بشار الأسد: السوريون ملك حصري لي

بشار الأسد: السوريون ملك حصري لي
تنطوي عملية ترشيح نظام بشار الأسد لإعادة نفسه حاكما لسورية على الاطروحة التالية: ما حصل طوال الاعوام الثلاثة الماضية كان مجرد خلاف في الرؤى، وكل ما حصل من قبل النظام لم يكن سوى ردة فعل على هجوم تعرض له، وقد قام بالرد على الهجوم من موقعه بصفته السلطة المحتكرة لإستخدام القوة في الحيز السوري، والأن فإن الإنتخابات تاتي لإكمال السياق المذكور ، هي ليست سوى واحدة من ادوات الحسم، ليس في مواجهة المعارضة الداخلية، وإنما في سياق اعادة تأهيل النظام ووضعه على سكة إستعادة دوائر علاقاته مع البيئة الدولية بوصفه الممثل الوحيد والحصري لسورية.

في منطوق النظام، يحمل هذا الطرح مضمونا ديمقراطيا واضحا، يتمثل في ان ما حصل في سورية، حتى لو جرى إعتباره عملية قمع جرت ممارستها بسقوف عنف مرتفعة، فهي كانت عملية حصرية موجهة ضد فئات او شرائح مارست ذات اللون من العنف تجاه الدولة، والإنتخابات اليوم هي لإثبات محدودية نسبة تلك الفئات والشرائح ، مقابل إظهار الضفة الأخرى المؤيدة ، وبالتالي محاكمة مرحلة السنوات الثلاثة الماضية تبعا للنتيجة التي ستفرزها صناديق الإنتخابات.

لا شك ان نظام بشار الأسد، يضع نفسه في موقع الحكم والجلاد بنفس الوقت، هو يصنع المعادلات ويضع الاحكام والخلاصات ويطلب من الجميع التصديق عليها دون حق المناقشه، اذ لا يحق للمجتمع الدولي ولا حتى الداخلي مراقبة العملية التي يريد نظام الأسد منها ان تكون حجة على الأخرين وتظهر مدى تأمرهم على سورية ونظامها الحاكم، فقط مطلوب من العالم أن ينتظر ظهور تلك النتيجة، التي سيظّهرها النظام بطريقته وبادواته وشروطه هو وإسلوبه، يكفي تدليلا على مصداقية النظام ان اجراءاته الشكلية سليمة ووفق الشكل الدستوري، سواء لجهة مراعاته شروط الإنتخاب التي يتطلبها الدستور أو لجهة تعددية العملية؟.

لا ينفع تذكير النظام هنا ان الدستور الذي يجري اعتباره حكما وفيصلا قد جرى تعديله أثناء الأزمة، وجرى تفصيل بنوده على مقاسات النظام، وبالتالي يفقد امكانية جعله مصدر ثقة ومعيار صالح للحكم على هذه العملية، كما لا ينفع التذكير بأن هذا الدستور وقبل تعديله هو مجرد نص تنفيذي لإدارة وضبط المجتمع السوري وفق رؤى فئة صغيرة في سورية، سواء كانت ذات صفة حزبية أم ذات صفة مهنية عسكرية مثلا، وإن عمليات التصويت التي كانت تجري لتثبيت تلك النصوص وتحويلها الى قوانين أساسية هي عمليات مّزورة ومفروضة بالقوة، وبالتالي لا يرقى هذا النص الى كونه عقد إجتماعي، لا بين مكونات المجتمع، ولا بينها وبين السلطة الحاكمة.

بالطبع، يسعى نظام بشار الأسد الى فرض منطقه بوصفه المنطق الوطني السليم، وبإعتباره حق وطني يقوم على مبدأ تقرير المصير، فيما يبدو انه إحتكار لهذا الحق من طرف فئة او طرف معين، وكان بقية السوريين ليس من حقهم تقرير مصيرهم، ويسعى النظام الى وضع العالم أمام خيارين، إما ان تقبلوا العملية بوصفها حقا وطنيا أو فإن أي إعتراض هو تدخلا في الشؤون الوطنية، وهو كما اسلفنا يضع نفسه على انه الطرف الوطني الوحيد فقط بالنظر لإحتكاره السلطة وإستنادا على قاعدة تمثيلية وهمية غير موجودة على أرض الواقع.

هل ثمة من يلحظ ان نظام الأسد، وفي طريقه لتظهير هذه المعادلة، ارتكب العديد من جرائم الحرب بحق فئات سورية عديدة، حيث عمل على تطهير مناطق سورية واسعة لتنظيفها من معارضيه وإحلال مواليه مكانهم، ودفع بملايين رافضيه الى مخيمات النزوح والتشرد، وحاصر ولا زال ملايين أخرين يرفضون حكمه، والأهم من كل ذلك عبث بالجغرافية السورية ودمر تواصلها وبيئة الحياة بها من اجل غرض واحد وهو إظهارها على أنها مناطق خارجة ليس فقط عن حكمه وإنما عن الحياة العصرية بعد أن مهدها كبيئة صالحة لزراعة كل أنواع التطرف، وبذلك صمّم سورية على مقاس انتخاباته ومقاس دستوره!.

ايضا، فقد فعل نظام الأسد، كل ما سبق، بمساعدة إقليمية ودولية، قدمتها ايران وروسيا، اللتان ساهمتا بدرجة كبيرة في عمليات التطهير وإعادة هندسة الديمغرافيا والجغرافية السورية، لضمان مصالحهما الإستراتيجية في المنطقة، دون أدنى اعتبار لحق السوريين في الحياة، فيما يعتبر حليفهم في دمشق أي مطالبة بحق السوريين في الغذاء والحماية كنوع من التدخل الخارجي في شؤونه، وكأن المطلوب أن يقتل ويشرد ويقذف ملايين السوريين الى دول الجوار وترك تلك الدول تتحمل اثار ذلك دون الحق في ابداء الرأي؟.

ليس مطلوبا من العالم الإنخراط في لعبة مدى شرعية انتخابات نظام الأسد من عدمها، الصحيح ان يقوم العالم بعملية موازية وهي إستكمال تقديم اوراق نظام بشار الاسد الى محكمة الجنايات الدولية، هذا هو العنوان الطبيعي الذي يجب أن يتوجه له العالم، العناوين الأخرى مضللة.

التعليقات (1)

    متابع

    ·منذ 9 سنوات 11 شهر
    على من تقرأ مزاميرك ياداوود
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات