي أطلقها الشيخ "الخطيب الحسني"، كانت في 23/5/2013 (أي بعد استقالته بشهرين، وكانت أكثر تركيزاً ودقة) حيث أسماها: (ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) وقال عنها أنها "سورية المنبع والهدف"، ومنعاً لاضمحلال سورية، حيث جاء على صفحته الرسمية على الفيس بوك : (منعاً لاضمحلال سورية شعباً وأرضاً واقتصاداً، وتفكيكِها إنسانياً واجتماعياً، نتقدم بهذه المبادرة حقاً لبلدنا وأهلنا علينا، واستجابةً عمليةً لحلٍّ سياسي يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة. هذه المبادرة سوريةُ المنبعِ والهدف، وهي وحدة متكاملة، ومقيدة بجدول زمني واضح، وندعو السلطة في سورية وجميع فصائل الثوار والمعارضة إلى تبنيها مَخرجاً من الكارثة الوطنية في بلدنا، كما ندعو المجتمع الدولي إلى رعايتها وضمان تنفيذها)، وقد جاءت المبادرة في ستة عشر بنداً، تؤسس لانتقال سلمي للسلطة في سورية، محددة بمائة يوم، تقوم فيها الحكومة الحالية بإعادة هيكلة الاجهزة الامنية و لجيش، وبعد الانتهاء من الأيام المائة تنتقل السلطة وبشكل نهائي إلى حكومة مؤقتة.

على الرغم من تقديم الشيخ "الخطيب" لمبادرتي الحوار، إلا أنهما لقيتا رفضاً من رأس النظام بشار الأسد، والمعارضة على قدم المساواة!

جنيف ونقاط عنان الستة

استطاع المبعوث الأممي والعربي المشترك لسوريا "كوفي عنان" الوصول إلى تفاهم النقاط الستة في جنيف بتاريخ 1 تموز 2012، حيث جاء في وثيقة البيان الذي صدر في ختام الإجتماع الذي عقد على مستوى وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: ( قلقون للغاية بشأن فشل حماية المدنيين في سوريا وتكثيف العنف، وإمكانية أن يصبح الصراع أعمق في البلد، والبعد الإقليمي للمشكلة غير المقبول للأزمة وحجمها يتطلبان موقفاً مشتركاً، وعملاً دولياً موحداً ) وقد خلا البيان من أي إشارة إلى سيناريوهات يمنية أو ليبية، من تلك التي كان يروج لها في الإعلام العربي والغربي، ما شكل حالة إحباط لدى المعارضة في الخارج، والتي كان من المتوقع أن يكون فرض تنفيذ "البنود الستة" بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع لضمان تنفيذ البنود، إلا أن التفسيرات المتضاربة للبنود الستة أنهت مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية، وذهبت مبادرة "عنان" أدراج الرياح، بعد رفض النظام تنفيذ القرارات. إلا أن "المجلس الوطني" شدّد على أن أي حل في سورية، لابد أن يبدأ من رحيل الأسد عن السلطة، على الرغم من عدم حضور أي طرف سوري من الأطراف لمناقشة البنود الستة.

جنيف 2.. بين الاجرائي والتفاوضي

بينما تشدّد المعارضة السورية بقيادة الائتلاف على أن فكرة الذهاب إلى جنيف2 واردة، خاصة أنه مؤتمر إجرائي لتنفيذ تعهدات البنود الستة، أو مبادرة "عنان" في جنيف1، التي تفضي بالضرورة إلى رحيل الأسد، عبر هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، لإجراء انتخابات لا يكون لـ"بشار الأسد" دور في مستقبلها، وقد وصل الائتلاف إلى هذا الرأي بعد خلافات شديدة على حضور جنيف2، إلا أن "المجلس الوطني" ما يزال أكبر مكونات الائتلاف السوري. وهو الرافض للمشاركة في جنيف2 دون ضمانات مكتوبة برحيل الأسد قبل انعقاد المؤتمر، على أساس تسليم السلطة ضمن الإجراءات المعتمدة في جنيف1.

أما النظام فيرى في جنيف2 مؤتمراً تفاوضياً، ومن يريد الذهاب إلى جنيف، فليذهب دون شروط تعّقد الأزمة، وأن النظام لا يمكن أن يذهب ليتفاوض على فكرة رحيل النظام، وإنما لابد من التفاوض على مستقبل سورية ومحاربة الإرهاب، كأساس للعمل من أجل سورية المستقبل، و قد استبق النظام انعقاد جنيف2 بالترويج إلى حملة الدعاية الانتخابية لـ"بشار الأسد" مرشحاً رئاسياً في صيف 2014، إلا أنه لاقى انتقاداً روسيا على لسان نائب وزير الخارجية "بوغدانوف" الذي اعتبر:( إعلان الرئيس الأسد بشأن عدم استبعاده المشاركة بالانتخابات الرئاسية القادمة، أمر لا يساعد في تهدئة الوضع، وإن موسكو تدعو الأطراف للابتعاد عن التصريحات التي تثير السلبية لدى الطرف الآخر)!

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

كل الفصائل المقاتلة تقريباً، ترفض أي نوع من أنواع التفاوض مع النظام المجرم الذي لم يكتفِ بالأسلحة التقليدية، وإنما تعدّاه للسلاح الكيماوي الذي تخلى عنه مع أول ضغط دولي، أي أن المجتمع الدولي قادر على وقف المجازر، لذلك فلا مجال للحوار، وقد صدر بيانٌ تلاه قائد "صقور الشام" وهو "أحمد عيسى الشيخ" عن رفض 19 فصيلاً مقاتلاً على الأراضي السورية "مؤتمر جنيف2" رفضاً قاطعاً، على اعتباره خيانة للدم السوري: ( إن هذا المؤتمر لم يكن، ولن يكون خيار شعبنا ومطلب ثورتنا، وأي حل لا ينهي وجود الأسد سيكون حلاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً، وأن المشاركة فيه ستعدّ متاجرة بدماء شهدائنا، وخيانة تستوجب المثول أمام محاكمنا). وقد حاولت الولايات المتحدة الحوار مع الجبهة الإسلامية، إلا أن الجبهة رفضت استقبال "روبرت فورد"، والحوار معه.الأمر الذي دفع نحو الاعتقاد بتأجيل جنيف2.

وأخيراً ... أعتقد أن كل المحاولات التي روّج لها الإعلام الغربي، والمسؤولون الغربيون والعرب، عن الجهود الرامية لوقف حمام الدم في سورية، وهذه الحرب التي لم تبقِ ولم تذر، كلها كانت في خانة الكلام المعسول، وأغلب الظن أن للجميع المصلحة الكاملة في عدم التأسيس لأي نوع من أنواع الحل السلمي، على اعتبار أن الحل العسكري مرفوض أو غير مسموح به في سورية، ومن غير المسموح أيضاً أن يتفوق أي طرف في النزاع على الآخر عسكرياً، والحقيقة الساطعة أن جنيف2 هو عبارة عن آلة كشف الكذب لدى الطرفين، فالنظام لا يريد الذهاب إلى "جنيف2" لأنه سيعود برئيس مخلوع رغماً عن أنفه، والمعارضة لا تريد أن تذهب إلى "جنيف2"، لأنها لا تملك القدرة على فرض قرارات "جنيف2" على الأرض، وبالتالي لا جدوى من وجودها ...

مصلحة الجميع هي موت المواطن السوري، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

المصادر و المراجع:

- موقع الهيئة العامة للاذاعة و التلفزيون – الفضائية السورية

- وكالة سانا ( الوكالة العربية السورية للأنباء )

- ويكيبيديا – الموسوعة الحرة

- خطابات بشار الاسد

- موقع كلنا شركاء

- موقع سيريا نيوز

- وكالة سانا الثورة

- الصفحة الرسمية لتيار الطريق الثالث ( فيسبوك )

- صحيفة الشرق الاوسط

- الموقع الرسمي لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي

- الصفحة الرسمية للشيخ احمد معاذ الخطيب الحسني ( فيسبوك )

- موقع الجزيرة نت

- الصفحة الرسمية للائتلاف السوري لقوى الثورة و المعارضة السورية

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات